لي أختان واحدة متزجة في قرية سدود بمحافظة المنوفية، وعندما ذهبت لزيارتها وجدت أهالي القرية قد بنوا جامعاً قبل الكنيسة بحوالي مائة متر، وعندما سألت زوج اختي عن سبب بناء هذا الجامع الجديد أجابني: حتى لا يكون أول ما يلاقيه الزائر للقرية كنيسة، من أجل ذلك بنينا هذا الجامع. ونفس الشيء قاله لي زوج أختي الثانية التي تسكن في مدينة السويس في الصيف الماضي: أنظر إلى هذا الجامع ، فلقد بنيناه خصيصاً ليسبق الكنيسة، وتبرع الأهالي بنفقاته كلها. فتعجبت وقلت وما الغضاضة في أن تكون الكنيسة في مدخل أي بلد وأن تكون أول ما يلقاه الزائر. أليست هي بيتاً للعبادة؟ ألم يعترف قرآننا ورسولنا بالمسيحية؟.
من المسئول عن هذا التعصب وهذه الكراهية؟
أولاً التعليم الذي يعتبر أول وأهم أداة تسلل إليها الإخوان المتأسلمون بدهاء لزرع بذور التعصب في رؤوس صغارنا منذ نعومة أظفارهم، فيعلموهم ألف باء اللغة هكذا: أمام حرف اللام يضعون كلمة: لحيه، وأمام حرف الحاء يضعون كلمة: حجاب، وأمام حرف العين يضعون له: العلم المكتوب عليه quot; لا إلاه إلا الله محمد رسول اللهquot;. مع أن الطفل مصري ويدرس في مصر. هذا هو الإختراق الذي تمكن منه إخوان الشياطين في التعليم المصري، وأذكر أن احدى مدرسات الفلسفة قالت لتلميذاتها في الفصل الدراسي: المسيحيات سيدخلن النار، والمسلمات غير المحجبات سيعلقن من شعورهن يوم القيامة عقاباً لسفورهن. هذه عينة من تعليمنا الذي يغسلون به أدمغة صغارنا منذ الصغر لنتباكي عندما يكبرون عن تعصبهم أو إرهابهم ، ونسينا اننا نحصد مازرعنا. ناهيك عن التعليم الديني الأزهري الذي يدّّرس فقه وأحكام القرون الوسطي الذي مازال يعتبر الأقباط أهل ذمة. فلن نقضي على جذور التعصب الديني إذا لم نصلح مناهج تعليمنا وخاصة تعليمنا الديني والأزهري وأن نطعمه بعلوم الحداثة التي تفتح وعي الناشئة على فلسفة التسامح وقبول الأخر المغاير، كمساوي لهم في الحقوق والواجبات.
ثانياً الإعلام السمعي والبصري، الذي يدخل بيوتنا جميعاً ويستمع له ويشاهده كل أفراد الأسرة، ولا ننسي كيف سيطر المتأسلمون على الإذاعة المصرية وكذلك التليفزيون المصري الذي يقلل من شأن الديانات الأخري بل ويسخر منها ومن عاداتها وطقوسها عبر الأحاديث واللقاءات، وكيف ننسي الشيخ الشعراوي الذي صنعوا منه نجماً تليفزيونياً وسيطر على التلفزيون المصري لمدة عشرين عاماً كفر فيها من طرف خفي الآخر المغاير أثناء شرحه لآية quot;إن الدين عند الله الإسلامquot; مستغلاً تمكنه من اللغة العربية وحركاته البهلوانية في إقناع الجالسين أمامه بما يريد قوله. فنحن بحاجة إلى شيوخ معتدلين فاهمين لدينهم وروح دينهم، ولضرورة التسامح والتعايش السلمي بين عنصري الأمة المصرية: المسلمين والأقباط، متفهمين لنصوص القرآن لمعرفة معانيها الخفية لا يقفون أمام ظاهر النصوص صماً وعمياناً، شيوخ مدركون لروح عصرنا ومتطلبات الحقبة، عصر حقوق الإنسان والأقليات، عصر المساواة بين الرجل والمرأة، والمسلم وغير المسلم، شيوخ مسلحون بعلوم الحداثة وفلسفة الأنوار والاعتراف بكل المبادئ والقوانين الدولية المعترف بها عالمياً والتي وقعت عليها مصر وبقي عليها أن تحترم توقيعها.
ثالثاً الخطاب الديني، فليس خفي على أحد خطب الجمعة وما يقوله الخطباء المتأسلمون علناً وعبر الميكروفونات، فهم يكفرون الأقباط واليهود علناً ويدعونهم بأبناء القردة والخنازير، والعجيب أن الحكومة تري وتسمع ولا تفعل شيئاً، وأين الأزهر الذي يجب أن يكون رقيباً على كل ما يتفوه به احد أتباعه؟ لماذا لا تكون هناك رقابة صارمة على الخطاب الديني الذي يشحن المصلين بالكراهية والتعصب لأصحاب الديانات الأخرى كل يوم جمعة في جوامع مصر المحروسة، وما أكثرها، أذكر أنني كنت أصلي الجمعة في أحد جوامع الإسكندرية فإذا بالخطيب يخرج ورقة جرنال من جيبه ويقرأها على المصلين ، ثم ينهال سباً ولعناً على الغرب الكافر وعلى المسحيين واليهود الكفرة أبناء القردة والخانزير، هذه الخطب هي قنابل موقوتة يفجرها الأئمة المتأسلمون في شعب مصر، فيخرج المصلون من خطب الجمعة وهم مستعدون لقتل وقتال غير المسلم الكافر (اليهودي والمسيحي)، وهذا أحد أهم أسباب المجازر التي يتعرض لها إخواننا في الله والوطن الأقباط، بتأثير الخطاب الديني المتعصب والمتشنج الذي يعتبر نفسه أنه الدين الوحيد الحق وما عداه باطلا.
في اليوم الذي سنغير فيه مناهجنا التعليمية، وخاصة الدينية، وكذلك عندما نغير إعلامنا السمعي والبصري، وكذلك خطابنا الديني وندعمه بقيم وعلوم الحداثة الكونية، التي تساوي بين كل البشر على اختلاف ألوانهم واثنياتهم، في اليوم الذي سنعتبر فيه حقوق الإنسان ، والمساواة بين المرأة والرجل، والمسلم وغير المسلم من صميم الإسلام، ساعتها سوف لا يكون هناك فرق بين أن يكون مدخل القرية جامعاً أو كنيسة.
[email protected]
التعليقات