أماني الصوفي من صنعاء: هاجم الأديب السعودي المعروف محمد العباس وهو احد المدعوين إلى ملتقى صنعاء للشعراء العرب بدورتيه الأولى والثانية، هاجم وزير الثقافة اليمني خالد الرويشان في مقال على صدر موقعه الاليكتروني بعنوان quot;ليس أكرم عبد الفتاح... الرويشان هو الذي فجّر الملتقى!!quot; رداً على بعض الكتابات والتقارير التي نشرت على مواقع الانترنت بان الشاعر اليمني أكرم عبد الفتاح الذي ألقى قصيدة سياسية في ختام الملتقى ذكر فيها بعض المصطلحات التي تغمز في رئيس الدولة.
وقال الأديب العباس أن مما لا شك فيه أن قصيدة أكرم عبد الفتاح quot;لأنك تكفر بالفرعنةquot; المهداة إلى صلاح الدين الدكّاك أسهمت في تفجير ملتقى صنعاء الثاني للشعراء الجدد، الذي تأكد من خلالها فائض الإحتقان السياسي في الشارع اليمني، أو هذا ما استجلبه أكرم إلى النص ثم قذف به الجمهور quot;ساخرا من أعلى سلطة رسمية ورمزية في البلاد وأعياده اليوليويةquot; حيث شبهها بـquot;سروال عاهرة فوق سيارة الجيش، يهزأ بالعلم الوحدويquot; ومتأففاً من الحديث عن quot;وطن للحصان وللبهلوان وللخطب العسكرية والقائد الفذّ... إذ يستر الضرط بالحنحنةquot;.
وأضاف : ثمة أوسمة أيضاً للشجعان، وليس كما يعتقد طه الجند من أن quot;الأوسمة فقط للجبناءquot;، ولأنه يدرك هذا المعنى الجليل للمبارزة، قرر أكرم أن يتنازل عن درع المهرجان الأنيق بمبايعة الشارع السياسي، ولأسباب لا شعرية، تصاعدت عنده نبرة التحدي، ليعبر بمرارة وصراحة لفظية حد الفجاجة، عن معضلة سياسية تلقي بظلالها على كل مقومات الحياة في اليمن، فيما يشبه الهواء السياسي الفاسد المفروض على المواطن اليمني تنفسه حتى داخل النص الشعري:
هذه بلدي يا صلاح .. وهذا الفساد الذي ترتضيه كعاهرة مؤمنه!
كان عهر السياسة أجدى .. ولكنه - البغل- أودى بكل احتمالات تبريره...
ثم ماذا؟
سيأتي الوريث .. يعيث كما شاء - مُنتَخباً..!!
فالبلاد - وإن جمهرت - سلطنه

هذه القصيدة السافرة هي التي اضطرت الوزير خالد الرويشان لاعتلاء المنصة والإعلان عن نيته للتصدي لزمرة من الشعراء الملاعين، وإصراره على عدم السماح لهم بتفجير الملتقى، لكن تفاهات المدّاحين من المحافظين والمنافقين الجدد (نقاداً وشعراء) الذين طمسوا بالفعل وهج الشعراء الجدد وعنوان ملتقاهم، لم تحرك الوزير - المثقف!! - من مكانه. وبالفعل تم تعليق مشاركة إياد الحاج، ومروان الغفوري وعبدالحكيم الفقيه، وحرمانهم جميعاً، بالاضافة إلى أكرم عبدالفتاح وصلاح الدين الدكاك من التكريم، وكان نبيل سبيع ، ومحمد اللوزي ، وفتحي أبو النصر قد امتنعوا عن المشاركة احتجاجاً على سوء التنظيم، والمبالغة في استمالة الشعراء لبريق اللافتة الرسمية، في حين اكتفى البعض بالصعود على المنصة والنزول دون التفوه بكلمة واحدة.
كل شيء كان معداً ومهيأ للتفجر فقد بيّت عبدالحكيم الفقيه نصاً، لا يقل هجائية، اضطر لتعليقه كلافتة احتجاج في صحيفة quot;الإشتراكيquot; فيما بعد، حيث وصف فيه صنعاءه المشغولة بالتناطح بـ quot; عاصمة الشعر والقمع والدمع quot; لأن عدد المخبرين كما يبدو كان أكثر من الشعراء، رغم الوفرة الظاهرة والمضللة للأسماء الشعرية، أو ربما تم استزراع فصيل من المخبرين الذين ارتدوا عباءة الشعر للإندساس بين الشعراء وإحصاء أنفاسهم. هذا ما أكده الفقيه في نصه الذي إدّخره للحظة التفجير، ليطال رأس الوزير شخصياً، فالشعر بتصوره quot; يجلده الشعراء العساكر والمخبرون quot;. وكان يريد أن يزيد النار اضطراماً من خلال المجاهرة بحبه لصنعاء أخرى quot; غير هذي التي تترمم سلطتها بالغباء الذي استوزر الإمعات quot;.
الله أيضا، كان محل استقطاب وتجاذب سياسي واجتماعي، فالحبر والشعر والأذكار كلها تخضع للأيدلوجي بتصور اليمني، وهذا ما جاهر به علي دهيس في نصه quot; كأنا نتمشى في أصابع خائفة quot; حيث تحدث بتجديف فصيح عن quot;الله ؛ والله الآخرquot;. أجل ، الله كما يفهمه ويحسه. الله الذي quot;لم يضع أصبعه على زر الخلق لطبع نسخةٍ واحدةquot;.واختفى خوفاً من مطاردة عناصر متشددة، فيما كان يخبئ ما تبقى من قصيدته التي تمت محاصرتها، والتضييق على كل ما هو مغاير شعرياً باستزراع قصائد وملاحم محمدية كثيفة، فارطة في المدائحية والإيمان الغيبي، للتخفيف من غلواء النصوص الخادشة للحياء، المخربة للذوق، أو المتمادية في نبرتها الانتقادية للشأن السياسي.
كل هذه الويلات اللاشعرية أصابت الجندي المعلوم والراعي الشعبي والجماهيري والأدبي للمهرجان علي المقري بدون وجه حق، فقد طالته ضربة استباقية بإعادة تكفيره من قبل الجماعات المتطرفة، وعلى رأسهم وزير الأوقاف الأسبق ناصر الشيباني، حيث تم التذكير من منابر الجمعة بقصيدته quot;تدليكquot; التي أعيد نشرها، وحاكمها علي ربيع من منطلقات أخلاقية ودينية صرفة، فيما يشبه تصفية حسابات سياسية تحت عنوان أدبي، وهكذا حُمل وزر استضافة صنعاء الرافلة في الأصولية لزمرة من الشعراء السفلة. كما أمطره أصدقاءه الشعراء بماء الملامة الحارق، وحملوه مسؤولية العبث التنظيمي وممالأة السلطة، واستبعاد الأسماء المتمردة، وبالمقابل اعتبره الرسميون والمؤسساتيون حصان طرواده لهؤلاء المارقين، المتربصين بالملتقى لتفجيره، ومن شاهد وجهه لحظة صعوده المنصة ومحاولته للتملص من الوزير سيعرف أنه اختزل حينها خارطة اليمن بوعورة تضاريسها وبؤسها.
ليس من الحداثة - بتعبير نبيلة الزبير - أن يهان شعراء الموقف والحقيقة والحداثة، فيما يعلى من شأن المتشبيهين به، الذين لا يريدون رؤية اليمن إلا من خلال نظارات المقالح والرويشان، وعليه لا يفترض التغاضي عن شرارة التفجير التي أطلقها الرويشان ذاته، عندما أصغى لبطانة غير مأمونة، ولا علاقة لها بمعنى أن تكون صنعاء عاصمة للشعر العربي الجديد، جعلته يمارس أقصى درجات الدكتاتورية ليستصدر بمزاج فردي، بياناً باسم جميع الشعراء والأدباء المشاركين في الملتقى استنكاراً للحملة الإعلامية التي يتعرض لها محمد حسنين هيكل، دون استشارة أي منهم، ولولا احترام المشاركين للجهود التي بذلتها اللجنة التحضيرية، وحبهم للشعب اليمني الودود، الذي اقتطع من قوته ليستضيفهم، لتفجر الملتقى بانسحابات وبيانات مضادة كما دار في الكواليس.
ليصل إلى نتيجة حتمية quot;أظنه قد خسر الكثير من سمعته كمثقف - أعني الوزير - الذي انحاز عن الثقافي إلى السياسي أكثر مما ينبغي، وأنه أضاع فرصة ذهبية لتأكيد حق الشعر اليمني الجديد كمعادل لسوسيولوجية الشارع في مقارعة شعر المنابر والبرادات واستيهامات اللاهوت، فديمقراطيته النادرة، ورعايته اللافتة للثقافة جديرة بالإحترام، ولكن ليس لدرجة إدمان التلاسن اليومي مع الجمهور وتبرير أخطاء وحماقات وتجاوزات الشعراء، ربما لأنه فتح أذنه أكثر مما ينبغي لهمسات شياطين متدثرين هيئة الأوادم، وأنحنى أكثر مما يفترض كمثقف لأطواق الياسمين المجانية التي أغرقه بها المحافظون والمنافقون الجدد، الذين لا يعرفون الفرق بين علف الشعر ورحيقه، دون أن يحتج على ممالآتهم الفجة، وهذه خيانة مركبة للكلمات التي لا تخونquot;.