واحدة من الظواهر الاجتماعية السلبية العديدة التي خلقها وخلفها النظام الصدامي السابق هي ظاهرة ( الحواسم) والتي نعني بها عمليات السطو والنهب والسرقة. لقد تعمد النظام السابق وفي اطار خطة جهنمية مدروسة وبدقة الى استدراج شرائح واسعة من ابناء المجتمع العراقي الى مستنقع السرقة واللصوصية تحت ضغط الحاجة والفاقة والعوز التي تسببت بها سياسة النظام الرعناء والمتخبطة.

لقد استهدف النظام ومن خلال خطة محكمة شخصية الفرد العراقي بقصد مسخها من خلال تفريغها من كل القيم والمبادئ والمثل الانسانية والاخلاقية والدينية كي يسهل اختراقها ومن ثم تسخيرها والتحكم بها كيفما يشاء ومن هنا جاءت (الحواسم) كأنعكاس لتلك السياسة الخبيثة والتي اوجدت قطعان ومجاميع من البشر لا يجيدون سوى اللصوصية والنهب بأحتراف.

ورغم الجهود الكثيرة التي بذلتها المؤسسة الصدامية التخريبية في صنع هذه الظاهرة الا انها لم تستطيع تأصيلها في المجتمع العراقي ولا في تحويلها الى قانون يحكم حياة العراقيين او يتحكم بها. حيث استطاعت شرائح واسعة من الذين تحولوا الى مصاديق لهذه الظاهرة التخلص منها بوقت قياسي دل على اصالة الفرد والمجتمع العراقي وعودته الميمونه ولو تدريجيا الى اصوله وتقاليده العربية واعرافه الاسلامية الكريمة.

واذا كان النظام السابق المسبب لـ (الحواسم) بارادة ووعي ومع سبق الاصرار والترصد، فأن النظام السياسي الحالي الجديد أفرز ظاهرة جديدة وخطيرة بل أكثر خطورة من ( الحواسم ) هي ما يمكن تسميته بظاهرة (الحوازم) نسبة الى وزبر الدفاع السابق في حكومة الاخضر الابراهيمي والتي اعقبت حكومة بول بريمر والمتهم _اي الوزير_ بسرقة مليار دولار يوم كان وزيرا. ان هذه الظاهرة تمثل من وجهة نظرنا المتواضعة نقلة خطيرة في الواقع السياسي العراقي وفي السلوك الاجتماعي.

وقبل الولوج لسبر اغوار هذه الظاهرة المرعبة ومقارنتها بظاهرة (الحواسم) لابد من التأكيد على ان (الحوازم) تمثل انعطافة سلبية خطيرة بدأت تعيشها أغلب القوى السياسية العراقية المتنفذة وتتعاطى معها بشكل يومي وعلى اعلى المستويات.

وفي الحقيقة شكلت (الحوازم) في نظرنا ردة قيمية في المثل السياسية التي نادت بها تلك القوى طوال معارضتها لنظام صدام البائد لتشكل في النهاية صدمة للطبقات المحرومة من المجتمع العراقي الذي قُدر له الانتقال من الواقع البائس الذي مثلته (الحواسم) الى الواقع المر الذي تعكسه ( الحوازم) والتي جاءت على صهوة الديمقراطية الموعودة. انه قدر العراقيين التعيس ان يعيشوا بين (الحواسم) و(الحوازم).


نترك (الحوازم) تعرف نفسها بنفسها من خلال مقارنتها بـ (الحواسم) فاذا كان البؤساء والفقراء والعاطلين عن العمل والمحرومين من ابناء الطبقات المتخلفة اقتصاديا رجال(الحواسم ) فان ( الحوازم) ابطالها رجال من علية القوم ومن النخب السياسية ( المناضلة) حد التخمة من اجل البؤساء على حد ادعاءاتهم، من وزراء ووكلائهم ومن مدراء وسفراء العهد الجديد وربما رؤوساء الوزراء وهذا ليس ببعيد وبخاصة بعد اللقاء المريب الذي أستطاع كاتب السطور الحصول على معلومات عنه والذي جمع بين رئيس الحكومة الحالية ومليونير عراقي كان يدير أستثمارات النظام البائد في عاصمة الضباب تلوكه الالسن علما انه _اي المليونير_ شريك لمصري يملك احدى شركات الهاتف النقال والتي مافتئ العراقيون يتذمرون من سوء خدماتها ليل نهار.

يُذكر ان مدة عقد هذه الشركة السيئة الصيت داخل العراق أوشك على الانتهاء اذ يعتقد البعض ان اللقاء المذكور استهدف تجديد عقد تلك الشركة مقابل عمولة معينة قد لا تكون (كاش) بل ستأتي على شكل دعم لتموين الحملة الانتخابية القادمة لرئيس الوزراء ولاندري هل ستكشف صحيفة ( الاوبزرفر) البريطانية هذه المرة ايضا حقيقة هذه الصفقة السياسية التجارية كما كشفت من قبل عن فضيحة العمولة (Commission) التي تلقاها وزير الاتصالات السابق في حكومة بريمر والمستشار في الوزارة الحالية ام لا؟ الأمر متروك للـ(الاوبزرفر) على أننا لا نمانع في تزويدها بالمعلومات المطلوبة عن ما يمكن تسميته بـ ( فضيحة مطعم اشبيلية) خدمة للشعب المنهك وللحقيقة اذا اقتضت الضرورة ذلك.

واذاكانت المواد العينية من اجهزة كهربائية او اثاث منزلي او قطع غيار وغيرها لا تتعدى قيمتها في احسن الحالات مئات الدولارات تمثل غاية اللصوص في ( الحواسم) فأن الملايين بل المليارات كما كشف عن ذلك مؤخرا تقرير (مفوضية النزاهة) والعقود المليونية المزورة وناقلات النفط المهربة والاشباح التي تتقاضى الرواتب من دون ان يكون لها وجود في الواقع سوى حبر على ورق، والمساحات الشاسعة من اراضي الدولة التي تم الاستيلاء عليها من قبل أسر المتنفذين في (اليرلمان) من دون حسيب او رقيب او تم شرائها برخص التراب دفعا ً للاشكال (الشرعي) تحت يافطة بناء القبور للرموز السياسية التي أستشهدت وغير ذلك من طرق النصب والاحتيال ومن السرقات الكبرى المنظمة و(المشرعنة) والمحسوبية تمثل مادة وغاية رجال ( الحوازم) اذ على قدر أهل العزم تأتي (الحوازم).

ياله من انقلاب خطير، لصوص عاديون من ضحايا (الحواسم) يتوبون ويستقيمون،ومناضلون (ملتزمون) عادوا الى العراق صفر اليدين لا يملكون شروى نقير سوى تاريخهم (النضالي) يتحولون بفضل (الحوازم) الى مليونيريين لصوص.

المحزن في الامر ان الصحافة البغدادية الرسمية التابعة للحكومة وشبه الرسمية الناطقة باسم الاحزاب المؤلفة للحكومة مشغولة بفضيحة (المليار) دولار التي أختفت من وزارة الدفاع التي كان يديرها حازم وكأن وزارت الحكومة الأسلاكردية الحالية طاهرة مطهرة ! والواقع ان في كل وزارة الف حازم وهذا ما كشفه تقرير القاضي اللاراضي عن اداء تلك الوزارات راضي الراضي ولنا معه وقفة.

محمد حسن الموسوي
[email protected]