-1-
قرفتُ قرفاً شديداً من تعليقات المعلقين، وتصريحات السياسيين اللبنانيين وغير اللبنانيين المبتذلة والروتينية والباردة والرتيبة على المجزرة التي طالت هذه المرة جبران تويني، ذلك الشاب الجميل والرائع والنادر والشجاع الذي احتضن المعارضة السورية قبل أن يحتضن المعارضة اللبنانية، وفتح لها صفحات quot;النهارquot; المشرقة فحقَّ على المعارضة السورية أن تكون أول من يثأر لدم هذا الفارس الشجاع، الذي جزَّ رأسه الجلاد المُقنّع نفسه الذي جزَّ رؤوس كوكبة من رجال لبنان بدءاً من كمال جنبلاط وليس انتهاء بجبران تويني. فما زالت القائمة طويلة، وما زال ثمن الحرية غالياً.
-2-
كان على العرب الذين قالوا، وكتبوا، وشجبوا، وبكوا ذبح جبران تويني في المسلخ اللبناني المفتوح على مدار 24 ساعة (عرض مستمر للذبائح)، أن يصمتوا، ويكفوا عن هذا الكلام المُعاد، والمبتذل والرخيص، الذي لا يليق بهذه الدماء اللبنانية الغالية. فما أغلى الذين ذهبوا في المسلخ اللبناني، وما أرخص هذا الكلام.
-3-
كلما ذبح الجزارون في المسلخ اللبناني ضحية جديدة قامت الرؤوس نفسها، وامتدت الألسن نفسها، وكتبت الأقلام نفسها، وبكت العيون نفسها، وسوف يستمر المسلخ اللبناني مفتوحاً ، وسوف يبقى الجزار الُمقنّع واقفاً متحدياً العالم والشرعية الدولية، يحمل ساطوراً كبيراً، وينتظر الضحية الجديدة، ويتحدى العرب والعالم، أن يزيلوا القناع عن وجهه، ويفضحوا شخصيته التي تعلمت فنون الذبح والسلخ ومن أعتى المسالخ، من المخابرات الألمانية الشرقية في عهد الديكتاتور ايريك هونيكر.
-4-
كل الضحايا من سياسيين، وصحافيين، وكتّاب، ومفكرين، ورجال دين الذين تم ذبحهم في المسلخ اللبناني منذ ثلاثيين عاماً ويزيد، لم يكن بفضل بطولة هذا الجزار المُقنّع، ودقة تنظيمه، وقدرته على اخفاء الجريمة، ولكن كان بفضل فساد السياسيين اللبنانيين الذي شجعوا الجزار، إما خوفاً وإما منفعة على مزيد من القتل.
فكيف نفسر إذن، أن يبوس المقتول يد القاتل بعد قتله، كما حصل مع معظم من تَّم ذبحهم في المسلخ اللبناني؟
وكيف نفسر أن يمشي القتلة في جنازات المقتولين ويتقبلون التعازي بهم جنباً إلى جنب أهلهم؟
وكيف نفسر أن يبقى القاتل هو الحليف وهو الرغيف؟
لقد آن للشعب اللبناني أن يعرف ويفهم، أن ساسته هم جلادوه، وأن ساسته هم جزاروه، وأن ساسته هم ناهبوه وسارقوه. وأن الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً كشفت الوجه القبيح والإجرامى للساسة اللبنانيين امراء هذه الحرب، الذين ارتكبوا من المجازر البشرية أفظعها وأشنعها. وأصبحوا الآن هم قادة لبنان، ووجه السياسي القبيح.
-5-
قولوا لنا: من هو السياسي اللبناني الذي يحب لبنان أكثر مما يحب مليشياته وعسكره وطائفته وأزلامه؟
قولوا لنا: من هو السياسي الفقير في لبنان؟
قولوا لنا: من هو السياسي اللبناني الذي ليس لديه حساباً سميناً سرياً في لبنان وفي الخارج؟
قولوا لنا : من هو السياسي اللبناني الذي لم ينجح في أية انتخابات إلا بفضل سفارة عربية أو أعجمية؟
قولوا لنا: من هو السياسي اللبناني الذي لا يمارس دور (القبضايات) في أزقة بيروت وحواري طرابلس ومخيمات صيدا؟
-6-
لا فساد سياسياً في العالم العربي كما هو الفساد السياسي في لبنان.
الفرق بين فساد السياسيين اللبنانيين وفساد السياسيين العرب الآخرين، أن فساد السياسيين اللبنانيين يغطيه صوت فيروز الملائكي، وصدح وديع الصافي الذهبي، ولحون فيلون وهبي الشجية، وأشعار الرحابنة الساحرة، وجرن الكبة وصينية التبولة ، وجمال الطبيعة في لبنان، ووداعة الشعب اللبناني.
والسياسيون اللبنانيون يسرقون وينهبون ويفسدون تحت هذه الأغطية. ونحن نستحلي أفعالهم الشنيعة. ولكن بدأ كل شيء ينكشف الآن عندما صمتت فيروز، وشاخ وديع الصافي، ومات فيلمون وهبي، وطويت صفحة الرحابنة، وانكسر جرن الكبة، وانقلبت صينية التبولة، واحترق أرز لبنان.
-7-
الشعراء العرب الذين عاشوا في لبنان كنـزار قباني ومحمود درويش وعبد الوهاب البياتي وغيرهم، مدحوا لبنان، وأكلوا من رغيف تنوره وتبولتا وكبّته، وشربوا عرقه ونبيذه، وعاقروا نساءه، ولكنهم لم يقولوا له الحقيقة؟
لم يقولوا له إن طريق خلاصك من عذابك هي الثورة، لأنهم لم يروا من لبنان غير بيروت، ولم يروا من بيروت غير مقاهي الروشة وشارع الحمراء وكازينو لبنان ومرابعه الليلية.
تغزّل هؤلاء بلبنان وبيروت، وقالوا فيها أحلى القصائد، لأنهم لم يعرفوا وجه لبنان السياسي القبيح. وأن لبنان صبية جميلة، اغتصبها وحوش هولاكو من التتار الغزاة الحاقدين على قلب التمدن والرقي المدني والحداثة العربية.
-8-
لو لم يكن لبنان وطناً غزالاً بين أوطان الضباع المحيطة به لما كان حاله كحاله الآن.
لو لم يكن لبنان وطناً حضارياً منفتحاً على المستقبل لما كان أبناؤه يتقاطرون على مسلخ الجزار المُقنّع الذي يحمل ساطوره ليقطع به كل رأس ترتفع وتهتف: أحد، أحد.
لو لم يكن لبنان بوابة للحرية لكل العرب المطاردين، ولكل المثقفين الهاربين، ولكل الشعراء المغردين، ولكل الأحرار المقهورين، لما اختاره الجزار المُقنّع لكي يكون مسلخ العرب، ومقصلة الحرية العربية.
لو كان لبنان ماخوراً فقط، وزريبة فقط، ومقهى وبار ونادٍ ليلي وراقصة وعاهرة فقط، لما حوّله الجزار المُقنّع إلى مسلخ لجزَّ رؤوس الأحرار والأبرار .
-9-
لبنان وطن المعجزة، ووطن العجز.
ماذا يريد لبنان؟
لبنان يريد ثورة حقيقية حارقة تقلب لبنان رأساً على عقب.
ثورة تلغي الطائفية تماماً ، وتضع دستوراً جدياً للبلاد، وتولد قيادات سياسية جديدة للبنان.
وكل خطوة من هذه الخطوات هي بمثابة معجزة صعبة التحقيق، ما دام الجزار المُقنّع يقف على باب المسلخ اللبناني وبيده ساطور ضخم. ولذا نرى هذه الجموع من الشباب تهاجر من لبنان حيث لا أمل في الثورة.
كل ما في لبنان يشير إلى العجز. ولولا فيروز، ووديع الصافي، وزكي نصيف، وفيلمون وهبة، وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، والأخطل الصغير، ومجموعة من شعراء الحداثة الجدد وكتاب لبنان وصحافييه الأحرار، لكان لبنان شجرة أرز محترقة لا روح فيه.
سياسيو لبنان تحالفوا وباعوا لبنان لكل الشياطين من عرب ومن عجم.
فماذا بقي في لبنان؟
-10-
مذبحة جبران تويني، لا تحتاج للكشف عن جزارها المُقنّع إلى مجلس أمن، ولا إلى لجنة تحقيق دولية، ولا إلى خبراء من FBI ، ولا إلى محكمة دولية، ولا إلى أية أدلة من أية جهة لكي تشير إلى الجزار المُقنّع القاتل. فكل هذا هُراء ونفخ في الهواء. فالساطور أكبر من يُخفى، والجزار أشهر من يتستر، وكل ما يحتاجه لبنان هو جرعة كبيرة من حليب السباع، وقدر من الشجاعة، لكي يبقًّ البحصة، ويوحّد الله
اقرأ أيضا:
د. خالد شوكات: البعث يا جبران..إنه نظام مجرم!
أسامة عجاج مهتار: جبران تويني
د. سيّار الجميل: جبران تويني يلتحق بقافلة شهداء لبنان..!!
جاسم بودي: نهار وظلام
دلولا ميقري: قلمُ جبران، وصوته
التعليقات