هل حقاً نحن في مقدمة الدول المتسامحة مع الأديان الأخرى؟ و هل صحفنا ذكية لدرجة إخفاء عدم تسامحنا؟ يبدو أن الإجابة على هذين السؤالين وسلسلة طويلة الذيل من نفس فصيلة التساؤلات يجب أن تاتي تحت عنوان بسيط وهو quot; إذا ابتليتم فاستترواquot;.
نظرة عابرة ألقيها يومياً على الصحف العربية بحكم عملي وليس بحكم ثقتي المطلقة بكمية المصداقية التي تستحم فيها صحافتنا العتيدة، لأقرأ بشكل يومي عن تناقضات فاضحة في العناوين في نفس المطبوعة. اليوم مثلاً الأحد 23 من ابريل 2006 وجدت الكثير من المطبات الإعلامية في عدد من الصحف العربية، لكن كان علي أن أتوقف عند أحدها وهي عناوين من صحيفة الوطن الكويتية حيث يقول العنوان الأول وليد الطبطبائي: قرار laquo;البلديraquo; عدم الترخيص لكنيسة جديدة صحيح شرعيا ووطنيا، وفي نفس الصفحة على موقع الصحيفة على شبكة الانترنت جاء العنوان الثاني أسفله الشيخة فريحة الأحمد: الكويت في مقدمة الدول في التسامح الديني وحرية العبادة.
لا أدري كيف يبدأ المرء في الحديث عن هذا الموضوع المخجل، قد ينسى بعضنا أننا نقيم الدنيا ونقعدها إذا لم يتم السماح لنا بالحصول على تراخيص لبناء مسجد في دولة غربية، ونلعب دور المضطهد عرقياً أو دور المستثنى والمتميز ضده عقائديا إذا اعترض أي كان على تأديتنا لطقوسناً. بل ونطالبهم بشدة وحزم بالسماح لنا بإسماعهم نداء الصلاة رغماً عنهم حتى وإن كانوا لا يسمحون بإصدار أي نوع من الأصوات حتى أجراس كنائسهم باعتبار أن الصوت قد يزعج البعض. كما تتشقق حلوقنا في المظاهرات إذا مورس ضدنا أي تصرف يدل على تقييدنا بممارسة حقنا في العبادة، وكل هذا مسكوت عنه لأنهم يمنحوننا حق الاعتراض حسب قوانين تلك البلاد التي تؤمن بحرية الرأي ما دام الاعتراض سلمياً ولا يأخذ أحد أشكال العنف أو يفضي إليها.
لكن عندما تكون الكرة في ملعبنا، لا نكتفي برفض كل ما نؤمن بأنه quot; يليق بنا وحدناquot; بل ونجاهر بآراءنا بطريقة تفتقر إلى الحساسية تجاه مشاعر الآخر، ونجد أن كل منا اختار أن ينصـّب نفسه محامي الشرع وينتقي من الشريعة والنصوص ما يلائم اختياره ورؤيته للأمر. لا ننكر على أي دولة حقها في أخذ القرارات التي تعتقد أنها في مصلحة أمنها واستقرارها، لكننا في نفس الوقت يجب أن لا نطالب الغير بأن يمنحنا من مساحة الحرية بأكثر مما منحناه على أراضينا. ولا يليق بنا بأي حال من الأحوال أن ننصب لأنفسنا الكمائن بوضع عنوانين متضادين في المحتوى المعلوماتي على نفس صفحة الجريدة. وبالذات إذا كانت المعلومات مشكوك بدقتها، إذ ومع احترامي الشديد لرأي الشيخة فريحة الأحمد لا الكويت ولا أي دولة عربية في مقدمة الدول في التسامح الديني وحرية العبادة. وهذا لا ينطبق على مواقفنا تجاه الآخر بل تجاه الفصائل المختلفة لنفس الدين الذي نعتنق مبادءه الحنيفة. فبلادنا العربية أثبتت أنها من أكثر المناطق في العالم غلياناً بالصراعات حول رؤى متعلقة بالمذاهب والمعتقدات. وكل شخص يريد أن يطبق القوانين والتشريعات على هواه لأنه حسب ظنه هذا هو الدين. لو التزمنا بما جاء به القرآن الكريم من حرية الانسان باعتناق ما يشاء وترك التحكيم على مدى الإيمان وقوته للخالق وحده الذي هو اعلم بنيّات عباده ومدى التزامهم بتوجيهاته لاسترحنا وأرحنا.
إقبال التميمي
التعليقات