ليل السجون السورية هل له من آخر؟ ( 1 /2 )
أعتذر ابتداءً من قول كلمات يمكن أن تعيد الأرق لعينٍ سهيت بعد طول سهاد، والخَلَجَ لقلبٍ هدأ قليلاً بعد طول اضطراب، والذكرى الأليمة والمؤلمة التي تطاولت ثمّ غفت متدثّرةً بالرقيق الرقيق من النسيان.
اليكم ndash;ياأحباءنا جميعاً ndash; أعتذر، فماهذا أردت، ومالهذا قصدت. وانما هي ذكرى وكلمات لعلها تنفع، وتمنع عن الناس كل الناس آلاماً ومعاناةً مضغناها معاً وأكلناها معاً، وعشناها بطولها وعرضها معاً في عشيات الأنظمة الباطشة وبكورات الديكتاتوريات المقرفة والقامعة.
فليس سراً أن المئات من الأسرى والمعتقلين الكويتيين الذين قضوا في غياهب ظلمات نظام البعث العراقي بين قتلٍ وتعذيبٍ وتصفيةٍ من دون ذنبٍ اقترفوه أو جريمةٍ ارتكبوها.
وليس سراً أن آلاف الأمهات والآباء والزوجات والأبناء والبنات كانوا ينتظرون عودة أحبائهم ومفقوديهم على أحرّ من الجمر، ولكنّ الانسانيةَ ومشاعرَها ومعانيَها وقيمَها في عالم، والجلادين وقيمَهم وسفالاتِهم في عالم آخر. ثمّ سقط النظام العراقي وهوى، وانتهى أمل كانوا قطرةً قطرةً عليه يقتاتون، واستبان أمرهم وتأكد أنهم غدوا في حواصل طيرٍ عند ربهم، ثمّ ليتجرع الجميع ألم فقد أحبائهم كمداً وحسرةً، ومرضاً وكآبةً ونَوحَاً واكتئاباً مدى الحياة. وليتردد النداء من شاهدٍ الى مشهود في فضاءات العربان:
قتل الانسان ماأكفره!!
بأي ذنبٍ قتلت!!؟
من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً.
بالأمس مفقودوا الكويت وفلذات أكبادهم، واليوم مفقودوا لبنان والأردن وفلسطين وأحباؤهم في سورية، ومابين مفقودي الأمس واليوم عشرات الآلاف في الشام بين فقيدٍ ومفقودٍ وقتيلٍ ومسجون وشاهدٍ ومشهود.
بالأمس القريب تأكدت كارثة الكويتيين بأحبابهم، فهل ينتظر (الشامستانييون) سقوط السجّان ليبحثوا عن أحبائهم في فيافي الصحراء وعلى ضفاف العاصي وفي رحاب الشهباء وزاوية هنانو!!؟
الكثير من الآباء والأمهات اللبنانيين ndash; هذه الأيام ndash; معتصمون أمام مبنى الأمم المتحدة في بيروت (لاحظوا مبنى الأمم المتحدة بحاله) للمطالبة بأسراهم في دمشق التي تبعد أقل من ساعتين عنهم. مهازل ومسخرات حكام القمع والاستبداد. سجناء رأي أو فكر!؟ مذنبون!؟ مجرمون؟...الخ هذه الاسطوانة المشروخة، قَدِموهم لمحاكماتٍ مثل الخلق والعالم، واكشفوا أسماءهم للعالم أجمع. كفاكم وكفانا مهازل أمام العالمين. يعني هل يعقل أن يكون لعائلةٍ ما سوريةٍ أو لبنانيةٍ أو أردنيةٍ أو فلسطينيةٍ سجين أو أسير أو معتقل عند اليهود في اسرائيل، ثم تتمكّن من الاتصال به هي أو غيرها وبصعوبات لاتستحق الذكر أمام مايعانيه الناس في بلادٍ تزعم الصمود والتصدي لليهود وأعوانهم وتكسير راسهم كلهم وكل من شدّ على يدهم(وفي حقيقته ماهو الا تكسير راس المواطنين لاغير).
ان منظمات حقوق الانسان المحلية والدولية مدعوة الآن أكثر من أي وقت مضى، وكذلك كل أحرار العالم من أصحاب الضمير الحر وكل العرب الشرفاء مدعوون أيضاً للمشاركة والمطالبة بهكذا عمل انساني وكل على طريقته لاطلاق سراح الأسرى والمعتقلين تعسفاً وظلماً وبطشاً ودون وجه حق.
وان كنت أدهش حقيقةً فانما أدهش من اتحاد المحامين العرب أن يجتمع في عاصمة بلدٍ فيها عشرات الآلاف من المفقودين والمسجونين من معتقليى الفكر والرأي ومختلف الملل والنحل من فلسطينيّهم الى أردنيّهم ومن لبنانيّهم الى سوريّهم، ممّا يشكل حالاتٍ انسانيةٍ لاينبغي السكوت عليها بأي حالٍ مهما كانت الوعود الكاذبة عريضةً والاستقبالات كبيرةً والفنادق فاخرةً والطعام مختلفاً ألوانه.
وكذلك مؤتمر الأحزاب العربية الذي ضمّ أكثر من مئة حزب، كان حاله كسابقه من المحامين العرب، حيث جاؤوا يعلنون تضامنهم ونصرتهم للنظام القمعي الصامد أمام رياح الأعداء والصهيونية ومؤامرات التفتيت، الامريكية منها والأوروبية، العربية منها والاسرائيلية. يعني هو لو (بدو يسوي شيء كان سوّى وخلّص)، مضى على النظام أكثر من أربعين عاماً والجولان محتل ولم يفعل شيئاً ولا حتى طلقة واحدة ولا حتى شيئاً من فلسطين.
ياسادة! أهل الكرامات لهم علامات. ثمّ وهوالأهم، انّ نظاماً يقمع شعبه ويضطهد مواطنيه لهو أعجز من خوض أي معركة مع أعداء الأمة مهما كان شكلها وحجمها، وما أمر الظالمين عنكم ببعيد. فوالله لتسألنّ عن حضوركم ولتسألنّ عن شهادتكم (ستكتب شهادتهم ويسألون)، ولن ينفعنّكم طاغية مستبد ولا عتلّ جبار. ووالله لتحاسبنّ على كلمة الحق فضلاً عن كلمةٍ باطلة وشهادة زور.
بدرالدين حسن قربي
كاتب سوري مقيم في كندا
التعليقات