عرفت الدكتور فرج فودة فى القاهرة من خلال حضورنا لندوة إستاذنا نجيب محفوظ فى كازينو قصر النيل بالقاهرة، وكان إنسانا بكل معنى الكلمة جريئا فى الحق وفى إبداء رأيه، وقد حذرته من تزايد جرأته الشديدة من أنه سوف يكون مستهدفا من قبل الإرهابيين، ولكنه لم يأبه لذلك وكان دائما يقول: "العمر واحد والرب واحد"، وقد كان ما كان وإغتيل على يد الإرهاب الآثم، وتيتم إبنه الذى شهد إستشهاد والده أمام عينه.
وأيضا عرفت إستاذنا نجيب محفوظ منذ منتصف السبعينييات، وبالرغم من المعروف عنه بالمجاملة الشديدة ‘ إلا أنه لم يخف تأييده لمبادرة ومعاهدة السلام مع إسرائيل بالرغم من المقاطعة العربية فى حينها، وكان دائما يقول للأخوة القومجية والإسلاموية:"إللى مش عاجبه السلام يورينا شطارته ويتفضل يحارب!!" وبالرغم من وجود أعداء له إلا أنه من فرط حب الناس له رفض إقتراح الأمن المصرى بتعيين حارس شخصى، لذلك كانت مفاجأة الإعتداء عليه مفاجأة مذهله، ونجا منها بإعجوبة والحمد لله.
وأنا لم أتشرف بالتعرف إلى الكتور سيد القمنى، ولكنى قرأت بعض مقالاته الجريئة والقوية والتى كان ينشرها فى أماكن عديدة، وفوجئت بالأمس عندما قرأت عن قراره بتوقفه عن الكتابة بسبب تهديدات بالقتل من قبل الإرهابيين، وحزنت فى نفس الوقت عن أن الكاتب أو المفكر أو الفنان فى بلادنا الجميلة:"حيلاقيها من مين وللا مين"، إن إستطاع أن يفلت من يد السلطة لا يستطيع أن يفلت من يد المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، وإن إستطاع أن يفلت من هؤلاء وهؤلاء كان الإرهاب له بالمرصاد، ولا حامى له إلا الله، وعلى رأى المثل المصرى: "إللى ما لوش ظهر ينضرب على بطنه". وسيد القمنى ليس له ظهر سوى قلمه وفكره، وكلاهما لا يساوى شيئا فى بلاد لا تعترف سوى بالقوة المسلحة سواء فى يد السلطة أو فى يد الإرهاب، لذلك فإن قراره بالتوقف عن الكتابة والتفرغ لرعاية أسرته هو قرار سليم مائة فى المائة:"العمر مش بعزقة"، والإنسان يحيا مرة واحدة، والحياة دائما أجمل من الموت، والموت آت آت لا ريب فيه، فلماذا نستعجله، مش كفاية إن آخرتنا الموت، كمان عاوزين سيد القمنى يركب له الإكسبريس !!
و نحن "كتاب المارينز" أو الكتاب الليبراليين الذين نعيش فى رغد العيش فى أوروبا وأمريكا، ولانقف فى طوابير "العيش" ولا نعانى الأمرين فى الحياة اليومية لتدبير تعليم معقول لأولادنا ولمحاولة الذهاب إلى مستشفى تكون أسعاره متهاوده، ولا نعانى من التطرف والتلوث والفقر والجهل والمرض، وبالرغم من أن بعضنا يتلقى تهديدات سواء حقيقية أو تهويش إلا أننا ما زلنا نعيش فى حماية المباحث الفيدرالية الأمريكية والبوليس الأمريكى أو البوليس الفرنسى أو الإسكوتلانديارد الإنجليزى، لذلك لا يحق لنا أن نطالب الدكتور سيد القمنى وغيره من الذين يعيشون فى خط النار مع التطرف والإرهاب أن يكونوا شهداء بينما نحن هنا نتمتع بحماية العم سام وأونكل "بوش". الجرأة التى نكتب بها من بلاد الفرنجة هى جرأة مصطنعة، والفدائى الحقيقى هو سيد القمنى وغيره ممن يكتبون من مواقعهم بالقاهرة ونابلس وبيروت ودمشق وبغداد والرياض، أما سامى البحيرى وغيره من كتاب المارينز فهم يعيشون فى "الطراوة" ولا يحق لهم إدعاء أى بطولة!!
أحييك يا دكتور سيد على قرارك وأتمنى أن تقض وقتا سعيدا مع أسرتك وارجو ألا تتراجع عن هذا القرار، وصدقنى إذا حدث لك مكروه لا قدر الله فلن يسأل أحد فى إسرتك، وصدقنى الكتاب يكتبون الآن لأنفسهم، الناس لا يقرأون وإن قرأوا لن يفهموا وإن فهموا جبنوا، وأن لم يجبنوا قتلوا.
أنا نفسى بأفكر جديا فى التوقف عن الكتابة، لأننى أحس فى معظم الأحيان أنه بدلا من أن أؤذن فى "مالطة" فإنه من الأفضل أن أخصص الوقت الذى أضيعه فى الكتابة مع بناتى أسعد بهن ويسعدن بى قبل أن يكبرن ويتزوجن ويتفرغن لبيوتهن الجديدة، و "ياروح ما بعدك روح".
- آخر تحديث :
التعليقات