حينما طالبتنى نقابة الأطباء منذ عدة سنوات وأنا فى بداية عملى كطبيب بالتبرع للمجاهدين الأفغان، كان ردى عليهم هو هذا العنوان " القبطى المصرى أهم عندى من المسلم الأفغانى"، إن لويس جريس الذى جذبنى إلى الصحافة ود. مفيد سعيد الذى علمنى تقديس مهنة الطب وفؤاد عزيز غالى بطل حرب أكتوبر وسناء جميل ساحرة المسرح أهم عندى ألف مليون مرة من الملا عمر وحكمتيار وكل سكان كهوف تورا بورا، فقد كنت مستفزاً من التيار الذى كان يجبرنا على التبرع لمن كانوا يسمونهم المجاهدين الأفغان لمجرد أنهم مسلمون برغم أنهم ردوا لنا الجميل فيمابعد بتصديرالإرهاب والقتل، فى نفس الوقت الذى يمتنعون فيه عن جمع التبرعات لضحايا الزلزال من الأقباط ساكنى أسفل المقطم ممن كانوا يعملون فى جمع القمامة لأنهم فى رأيهم يستحقون ماحدث لهم لأنهم كانوا يربون الخنازير وهذا إنتقام إلهى على طريقة زغلول النجار!، كانت فكرة المواطنة بعيدة عن فكر هؤلاء فقد حلت محلها فكرة عنصرية من الممكن تسميتها الأممية الإسلامية، ملخصها أنا وأخويا المسلم على إبن عمى المسيحى حتى لو كان المسلم ده فى بلاد واق الواق أو الإسكيمو، وحتى لو كان المسيحى جارى فى الشقة اللى قصادى أو زميلى يقاسمنى الرغيف فى المدينة الجامعية أو الوحدة العسكرية ، وتنامت هذه الفكرة الخطيرة المشوهة وتضخمت ككرة الثلج إلى أن ظهرت كالمارد أو الديناصور فى أحداث محرم بك التى كانت أخطر الفتن الطائفية فى تاريخنا المعاصر، ومصدر خطرها أنها لم تندلع كسابقاتها من الفتن نتيجة خناقة بين مسلم ومسيحى، أو نزاع على أرض لبناء كنيسة أو جامع، أو خلاف تجارى فى سوق بين تاجر مسلم وتاجر مسيحى، ولكنها إندلعت نتيجة إشاعة عن سى دى كما أثبت النائب العام فى بيانه وحتى لو كان موجوداً فهو سى دى تافه قيل أخطر منه على المنابر من قبل وفى التليفزيون فى حق المسيحيين ومر مرور الكرام، وقد وجدت هذه الإشاعة الحقيرة أرضاً خصبة من التعصب والجهل والتخلف، والعجيب أن الحقائق الدامغة كالبطالة والفساد والسرقة وتزوير الإنتخابات وتعذيب السجون....إلى آخره من خطايا السلطة لاتحرك مظاهرة من خمسة أفراد فى مصر بينما تحرك عشرات الالآف مجرد إشاعة، تحتشد لها الحشود التى إن سألت فرداً منها هل شاهدت السى دى؟ يقول لك: يعنى إيه سى دى؟؟؟؟!!
لكن السؤال يظل مالذى خلق هذه الأرض الخصبة؟، أنا مع كل المفكرين والكتاب الذين ناقشوا وحللوا تلك الفتنة وأرجعوها إلى الفقر وزيادة المد الدينى الوهابى وضعف هيبة الدولة وتراخيها وخراب التعليم والإعلام.....الخ، ولكنى أود أن أفتح ملفاً مسكوتاً عنه يخشى الجميع فتحه، وأتمنى أن أطل من نافذة يتمنى الجميع إغلاقها، وهى نافذة المسكوت عنه فى الفقه والتاريخ الإسلامى، فجميع الدعاة والشيوخ والمفكرين يقدمون منهجاً إنتقائياً يعرض المضئ من التراث والذى يتكلم عن التسامح والأخوة ويتناسون أو "يطنشون " على مناطق ملغمة متفجرة فى نفس هذا التراث ترفض الآخر وتنفيه، وأعتقد أن بن لادن والظواهرى و الزرقاوى عندما يفتون بقتل وإغتيال الاخر المختلف فى الديانة أو الفكر ينطلقون من أرضية ممهدة بالنصوص والفتاوى التى تمتلئ بها كتب التراث، ولايكفى أن نقول عنهم أنهم حادوا عن الطريق القويم ولايفهمون صحيح الدين، فهم مستمرون فى غسيل الأدمغة بهذه النصوص والتفسيرات، ومطلوب من جميع الشيوخ المستنيرين والمفكرين الإسلاميين أن يوضحوا لنا مامغزى ومعنى هذه النصوص؟، ويقدموا لنا تفسيرات ترضى وتقنع الناس، ولاينفع الإهمال والتغاضى وغلق الملفات والإبتعاد عن مناطق الألغام
بحجة أنها من الممكن أن تنفجر، فلاينفع لعلاج الألغام إلا إزالتها تماماً حتى لودفعنا ثمناً من كسلنا وترهلنا ومواتنا الذى نسميه خطأ "إستقرار"، لابد من عقد مؤتمر موسع للرد على هذه الأسئلة الشائكة، وتقديم حقائق لامبررات، وتؤلف الكتب التى تواجه ولاتهرب، وتتحول بوتيكات الفتاوى التليفزيونية إلى برامج مفيدة تناقش وترد على هذا المسكوت عنه وتوضحه للناس، لأن الجرح المتقيح لايعالج إلا بالفتح والتنظيف، والغرغرينا لايجدى معها إلا البتر، وسأحاول طرح بعض المفاهيم والنصوص والتفسيرات التى إستطاع الفكر المتطرف نقلها إلى رجل الشارع العادى وتحويلها إلى قنابل موقوتة لكراهية الآخر وعلى رأس قائمة الآخر المسيحى :
1- أول توضيح نريده هو تفسير موضوع الجزية التى يدفعها المسيحيون التى يطالب بها البعض حتى هذه اللحظة وكان آخرهم مرشد شهير سابق للإخوان المسلمين وذلك إعتماداً على أنها مذكورة فى القرآن، والتوضيح الأهملماذا هذا الإحساس المتعالى الذى يصر على تصدير الدونية والمهانة للمسيحى فى تفسير موضوع الجزية؟! فالآية تقول "قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولاباليوم الآخر ولايحرمون ماحرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون "، ماذا قال المفسرون فى تفسير هذه الآية؟، قال عكرمة فى شرحها فى تفسير القرطبى "يدفعها وهو قائم والمسلم جالس" فلما بين بعض المسلمين أن الرسول قال اليد العليا خير من اليد السفلى رد بأن ذلك ينطبق على الصدقة ولاينطبق على الجزية، ونقرأ فى تفسير إبن كثير أن الإمام مالك فسرها بأنها تعنى قهراً لهم وهم ذليلون حقيرون مهانون، ولهذا لايجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صغرة أشقياء"!!!.
2- نريد تفسيراً أو تكذيباً أو تصحيحاً لهذا الحديث المنتشر والذى جاء فى صحيح مسلم، والذى إستند إليه الشيخ عمر عبد الكافى فى تبرير عدم السلام على الأقباط، والحديث يقول "لاتبدأوا اليهود ولاالنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم فى الطريق فإضطروه إلى أضيقه".
3- نريد تفسيراً لشروط الخليفة عمر بن الخطاب فى إتفاقيته مع نصارى الشام حين فرض عليهم ألا يلبسوا لباس المسلمين وأن يجزوا نواصى رؤوسهم ولا يلبسوا عمامة، وأن يترجلوا عن دوابهم إذا مروا بمسلم، وعدم دق نواقيس الكنائس....إلى آخر هذه الشروط المجحفة، وهل نقول أنها فكر ومبدأ أم نخضعها للظروف التاريخية؟؟؟.
4- إلى ماذا إستند أبو الأعلى المودودى ومن بعده الإخوان المسلمون والتنظيمات التى خرجت من عباءتهم فى قوله "لايحق لأهل الذمة أن يتولوا عضوية مجلس الشورى"، وقوله "يستثنى أهل الذمة من الخدمة العسكرية"؟.
5- هل حديث" لايجتمع دينان فى جزيرة العرب "و الذى يستند إليه السعوديون فى منع بناء الكنائس هناك ومنع إحضار الإنجيل مع الأجانب، ووضع اللافتة الضخمة المعلقة فى الطريق المؤدى إلى مكة المكتوب عليها ممنوع لغير المسلمين....إلى آخره من هذه المظاهر العنصرية، هل هذا الحديث صحيح؟
6- نريد تعديل المفاهيم المستقاة من تفسيرات متعددة لآيات عديدة تصب كلها فى خانة التعصب والتى تتعارض ظاهرياً مع آية "لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى"، والأمثلة التى يعتمد عليها المتطرفون كثيرة منها: ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لايهدى القوم الظالمين.
التعليقات