ترويض الحيوانات عملية لها تكنيك معقد جدا. وأول حيوان تم ترويضه هو الكلب وقد قام به الإنسان منذ إثنى عشر ألف سنة تقريبا، الأغنام والماعز تم ترويضها ثماينة آلاف عام قبل الميلاد! وقد تمت عمليات الترويض وفقا لحاجات الإنسان. البقرة الحالية مثلا تنتج لبنا أكثر بآلاف المرات عن جدودها الوحشية، الفرخة تنتج مائة ضعف من البيض عن أجدادها. وإن كنا تعودنا وجود مزارع للفراخ والبط والديوك الرومى والأرانب، فإن مزارع الأسماك والسمان بل والصقور مثلا تعتبر من الصناعات الحديثة جدا نسبيا. وقد إستحثت لسد إحتياجات الإنسان الحديث.
عملية الترويض يمكن أيضا أن تجرى بشكل ما للإنسان. لعل الكثيرين يتذكرون مسرحية ترويض النمرة والأفلام العديدة المقتبسة من فكرة تلك المسرحية سواء كانت أجنبية مثل quot;ماى فير ليدىquot; أو عربية مثل مسرحية quot;سيدتى الجميلةquot; لفؤاد المهندس وشويكار وغيرها كثير من الأفلام. موضوع تلك المسرحية والتى يقال أنها مأخوذة من الأسطورة الرومانية quot;بيجماليونquot; وإن كنت لا أدرك الصلة بينهما، موضوع تلك المسرحية هو أن الإنسان ndash; وقد مثلته فتاة فى تلك المسرحيات والأفلام - هو نتاج مجتمعه، وإن الإنسان الشرس الطباع وضيع التفكير والتصرفات يمكن لو تم بذل بعض الجهد لتعليمه، يمكن تحويله لإنسان متحضر راقى فى تفكيره وفى تصرفاته. أو على الأقل تحويله لشخص متوائم مع قيم المجتمع، وهذه الأخيرة أحد الأهداف من توقيع العقوبة على المجرمين، ولذلك يقال أن هدف العقوبة هو التأديب والتهذيب والإصلاح!
يتعرض غالبية المسلمين لعملية ترويض جماعية زادت حدتها مؤخرا منذ أظهر بعض المتزمتين وجها شرسا ووحشيا للإسلام فى عمليات سبتمبر وما تلاها من تفجيرات فى مدريد ولندن وبالى ومذابح كشمير والشيشان والعراق وغيره. غرض تلك العملية هو إجبار من زال يعاند من المسلمين على تبنى القيم الإنسانية الحديثة التى لا يؤمن بها أكثرهم من حرية الإختيار وإحترام حقوق الإنسان وتقبل الإختلاف. وسيلة الترويض هى ذات الوسيلة الأبدية، التعليم والتدريب وإستعمال العصا والجزرة. الإستثارة أيضا تعتبر من أهم وسائل وخطوات عملية الترويض. وعلى هذا الأساس يمكن إستيعاب عمليات الإثارة المستمرة التى يتعرض لها المسلمون فى الآونة الأخيرة. تصريحات كثيرة يطلقها قادة العالم السياسيين وزعماؤه الدينيين تمس الإسلام والمسلمون. وفى كل مرة ينقاد المسلمون بسهولة للإستثارة ليعطوا من يستثيرهم حجته الكاملة على ما تفوه به.
فإن رسم بعض الأشخاص رمز الإسلام فى صورة إرهابى، قام المسلمون بإشعال الحرائق فى السفارات الأجنبية ومهاجمة الأجانب وبذبح بعض البشر! وإن قال شخصا أن إله الإسلام يضيق من إستعمال الإنسان لعقله، قام بعض المسلمون بحرق بعض الكنائس وذبح بعض المسيحييين وقتل راهبة تقوم بخدمة أطفالهم! وإن زاد القول بأن الجيد الذى أتى به محمدا ليس جديدا وأن جديده ليس جيدا، قام بعض المسلمون بتقديم الكثير من الحجية لتلك الأقوال من حيث يريدون أن ينفوها! واضح أن هدف بعض المسملين ليس نفى تلك المزاعم والأقوال وإنما هدفهم الأساسى هو فقط أن لا تقال إرهابا ورعبا من ردة فعلهم! والملاحظ أن ردة الفعل هذه تتآكل مع إستمرار التهجم على الإسلام، فها هو حزب دانمركى بالذات، وليس فقط مجرد صحيفة محدودة الإنتشار أو رسام هاو مجهول، حزب وإن كان ليس له شعبية غالبة يهزؤ من بعض الرموز الإسلامية وبدون أى ردة فعل! ومع كل زيادة فى إظهار وجه سيىء ومتوحش منسوب للإسلام فى أى مكان فى العالم ستزداد التعليقات والملاحظات الماسة بالإسلام، فماذا سيفعل المسلمون وما هو الحل؟
الحل بيد فلاسفة الإسلام المحدثين، وقطعا ليس بيد الدعاة والشيوخ والمفتين. على فلاسفة الإسلام المحدثون أن يحددوا إختياراتهم أولا، إن كانت مقاومة لتلك الأفكار الحديثة من حرية فكر ومساواة وعدالة، أم توافق معها وتبنى لها. وأعتقد أن الفلاسفة المسلمون لم يقصروا فى هذا الجهد فكتاباتهم التنويرية تملأ الفراغ الثقافى فى العالم الإسلامى كله ومنذ زمن معقول جدا، ولو أتيحت لأفكارهم الفرصة لكانوا قد غيروا كثيرا من الأفكار المتوحشة المتصادمة مع القيم العالمية. الخطوة الثانية بيد قادة العالم الإسلامى من السياسيين، حتى الأمس القريب كان إختيار هؤلاء القادة فى مجملهم هو المواجهة مع العالم إعتمادا على تجييش الدعاة وتمكينهم من الوسائل الإعلامية والتعليمية والسياسية، وصناعة رأى عام ومجتمع مغرق فى عبادة الماضى السحيق، مؤمن بالعنصرية والفاشية وباحتكار الحقيقة ولو كانت أوهاما فى أوهام.
وإلى تتمة....
عادل حزين
نيويورك
التعليقات