سعيد الحسنية :نجحنا.وهنيئا لنا نجاحنا . مبروك لنا نصرنا، ومباركة معركتنا في دفاعنا عن ديننا ورد الاعتبار لإيماننا . لقد فزنا على أعدائنا وصددنا الهجمة علينا ورددنا على الإساءة التي لحقت بنبينا . هنيئا لنا فوزنا .لقد أثبتنا للمرة المليون إننا أمة ما زالت تهدر حقها بردود أفعال تهينها قبل ان تهين المتهجم .استحقينا بجدارة التربع على عرش الدول والشعوب النامية . باختصار استحقينا بجدارة لقب إرهابيين ..هكذا quot; هم quot; يريدوننا ، ونحن مطيعون مستسلمون نفعل ما أرادوا . هنيئا لنا فوزنا وبراعتنا في الوقوع بالحفر .

كيف لا ونحن quot;خير أمة أخرجت للناس quot; ؟ كيف لا ونحن أذكياء مبصرين لدرجة أننا ندخل القفص بأرجلنا ونقفل الباب خلفنا ونعطي المفتاح للسجان ليرميه في المحيط .ألسنا خير أمة وأفضل خلق الله؟

تعتصرني الحقيقة المرة كل يوم ألف مرة ، ولكن علينا الاعتراف بأننا نستحق لقب شعوب نامية ، ولقد تجلى ذلك في أبهى صورة في تحركاتنا الشعبية ومظاهرتنا الدموية في الدفاع عن نبينا الكريم ، حيث زودنا على الإساءة إساءة أخرى بعد أن تجلى الحقد فينا بصورته الدميمة ، فكانت ردة فعل ، نتيجة نشر الرسوم المسيئة للنبي الكريم ، تجسيدا لدمويتنا وفتح الباب على مصراعيه أمام أعدائنا لإلصاق شتى التهم بنا .

ولعل الجدل الدائر حول الرسومات الكاريكاتيرية التافهة التي نشرتها الصحيفة الدنماركية quot;يلاند بوستنquot; حول شخص الرسول محمد (ص )، وما صاحب النشر من غطرسة أوروبية فجة، استدعى ضرورة تلك الاحتجاجات والتظاهرات والتعبير عن رفضنا التام لأي مساس بمعتقداتنا وحرية إيماننا ، إذ لا يجوز السماح بالتعرض لمقدساتنا وعلى أي كان احترام حرية معتقد الآخر ، ولكن ألم يكن الأجدى بنا أن نرتقي بطريقة تعبيرنا عن سخطنا وغضبنا ورفضنا وردنا على الإساءة التي تطاولت على أشرف الخلق ؟

أيستطيع أي شخص من الذين يستميتون ظاهريا في الذود عن ديننا أن يبرر التعرض لحرمات مقدسات الآخرين ؟ هل يستطيع أي واحد أن يبرر حرق الكنائس وانتهاك الأملاك الخاص وتدميرها ؟

بالله عليكم يا ناس هل يستطيع أي أحد منكم أن يقنعني بضرورة تكسير زجاج سيارة مركونة على جنب الطريق ؟ ولا سيما أن نوع وشكل تلك السيارة يشير إلى أنها ملك شخص فقير ؟ من المسؤول عن ذلك ؟ هل هذا يرضي الله؟ هل بهكذا تصرف أرعن تردون به على الإساءة التي طالت الرسول الأكرم ؟

لست مؤمنا بنظرية المؤامرة وخطر المتآمرين ، ولكن كل ما يجري من حولنا يشير إلى أن هناك من ينصب الإشراك لنا ، ولكنه ليس مضطرا لمشاهدتنا ونحن نقع فيها ، فوقوعنا أمر محتوم لا جدل عليه ، يكفيه أن يستلقي على أريكته الوثيرة ، ويمسك الروموت بيده ويقلب الفضائيات ، ليشاهدنا ونحن نحرق أرضنا وما عليها .. يكفيه لهيب نيران غضبنا لإشعال سيجارته وإطلاق ضحكاته بعد أن يذر دخانها ورمادها على عقولنا الفارغة ..تكفيه كل تحركاتنا فخرا واعتزاز بنصره وفوزه على جهلنا .ولكن لو أصغينا قليلا وأقفلنا أفواهنا ، لسمعنا خلف الأثير صوت يأتي من بعيد ،ممزوجا بقهقهات صاخبة ، وهو يقول : كما كان متوقعا ...لقد وقعت الفئران بالمصيدة وها هي تتخبط تحاول الخلاص غير مدركة إنها في كل حركة تقوم بها ، تتسع جراحها ويزيد نزيفها..إلى أن تصبح جثة هامدة..سنسمع ذلك الصوت لو أصغينا لعقولنا قليلا ، وسنسمع أيضا صوت quot; سامويل هنتغتون quot; وهو يقول : نجحت ..وأثبتوا هؤلاء صوابية نظريتي ..ويقول ضاحكا :لقد صدقوا أنه فعلا هناك صراع حضارات ، فأخذوا يوقدون نار صراع وهمي ..أجل يا أخوتي برهنا على صدق نبوءة هنتغتون الكاذبة وأخذنا نتصرف كأن ذلك الصراع واقع محتوم.

هل يمكن أن نتعايش معا ؟

لا يخفى على المتأمل في تفاعلات قضية الرسوم المسيئة، وما خلفته من ردود أفعال وسلوكات من قبلنا، كم كانت ردود أفعالنا عنيفة. لقد كان للجهة الصادرة عنها هذه الرسوم موقف من الحضارة الإسلامية، وهو موقف، بكل تأكيد، فيه الكثير من سوء الفهم لحقيقة الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية، وهو يتلخص في أن الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة إرهاب وعنف . لكننا بمواقفنا العنيفة ، وبخطاباتنا الداعية إلى الثأر، وإلى استصدار الفتاوى التي تستبيح دم الصحفي صاحب الرسوم، وهدر دم كل دنماركي، دعمنا وأثبتنا للجميع الرؤية النمطية عن العرب والمسلمين.
ألم يكن بالإمكان جعل قضية الرسوم المسيئة إلى الرسول الأعظم، فرصة تاريخية لنا لتقلب تلك الصورة الممسوخة عنا ونثبت أننا أبناء دين تسامح وانفتاح ؟ ألم يكن الأجدى لنا أن نقوم بحملة احتجاج فكري ، وإطلاق حوار حضاري حول مفاهيم الديمقراطية، وحرية الاعتقاد، والحق في الاختلاف، والتسامح، وليست لحظة عنف لم نجن من ورائه إلا مزيدا من ترسيخ الصورة التي رسمتها للحضارة العربية الإسلامية ، جهات غربية مؤمنة بحتمية صراع الحضارات ؟ ألم يكن يفترض بنا أن نتظاهر ونتفض بطريقة حضارية . بالله عليكم كيف لنا بتلك التصرفات أن نبرهن أننا quot; خير أمة خرجت للناسquot;؟

مما لا شك فيه أن تلك التحركات أساءت إلى الرسول أكثر من دفاعها عنه ، بل أساءت إلى صورة المسلمين في العالم وأظهرتهم بصورة أكثر تطرفا ، وجعلت صفة الإرهاب التي سمت أبناء ديننا الحنيف وكأنها واقع ، حيث بررت تلك التصرفات الإجحاف الكبير الذي يلحق بنا.وهنا سؤال يطرح نفسه ، هل تلك التصرفات التي شهدتها كل من سوريا ولبنان وبعض الدول الأخرى تساهم في رد الإساءة عن الرسول الأكرم أم أنها تسيء إليه وإلى ديننا أكثر ؟مما لا شك فيه أن ديننا بريء من أمثال أولئك الذين لا يمتون إليه بصلة وثقى.