ويحك.. لن يتوقف العالم ليتحسس حزنك.
لا يغرنك صمته،لأنه أخرس.ويحك.. لا تصدق كتبك.. ملعونة تلك الكتب.. لن يسمعك أحد لأنك احترفت الإنصات لاختلاجاتها تلك السطور التي لم تكن حياتك. أتخمتك شكاويهم هؤلاء التعساء. أتعبك تباكيهم.. لكنك لم تدرك ذلك حتى انتقلت اليك العدوى.. وباء.. تلك الكتب وباء.. وبال الحزن المفتعل.
ـ تتمشكل.
هذا ما كانت تقوله صديقتك.
وكنت تغطس بين دفتي حزين: أزهار الألم لبودلير. بين حاضنتي جنون.
و تضحك من بساطة تفكير صديقتك او ما كنت تعتقد.
و اليوم؟
تتساقط اقنعهتم هؤلاء (المتاعيس).
كذابون.. أفاقون.
صديقتك تقول عنهم زنادقة.
طبعا أنت لا يهمك ذلك.
طبعا أنت وحدك حقيقة. عداك العالم معتوه وبليد وأحمق وأسود أسود ومغشوش..
ذكي أنت؟ صح
طبعا ذكي.
لو لم تكن كذلك لفهمت سؤال ذلك المجنون الذي جلس جوارك في مستشفى المرضى العقليين
ـ شوف يا سيدي ماذا فعل بي الدكتور.. لم يرض ان يعطني الدواء.. ألست مجنونا؟ ألا ترى كم أنا مجنون؟
تهرب من عينيه و تعلق مسرعا:
ـ أنت؟ أبدا.. وما حاجتك للدواء.. أنت أعقل العقلاء
كنت ترتعش لحظتها..
أخافك المجنون؟
أخافك الجنون؟
أم كنت فقط خائفا.. لأنك طبعا ذكي ولم توفق في التفريق بين الجنون و الجنون. بين الجنون وغيره.
تذكرت أول ما تذكرت فطومة المهبولة تلك التي تحدث الرعب كلما أطلت على ناصية الشارع.
تذكرت مي و نيتشه..
هل هناك فرق بين مجنون ومجنون؟
هل هناك مجنون أحمق و مجنون ذكي؟
تقفز إلى رأسك.. يمينة مشكرا*.
قالوا لك إنها في المصح العقلي هي التي كانت تعالج المجانين : ترصد و تكتب.. تكتب وترصد.. و تتذاكى مثلك او تتذاكى مثلها.
لكن العالم طبعا أحمق و اخرس ، أصم ولا يمكنه أن يتحسس حزنك.
نسيت شيئا. العالم إلا اثنين طبعا
أنت و ذلك الذي أحدث هوة بينك و بين الفرح.
لكن.. هل يسمع هو حقا حزنك؟
هل هو مع العالم أم ضدك؟
وهل يقيم العالم حربا ضدك؟
وما العالم فعلا و ما أنت وما هو؟
وما الحد الفاصل بينكم؟
بين حماقاتكم جميعا؟
بين وحدتك واكتظاظهم. بين اكتظاظك ووحدتهم. بين جنونك و حماقتهم. بين حزنك و خرسهم..
شوف ماذا فعلت بك الكتب.. لم تعطك وصفة تخلصك من الأسئلة العالقة بهوامش غربتك.
ألست غريبا؟ ألا ترى كم أنت غريب؟
تهرب من سؤالك. تغمض عينيك:
أنت أبدا.. لست غريبا. أنت تتوهم
تهرع إلى كتبك. تغطس في تهويمات قد تفهمك.
*يمينة ميشاقرة/روائية جزائرية بارعة وطبيبة نفسانية لها : ( المغارة المتشظية) و (أريس). تكتب بالفرنسية وهي حاليا مريضة في مصح عقلي.
التعليقات