1
إن لم يكن لكل حركة أو تحرك إستراتيجية، تتوه الأهداف ويخور العزم وتنتهى التحركات والمطالب إلى هباء. أريد هنا أن أتكلم كلام بسيط غير متقعر حتى يتيسر فهمه للعامة ولكى يدركه الخاصة من قياديين ومنظرين وناشطين وأيضا مؤيدين.
لتقريب مفهوم الإستراتيجية المطلوبة والتى بدونها تصبح التحركات والتضحيات وكأنها حرث فى البحر. فعلى سبيل المثال يمكن النظر لتضحيات بشرية هائلة قدمها النضال الفلسطينى وعلى مدى زمنى محترم، مع مؤازرة جماعية بكافة الأشكال من أغلب الدول والشعوب العربية وأحيانا الأوروبية بل والأمريكية، ولكن العائد كان أقرب للصفر بل كان أحيانا خسارة أفدح، وضياع تلك التضحيات هباء كان بسبب غياب الإستراتيجية الجيدة والتى حل محلها احلام وأمنيات تحولت لعدم واقعيتها إلى كوابيس يعيشها الفلسطينيون بصورة يومية سواء الذين فى أرضهم أوفى الشتات.
ولكى نضرب مثالا على إستراتيجية ناجحة نشير إلى إستراتيجية إخوان الخراب الذين بدأت حركتهم بجماعة صغيرة فى الإسماعيلية بمصر ثم تطورت وأصبحت رقما صعبا بل أصعب الأرقام قاطبة على الساحة المصرية والعربية بل والدولية أيضا. نعم تضافرت ظروف عدة داخلية ودولية عملت لصالح إستراتيجية الإخوان ولكنهم أحسنوا إستغلالها وكسبوا منها بدلا من أن يهدروا الفرص بمطالبات خيالية ذات سقف عال، وكانوا براجماتيين (عمليين) إلى حدود لازالت تدهش المراقبين، فاستغلوا أولا ملوك مصر وأحزابها، ثم إستداروا إلى السعودية ودول الخليج فحلبوا منها ما حلبوا من أموال ومدد بشرى من بعد ما سمموا أفكار ناشئتهم لعقود، وإستفادوا من تسامح دول الغرب رغم تضاد الافكار والقيم بل هاهم اليوم يطرقون باب أمريكا التى تتصل بهم وتخطب ودهم، بعد أن عرضوا أنفسهم كبديل للإرهاب فى توزيع رائع للأدوار، وكأنهم إسلام وسطى له أرضية مشتركة مع القيم الغربية.
البوم يتحرك الأقباط بنشاط له زخم ودعم داخلى من الشعب القبطى الصارخ ومن المسلمين المعتدلين الذين يوجع ضميرهم الظلم أينما كان، مع دعم من الخارج أيضا بما فيه دول يكاد يضعها الأقباط فى مصاف العدو بحجة أنها السبب الذى مكن ومول إضطهادهم (وهذه من سلبيات إستراتيجية الأقباط وسنشرح ذلك لاحقا). يمكن لهذا التحرك أن يكون مفيدا وله عائد إيجابى، ويمكن أيضا أن يكون مصيبة كمصيبة شعب الشتات الفلسطينى. دور الإستراتيجية الحكيمة هنا أن تجمع العناصر الإيجابية وتعمل على تفاعلها من أجل التوصل لأهداف مرحلية تحظى –إلى حد ما-بالقبول العام داخليا وخارجيا، ويمكن فى المقابل أن يشتط الأقباط فيهلوسون بطلبات أشبه بالفكاهة السخيفة تقابل بما تستحق من السخرية ويصبح تحركهم أشبه بالعدم بل أذل وساء سبيلا.
لنحاول أولا تقييم إستراتيجية تحركات الأقباط الجارية ونستطلع سلبياتها وإيجابياتها لنرى إن كان يمكن مداواة السلبيات وتفعيل الإيجابيات. ثم نحاول وضع بعض الخطوط العربضة لما نراه أهداف قابلة للتحقيق والتحرك المناسب لتحقيقها. وغنى عن الذكر أننا فقط نحاول، فالباب مفتوح للنقاش إضافة وسلبا وإختلافا، ولكنى أرجوه أن يكون إختلاف فلسفى راق والأهم منطقى، وأقول لمن يتصدى للنقاش أن لا يغفل الواقع بوصفه المقدمة الأولى فى المعادلة، ثم تأتى النتائج المأمولة بصفتها ناتج معادلة، وعلى هذا الأساس يتم توصيف تحرك الأقباط المطلوب كمقدمة ثانية فى المعادلة يعمل مع المقدمة الأولى (الواقع) لتكون النتيجة المأمولة نتاج حتمى منطقى.
أول سلبيات تحرك الأقباط إفتقاد القيادة. من الذى يتكلم باسم الأقباط؟ بل من قبل ذلك من الذى يستمع له الأقباط؟ أقباط الداخل إلا قليلا لا يستمعون سوى لصوت البابا والكنيسة ولا يهتزون إلا لما يمس شخص البابا أو أشخاص الكنيسة فقط. فالمظاهرات لم تخرج عندما قتل أكثر من عشرين شخصا ذبحا وحرقا فى الكشح، ولكنها خرجت وكانت مرشحة لما هو أكثر عندما أسلمت زوجة قسيس! أقباط الخارج (المهجر) فى تحركهم سلبية مختلفة فهم وإن كان للبابا والكنيسة تأثير عليهم لكنه محدود وفى حدود العقيدة أو أكثر قليلا. أما السلبية التى تعوق تحركهم فتظهر –على عكس أقباط الداخل- لكثرة الساعين لأن يكونوا قادة. منظمات عديدة ما أنزل الله بها من سلطان فى كثرتها وتعددها. أغلب تلك المنظمات يحمل نفس الأفكار لكنها أبدا لا تندمج، وبعضها منظمات تريد التميز فتتبنى أفكار متطرفة تذكر بتطرف أفكار منظمات الفرقة الناجية وإن كانت والحمد لله لم تتخذ العنف سبيلا لنشر أفكارها، وبين هؤلاء وأولائك يضيع جهد المرحلة ورغم وفرة الحصاد فالزراع يتجادلون وأحيانا كثيرة يتشاحنون حتى تتلف الثمار...
وإلى تكملة...
عادل حزين
نيويورك
التعليقات