الجزء الاول: علامات اختطافي تلوح في الافق!
لم يكن ذلك اليوم الباكر باستثناء عن الايام الثلاث التي قضيتها في بغداد الكاظمية حيث توقضني رائحة الشاي وبعض الدفء المنبعث من موقد تديره بدوية ذات حسن وجمال جعلني كما غيري نحيط بموقدها كيتامى وليس زوّارا لباب الحوائج موسى بن جعفر (ع). فبعد صلاة الصبح اتوجه مباشرة ومن حيث لاشعور نحو ذلك الموقد الذي يتخذ مفترشا لابأس به من شارع باب القبلة الملئ بالفنادق حيث اقامتي كلما زرت بغداد. من ذلك المقر وبعد فطور دسم من القيمر العراقي والصمون العراقي والشاي العراقي اتوجه نحو مقر quot;حزب الامة العراقية الديمقراطيquot; الذي يرأسه السيد مثال جمال الالوسي (ابو ايمن). ورغم زيادة اجرة التاكسي من ثلاثة الاف دينار الى خمسة -نظرا لاصدار حكومة الدكتور ابراهيم الجعفري قانون رفع اسعار البنزين ثلاثة اضعاف- الا ان ذلك لم يكن سببا لي في ان اقطع زياراتي المتكررة للمقر حيث لي فيه احبة ومعارف فضلا عن ابو ايمن الصديق العزيز. ورغم المخاطر التي تكتنف من يتكرر على الشارع المؤدي الى مقر حزب الامة حيث مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني ايضا الا انني كنت اقنع نفسي بان من اوصوني بالحذر الشديد بانهم اناس يحرصون على سلامتي ليس الا وانها نصائح لاتستند الى الواقع الذي كنت اتوقع احاطتي به خصوصا وان لااحد يعرف من انا! نعم كيف يتسنى لشخص ان يعرف انني رياض الحسيني الكاتب الصحفي والمعارض سابقا لحكومة صدام والمرشح لعضوية المجلس الوطني ضمن قائمة مثال الالوسي للامة العراقية لاحقا الا اذا كانت عصابة منظّمة وذات اذرع وغطاء سياسي وهو ما اسقطته من حساباتي تماما.
لم يكن ذلك سوء تقدير مني بالقدر الذي كان واقعا اعيشه يوميا حيث لاعداوات شخصية لي فضلا عن انني لم اشكّل يوما رقما صعبا في وجه التيارات المنافسة سواء الشيعية منها او السنية او حتى ضمن قائمة حزب الامة الذي لم انتمي له ولست حتى من اعضاءه ولا تربطني به سوى العلاقة الحميمية والصداقة التي كانت تربطني بشخصية مثال الالوسي.
نعم كنت من اشد المدافعين عن هذا الرجل الذي كان يشكل بالنسبة لي صورة مصغّرة عن العراق في المنفى حيث الاصالة والاندفاع والمشاكسة المبرمجة وروح الدعابة والغيرة والشهامة والوعي الوطني والنضج. ترسّخت تلك النظرة لدي بشكل اكبر حينما خطط مع مجموعة من النشطاء السياسيين لاقتحام مبنى السفارة العراقية في برلين ونجاحهم في احتجاز السفير وطاقم السفارة من دون اراقة قطرة دم واحدة وذلك في 20 اغسطس 2002. بعدها لم ادّخر جهدا ولم اتردد لحظة واحدة لانبري مدافعا عن الالوسي وعن منطلقاته حينما هاجمته الصحافة المحلية والعربية على حد سواء نظرا لحظوره مؤتمرا يناقش الارهاب العالمي في تل ابيب. فكتبت مقالا عنونته quot; رفقا بالالوسي، من طلب الباطل فاصابه ليس كمن طلب الحق فاخطئهquot;، والذي اثار كثير من التساؤلات حول علاقتي بالالوسي بل وتعداها ليصل الى علاقتي باسرائيل التي لم اتوقع يوما ان يتهمني فيه احد بهكذا تهمة شنيعة من انني والالوسي نشكّل جبهة دعائية للتطبيع مع اسرائيل في العراق الجديد. تهمة اقلّها ان يدفع من يوصم بها حياته ثمنا فضلا عن التسقيط الاجتماعي والافلاس السياسي في وضع مضطرب مثل الحال العراقية الاستثنائية بكل المقاييس والنسب. نعم تعرّضتُ لهكذا كلام ومناوشة وتلاسن مع البعض ممن يخشون نجاحي ووصولي الى مستويات تعرّي ماهم عليه من الدعة الا ان ذلك لم يكن مدعاة لي لان يخطر ببالي ان يصل الامر الى حد الاختطاف والقتل الا اللهم من قبل جماعات اسلامية متطرفة او بعثية مهزومة وهو ما اسقطته من حساباتي بشكل قطعي ايضا.
لم يقف اسنادي للسيد الالوسي عند هذا الحد بل تعداه الى مقالات ومواقف جريئة اخرى تزامنت مع محاولات الاغتيال التي تعرض لها موكبه مرات عدة وسط بغداد او من خلال الهجومات المتكررة على داره الواقعة في حي الجامعة. كان اخر تلك الهجمات محاولة في الثامن من فبراير 2005 اتت بنصف اكلها فخرج الالوسي منها سالما بينما دفع ولديه ايمن وجمال حياتهما ثمنا بدلا عنه. في الليلة التي سبقت تلك الحادثة كنت على الهاتف مع الشهيد ايمن وتكلّمنا كثيرا حول الوضع في العراق والسبل الكفيلة للخروج من الازمة التي بدات تبتلع الوطن باكمله. تألمت كغيري من العراقيين لما يلاقيه هذا الرمز الوطني وعائلته من افعال دنيئة من قبل الارهابيين فضلا عن التجاهل المتعمّد من قبل السياسيين المحليين والذي كان اخرها تجريده من الحماية الشخصية بعد عزله من هيئة اجتثاث البعث الذي سبقه تجميد عضويته في المؤتمر الوطني العراقي بزعامة الدكتور احمد الجلبي. وقتها كتبت مقالا بعنوان quot;كبرياء الالوسي وانكسار الحكومةquot; حمّلت فيه وزارة الداخلية مايلاقيه الالوسي وعائلته على ايدي الارهابيين من جرائم فضيعة من دون ان تحرّك الحكومة ساكنا لمنع ذلك او على اقل التقديرات مؤازرته وقت الحاجة نظرا لانه مواطن عراقي فضلا عن انه سياسي وطني له برنامج ورؤية خاصة يظن من خلالها انه يخدم العراق والشعب العراقي ويجب ان تُحترم. بعد تلك المواقف وصلتني توعدات وتهديدات من انني ساواجه المصير نفسه ان لم اتخلّى عن مساندة الالوسي! حقيقة لم اعطي لها اذن صاغية ولم اكترث بها ولم اعرها اية اهمية واعتبرتها كلام فارغ لايجب ان يأخذ من وقتي الكثير، فزمن التهديد والوعيد قد ولّى مع جرذ الحفر، فنحن اليوم نعيش مرحلة من الانفتاح والقيم الديمقراطية، هكذا اقنعت نفسي وآمنت.
الحقيقة ان مواقفي الوطنية لاتتحكم بها ايدلوجية محددة كما ليست لدي اية ارتباطات حزبية ضيقة، فانا وكما معروف عني مستقل عن الانتماءات ومنفتح على الجميع بلا استثناء ماخلا الارهابيين ومن يقف وراءهم ويبرر لاعمالهم في قتل الابرياء وتدمير الانسان تحت حجج واهية. وان اختلفت رؤاي مع البعض منهم فلا يعني ذلك بانه يتوجب علي القطيعة لسبب بسيط هو فهمي للحالة العراقية فضلا عن ايماني بان الاختلاف لايفسد للود قضية. كما آمنت بانه يتوجب على الجميع ان يتصرّفوا بهذا الوعي العالي وان لايصرفهم الانتماء الحزبي عن القضايا الوطنية العليا. للامانة اقول ان اغلب من التقيتهم كانوا كذلك وهو مايدعو الى التفائل بالعراق الجديد. لذلك لم تقتصر مقالاتي ومعالجاتي الصحفية بالاضافة الى مساندتي السياسية ومواساتي الانسانية على الالوسي الذي لم يحصل منها الا على النزر اليسير مقارنة بالاحزاب الاسلامية مثلا او المواقف الليبرالية الاخرى سواء العراقية منها او العربية.
رياض الحسيني
كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل
www.riyad.bravehost.com
التعليقات