من الظواهر اللآفته للنظرإعلاميا في الآونة الاخيرة أن البعض من ذوي الأقلام في صحافتنا المحليه، لم يكفيهم بما يتعرض له أقباط مصر من إرهاب النار، والرشاش والسكين، فتباروا فيما بينهم في شن حمله من إرهاب القلم على أقباط المهجر متوعدين أياهم بالويل والثبور وعظائم الامور، وذلك في محاولة ساذجة لتكميمهم وإقصائهم عن ساحة الوطن والمواطنة، ظناً منهم أن ما يحدث للأقباط في مصر شأن داخلي محض لا يصح مناقشته خارج الحدود ناسيين أو متناسين أن الطفرة الهائله في وسائل الإتصالات وتبادل المعلومات قد جعلت العالم قرية صغيرة، وأن إغتراب القبطي في المهجر لا يعني بتره عن أصوله وتنكره لمصريته.
وكم كان حريا بأصحاب هذه الأقلام - إن توافر لهم صدق المقصد - أن يوظفوها في النبش عن جذور الفتنه الدفينة وتعريتها، قبل أن تستشرى وتتغلغل في نسيجنا الوطني بدلا من اتخاذها سهاماً لرشق الشرفاء من أبناء مصر في المهجر بما لا طائله منه بالاتهامات الجزافية، وكانهم في منهجهم هذا يتخذون ما قاله الشاعر ميثاقاً لهم:
ســحقا يا كل المقهوريـن
صمتا يا كـل المظلومـين
من ضج بشكوى أو أنين
فهو بقانون العصر مدين
إذ عطـل شـغل الجلاديـن
إن التصدى لردود أفعال الأقباط بهذه الحساسية المفرطة، مع التغافل المتعمد لمسبباته لهو بمثابه إعطاء الضوء الأخضر لغول الارهاب ليخرج من مكمنه فاغراً فمه ليمضي دون كابحٍ أو رادعٍ، حاصداَ المزيد من أرواح الأبرياء، حارقاً أرزاق الكادحين، مشيعاً الفوضى فى جنبات بلدنا الوادع الأمين.
وإذا كان الفلسطينيون، والعراقيون، والشيشان، وأهل دارفور، ومن قبلهم ضحايا البوسنة والهرسك، قد وجدوا فينا دعاة حق ينتصرون لهم، ويفسحون لهم المنابر فى إعلامنا لطرح قضاياهم العادلة، فلماذا لايجد الأقباط فى الداخل من ينبري للدفاع عنهم وعن حقوقهم؟ ولماذا يُنعَت أقباط المهجر بالعمالة والخيانة اذا ما تحدثوا عن القتلى والجرحى والمفقودين والمتضررين من ذويهم وإخوتهم؟ ألا يكون فى ذلك تصديق لقول الشاعر أحمد شوقى:
أحرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس؟
إن أمن مصر وسلامتها لن يتحققا بمهادنة الإرهاب، وأبداً ستبقى العدالة الاجتماعية سراباَ، ما دام المناخ العام يجعل من المجنى عليه جانياَ اذا ما تجرأ يوماً وهمس بشكوى، أو رفع صوته باعتراضٍ. ولهذا نرى التشكيك فى وطنية أقباط المهجر بدعوى انهم يمثلون عنصر ضغط على مصر.
فما دامت الدولة لم تفسح للأقباط متنفساً إعلامياً ينفثون فيه مكنون صدورهم، وما دامت وسائل اعلامنا تنتهج سياسة التعتيم والمغالطة فيما يخص الاقباط، فلا عجب أن يطرق أقباط المهجر،كغيرهم فى الغرب، أبواب المحطات الفضائية والانترنت، لأستشفاف الحقائق المحجوبة ونشر قضاياهم المحظورة.
و ثمة أمرٍ آخر هام، هو ما يحدث حالياً من خلط فى المفاهيم، فالبعض يتهمون أقباط بالمهجر بالتطرف!! بينما المتطرف هو الذى يحمل السلاح ويسرق، ويذبح، وينهب. فعندما يعلم الأقباط فى المهجر بأن بعض كنائسهم تحرق وتنهب، وأن بعض المصلين يذبحون داخل الكنائس مثلما حدث فى أبو قرقاص والاسكندرية وغيرهما، ولا يراد لهم ان يدافعوا عن مقدساتهم، وأن تكمم افواههم، فهذ ا أمر غير معقول. ولماذا عندما يعبر القبطى عن معاناته ويشارك كمواطن له حقوق المواطنة والمساواة مع بنى وطنه الاخرين - ليس باعتباره قبطى ولكن كمصرى - يكون قد تجاوز
وكم يعجب المرء من تباين ردود الافعال، فلو وقع ما حدث للأقباط من أحداث بالخانكة سنة 1972، وإسكندرية 2006، ومابين الحادثتين من أحداث كثيرة لمجموعة من السائحين، لشمر الجميع عن ساعد الجد، وتصدر الخبر الصفحات الأولى من جرائدنا، وتسابق المسؤلون فى زيارة المواقع المنكوبة، وإصدار البيانات، وأخذ مواقف حاسمة. أما إذا كان المستهدف قبطياً فالنتيجة معروفة سلفاً quot;أحداث فردية quot; نتيجة الخلافات على الزراعات، أو شجارالأطفال، أو نتيجة نشرغسيل quot;الزاويه الحمراءquot;، أو مختل عقليا بمرض قتل الاقباط (وهو مرض اكتشف حديثاً فى مصر) quot; احداث الإسكندريه وغيرهاquot;. ألهذا الحد هان الأقباط على إخوتهم فى مصر وغدت دماؤهم رخيصة وممتلكاتهم نهباً مستباحاً!؟؟
إن أقباط المهجر مصريون مصريون مصريون، وقد كانوا ومازالوا سفراءً لوطنهم الأم، يرفعون اسم مصر وعلمها فى كل مكان يعيشون فيه، وهم صفوة من المصريين الشرفاء، ولكنهم على البعد يتناغمون مع نبض الشارع المصرى، وينعطفون لكل خلجة تسرى فى أوصال وطننا الحبيب. أما الذين يشوهون سمعة الوطن فهم القتلة، والغوغاء، والمتهوسين، وكل من تواطأ معهم مستعفياَ من الحفاظ على مقدرات هذا البلد الامين.
إننا نصلى من أجل الكنيسة، وسلامة بلادنا، وشعبنا، لكى يحفظهم الله من كل سوء، ونصلى من أجل جميع الذين هم فى منصب، ولتكن مصر دائما عزيزة بالحب والسلام، وليبارك الله فى كل يد تبنى، وكل يد تجمع quot; مبارك شعبى مصرquot;.

الأنبا أنطوني