في رحيل الفنان التشكيلي العراقي زياد مجيد حيدر

في تمام الساعة الخامسة من يوم الثلاثاء المصادف الثالث من كانون الثاني وبالتوقيت المحلي لمدينة أمستردام رحل عن دنيانا الفانية الفنان التشكيلي العراقي زياد مجيد حيدر اثر جلطة قلبية حادة لم تمهله طويلا أودت بحياتة في مساء هولندي حزين كان فية الفنان مشغولا بالتحضير لمعرضة القادم الذي كان مقررا أن يفتتح في الايام الاخيرة من هذا الشهر في مشغلة الجديد الذي أراد له الفنان زياد أن يكون قاعة للعرض له ولاصدقائة المقربين والتي كان منشغلا طوال الاشهر الثلاثة الماضية على التهيئة والاعداد لهذا المشغل المتواضع الذي سيستوعب بعضا من أحلامه وأحلامنا نحن الذين تقطعت بنا السبل وإنتهى بنا المطاف للوقوف في منتصف الطريق.. فلا أحد من تجار المبادي والشعارات إنتبه لوجودنا ولم يحرك أبطالنا الوطنيون الجدد ساكنا من السواكن التي صارت تعصف بنا وبمشاريعنا الفنية البسيطة التي بدأت تتساقط الواحدة تلو الاخرى بسقوط أصحابها الذين ما عادت تحتملهم الحياة. بعد سقوط نظام إبن العوجة وجرذها الكبير بطل التحرير القومي سارع الراحل لوضع تصميم رائع لعلم العراق الجديد ، والغريب في هذا العلم إنة كان مليئا بالنجوم التي كانت ترمز بمجملها الى فسيفساء المجتمع العراقي. كان متفائلا جدا وكان كغيرة من شرفاء ومبدعي العراق ينظر الى هذا التنوع العرقي الكبير وهذه اللوحة الفسيفسائية الرائعة كسماء واسعة مزينة بالرائع والجميل من النجوم. وهذا حلم أخر لم يرى النور لحد الآن.
أخر مقال كتبة الراحل كان في رثاء مبدعنا العراقي الكبير الفنان مؤيد نعمة، وكانت لهجتهه غاضبة جدا تحدث فيها عن الفنان المستلب الذي كان يرزح بين مطرقة النظام الدكتاتوري وسنين عذاباتة وبين سندان التجاذبات السياسية والمحاصصة ووضع سياسي مرعب ليس فيه مكان للمبدع الا بجلوسة على كرسي الضحية...
يقول في حديثة عن مؤيد
ورحيل الفنان المبدع مؤيد نعمة بهذه الطريقة المفاجئة والمفجعة يجب أن نتوقف عنده طويلآ .. لأنه يضعنا جميعا بمواجهه سؤال كبير من نوع ؛ ترى من يدفع ثمن هذا الرحيل هل وحده الفنان يدفع فاتورة مصيره برمتها الى العدم ثمنا لاندحارات سياسية أنتجتة وصاغتة وعصفت بحياته فيما بعد لأكثر من ثلاثة عقود ؟ أم أن الاندحارات السياسية تلك كانت ثمناً بخساً وكافياً لانهاء حياة الفنان مؤيد نعمة ؟! .. من جهه أنه ينتمي الى جيلنا جيل السبعينات .. جيل اليساريين من الفنانين والادباء والكتاب والمثقفين الذين خذلتهم السياسة بين مطرقة النظام الدكتاتوري القمعية وسندان السبل التي تقطعت بهم داخل الوطن بعد انفراط الجبهه اللاوطنية ، هذا الجيل هو جيل مؤيد نعمة .. هذا الجيل الذي لايتقبله لا النظام الدكتاتوري ولا المعارضة اليسارية التي فرت بجلدها وجليدها.

وفي مقطع أخر من المقال يقول زياد:
هل يستحق فنان متعدد المواهب مثل مؤيد نعمة هذا المصير؟
سؤال أوجهه إلى كل حثالات السياسة التي عصفت بالبلد وتعصف به الآن والى كل حثالات الفن والثقافة من فنانين وأدباء بعثيين وشيوعيين ألم يستحق الفنان مؤيد نعمة وهو السيراميكي اللامع أن يكون أستاذا لمادة السيراميك في أكاديمية الفنون ؟ ألا يستحق مؤيد نعمة أن يحصل على زمالة من الحزب الشيوعي لتطوير أدواته التي يقارع بها الدكتاتورية ؟أم أنها السياسة التي داست بحذائها كل القيم وحولت البلد إلى مستنقع أنتم مياهه الآسنة الآن .. أم لأن مؤيد نعمة لم يحّول الحزب الشيوعي يوماً ما إلى وليمة عوائل كي يمسح يديه منها بعد ما يُشبع رغباته الدنيئة !!..من منكم ذاق طعم العذاب والاضطهاد والتهميش والإلغاء والتسقيط والعزل داخل الوطن المستباح غيرنا نحن جيل مؤيد نعمة ؟
في اليوم الثاني لنشر المقال إتصل بي زياد وسألني عن رأيي بالمادة التي نشرها في تأبين الراحل مؤيد .. فقلت له ضاحكا بأن الموضوع ليس له علاقة بمؤيد .. فقد كنت يازياد تؤبن جيلا بأكملة .. وربما كنت ترثي نفسك .. ضحكنا كثيرا بعد أن وزعنا الشتائم على كل من كنا نعتقد بأنه يستحقها شرقا وغرباً .. شمالا ويمينا .. إنتهت المكالمة بعد أن إتفقنا على أكلة ( باميا ) في منزلة على أن يجلب لي المواد الاولية للطبخة وأكون أنا الطباخ .. كوني من محترفي طبخ الباميا وبجدارة .. لكن ويا للاسف فالموت لم يمهل الراحل حتى لتحقيق أحلامه البسيطة.
في الزمن الدكتاتوري الاغبر حكم على زياد بالاعدام شنقا حتى الموت .. وبعد ذلك خفف الحكم الى عشرة سنوات وإنتهت المحكومية الى سنتين .. ليس لحسن السيرة والسلوك بل لآن النظام كان بحاجة الى الاف الضحايا لارسالهم الى جبهات القتال حيث البوابة الشرقة وحرب الثمانية سنوات العجاف التي أودت بحياة أكثر من نصف مليون عراقي .
لم يكن يتخيل زياد بأنه سيحكم بالاعدام في يوم من الايام وخصوصا أن السبب كان( بولة) سخيفة كادت أن تؤدي بحياتة .. نعم يا أصدقائي بسسب بوله طارئة جداً جداً في أحد شوارع بغداد في ليلة ظلماء افتقد فيها البدر ولكن أعين العسس كانت له بالمرصاد.
لم ينتبه المسكين بأن الجدار الذي سيرتكب علية جريمته كان يحمل لوحه من لوحات القائد الضرورة .. لكن سائق التاكسي المخبر أنتبه .. وبدلا من أن يأخذه الى المنزل ذهب به الى دائرة الامن التي تكفلت بالباقي .. قضى زياد بعد هذه الحادثة اللعينة أكثر من عشرة سنوات وهو يخدم في القوات المسلحة العراقية .. وعلى الخطوط الامامية من جبهات القتال التي أخذت منه الكثير..
كانت مشكلتنا مع زياد نحن أصدقائة المقربين هي في محاولاتنا المتكررة والتي كانت دائماً ما تنتهي بالفشل الذريع ، هي في تعليمة كيفية التعامل مع تكنولوجيا العصر وطرق التعامل مع جهاز الكومبيوتر وبرامج الرسم التي لم يستطع زياد أن يتكيف معها لامكانياتة العالية ولتمكنة من أدواته الفنية التقليدية التي كان زياد بارعا في التعامل معها
زياد مجيد حيدر هو من مواليد مدينة العمارة في العام 1954 ، نزح مع عائلتة الى العاصمة بغداد ودرس التصميم في أكاديمية الفنون الجميلة .. التي تخرج منها العام 1976
له العشرات من المشاركات المحلية والعالمية في بغداد ، فرنسا ، قبرص ، الاردن ، اليابان ، سوريا ، بلجيكا ، بولونيا وأخيرا في هولاندا.

حاز على العديد من الجوائز كانت أولها العام 1975حيث حاز على الجائزة الاولى في مهرجان الملصق السياسي في برلين .. بعدها بخمسة أعوام حصل على الجائزة الثانية من مهرجان البوستر والذي كان موضوعة التعليم الاجباري في العراق والذي أقامتة جمعية الفنانين العراقيين في بغداد ، بعد ذلك وفي العام 1984 حصل على الجائزة الثالثة من مهرجان الواسطي الخامس في بغداد.

حصل على العديد من الشهادات التقديرية التي كانت تبشر ببزوغ فنان تشكيلي موهوب ولد في المكان والزمان الخطأ قتلتة الغربة والحنين للوطن وسنوات اليأس والاحباط الذي كان غذاء ة اليومي والذي عجل برحيلة .. ومع ذلك فأنتم مدعوون أعزائي وأصدقائي في المحنة والتشرد لحظور إفتتاح المعرض الشخصي الاخير للفنان زياد مجيد حيدر في التاسع والعشرين من هذا الشهر على قاعة مشغلة الجديد في أمستردام والذي قضى نحبه فيه وهو يعد العدة لافتتاحة. رحم الله الفقيد وتغمده فسيح جناتة.

كاتب المقال فنان كاريكاتير عراقي مقيم في هولاندا

[email protected]

مقالات ذات صلة:

رحيل الفنان العراقي زياد حيدر بمرسمه

مقال الفنان زياد حيدر عن معرض اليونسكو الاخير للفنانين العراقيين

التشكيلي العراقي زياد حيدر في تظاهرة ثقافية هامة في أمستردام