أَوقفت سيّارتها بالقرب من سيّارتي، وشزرتني بعينيها الدبّاحتين، ثـم نفضت رماد سيجارتها من الشبّاك، واختفت، أو بالأحرى، انشقّت الأرض وابتلعتها.
تطلّعت ذات اليمين وذات اليسار، فلـم أجد أحداً. حملقت في أعالي الفضاء، يقيناً منّي بأن اللـه تعالى سيعيد عجائبه مرّة ثانية، وينقل سيّدة فاضلة بشحمها ولحمها وسيّارتها إلى السماء، كما نقل نبينا إيليّا، عليه السلام، بمركبة ناريّة في غابر الأزمان.
وفجأة، رأيت آثار (سكربينات) سيّارتها الأربع مطبوعة على جبين الإسفلت المسكين، فأدركت للحال كم كانت مسرعة تلك السيّدة.
وما هي إلا كيلومترات معدودة، حتى وجدت سيّدتي الجمبوجيت متوقّفة على جانب الطريق، والدموع تبلّل خديها، و(ظبط) البوليس المحظوظ بين يديها، يأخذ طريقه إلى محفظة نقودها، فينتقي منها 500 دولار لا غير، ويشطب من رخصة قيادتها ثلاث علامات قاتلة، لـم تكن تملك غيرها ، وصوتها يلعلع بالعربية طبعاً:
ـ يا ألله.. البوليس الأسترالي يكره العرب..
وما أن انتهيت من التحسّر على أموال تلك المسكينة، وعلى تفكيرها الرديء تجاه الشرطة التي تعمل على حمايتها من الموت، حتى التقيت بمسكين آخر كانت سيّارته تسير بسرعة البرق، والغبار يتطاير من تحت دواليبها العريضة، وكأنه يحاول النجاة بنفسه من الهرس، ولولا وجود العلم اللبناني على زجاجها الخلفي، لما حسبت أن هذا (السوبرمان) الطائر رجلٌ لبناني .
وفي نفس الوقت، كانت إحدى سيّارات البوليس تراقب تحرّكاته الجنونيّة لحظة بلحظة، إلى أن ضبطته يتجاوز إشارة المرور الحمراء عند تقاطع بعض الطرق في مدينة سيدني، فأوقفه رجل البوليس على جانب الطريق، وبدأ باستجوابه وأنا أستمع إليهما من الجهة المقابلة :
ـ ما اسمك؟
ـ حنكليس
ـ هجّه لو سمحت ..
ـ إنكليز ..
ـ مستر إنكليز.. من كم سنة وأنت تقود السيّارة؟
ـ من سبع سنين ..
ـ وكم مرّة خسرت دفتر القيادة؟
ـ سبع مرّات ..
ـ والآن ..
ـ تصبح ثـمانية ..
ـ مستر إنكليز ..
ـ يس !!
ـ هل تعرف قوانين السير في أستراليا؟
ـ يس !!
ـ هل بإمكانك أن تقول لي من يحق له تجاوز الإشارة الحمراء عند الضرورة؟
وهنا حكّ الحنكليس رأسه مفكّراً، ومن ثـم تطلّع في عينيّ رجل البوليس، وأجاب بثقة تامة :
ـ ثلاثة فقط يحق لهم تجاوز الضوء الأحمر ..
ـ عظيم جداً.. عدّدهم إذا سمحت ..
ـ أولاً.. أمبيلونس
ـ يس ..
ـ ثانياً.. بوليس
ـ يس.. يس .
ـ ثالثاً.. ليبانيز
وانفجر البوليس ضاحكاً، بينما أسرع رفيقه إلى إخضاع السيد حنكليس لعملية فحص اللهاث، مخافة أن يكون السكر هو الذي حشر إسم (اللبنانيين) مع الإسعاف والشرطة .
- آخر تحديث :
التعليقات