سبق أن أشار كثير من كتاب "إيلاف" الليبراليين، في مقالات سابقة عن حالة الفزع والخوف التي انتابت الاوساط القبطية السياسية والثقافية، نتيجة لاعلان أمريكا بأنها لا تمانع في فتح قنوات اتصال مع الإسلاميين المعتدلين (الإخوان المسلمون) ووصولهم للحكم، وكذلك مع غيرهم من القوى السياسية المعارضة، ولم تعد هذه القوى كما كانت أداة يضغط بها على النظام المصري، بعد أن فقدها النظام أيضاً. ولكنا كنا نقرأ لبعض هؤلاء الكتاب الأقباط في "إيلاف" وفي مواقعأخرى على الانترنت، وجهات نظر، تدافع بقوة وصلف عن رأيهم في أن هجومهم على "الاخوان المسلمين" ليس بدافع ان الإخوان يقتربون من العتبات الأمريكية، ولكن لأن خطاب "الاخوان" لن يسمح للأقباط غداً – فيما لو حكموا مصر - أن أن يعيشوا كما يعيشون الآن.
اليوم يكشف بابا الأقباط المستور، ويفضح هؤلاء الكتاب الذين يهاجمون الإخوان المسلمين غير معترفين بالسبب الحقيقي لهذا الهجوم.
اليوم يقف البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس وحبرهم الأعظم الديني والسياسي وربما الفكري أيضاً موقفاً واضحاً وصريحا من عهد الرئيس مبارك الذي وسمه بـ "الديمقراطي الوحيد"، لا تصديقاً لحكم مبارك، ولكن نكاية بالأخوان المسلمين الذين كادوا أن يصلوا إلى مشارف وزارة الخارجية الأمريكية، وأبواب البيت الأبيض، وأولى درجات سلم الكونجرس في الكابيتول.
فما قول الأخوة والزملاء من الكتاب الأقباط الذين صدعوا رؤوسنا بـ "المواقف الإنسانية" و "الفضاءات الإنسانية" والكتابات التنظرية الغيبية من موقف البابا شنودة وما يقوله في هذه الأيام ضد المعارضة المصرية ومنها "الأخوان المسلمون" التي تقف شوكة كبيرة في حلق حكم مبارك وتكاد أن تخنقه.
هل قرأتم ما كتبه البابا شنودة (الأهرام، 16/8/2005) وليس صفوت الشريف، أو اسامة الباز، أو جمال مبارك، أو أي قيادي من قادة الحزب الوطني الحاكم؟
اقرأوا معنا لكي تفهموا،كيف يفكر ويتصرف الأقباط من رجال دين ومثقفين، نحو ما يجري الآن في مصر:
يقول البابا شنودة:
"أود الآن أن أتكلم عن الديمقراطية في عهد الرئيس مبارك. نستطيع أن نقول أنه منذ بداية الثورة حتي الآن لم تبلغ الديمقراطية ذروتها إلا في عهد الرئيس مبارك. لقد عاصرنا الملكية ثم الثورة، منذ أيام محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات إلي ايام حسني مبارك. فماذا كان الوضع؟ عهد جمال عبد الناصر كان عهد الحزب الواحد (الاتحاد الاشتراكي) وفي عهد السادات وجدت منابر ثم أحزاب. وقيل من فم الرئيس السادات نفسه إنها كانت ديمقراطية لها مخالب وأنياب. أما في عهد حسني مبارك فتوجد الديمقراطية الحقة، التي يستطيع فيها كل أحد أن يقول كل ما يشاء، ويمكنه أن يبيت تلك الليلة سالما في بيته. أشهد أمام الله أنه لم توجد حرية صحافة في مصر، طوال 53 عاماً منذ بدء الثورة مثلما هي الآن في عهد الرئيس مبارك."
نعم، ليس زكريا عزمي، أو كمال الشاذلي، أو أي واحد من قادة الحزب الوطني الحاكم، من يكتب هذا. ولكنه البابا شنودة الذي يضيف شاتماً المعارضة المصرية وبأسم الأقباط جميعاً باعتباره حبرهم الأعظم بقوله:
"للأسف فقد استغل البعض هذه الحرية بأسلوب أخرجها عن هدفها الديمقراطي، وعن ميثاق الشرف الصحافي! كل هذا يجعلنا نمتدح هدوء الأعصاب الذي يتصف به الرئيس مبارك. كان بإمكانه أن يعاقب أولئك الذين تجاوزوا الخط الأحمر، وخرجوا عن كل حدود اللياقة. ولكنه لم يفعل شيئاً، وتركهم بقوة احتمال عجيبة ! وبعضهم ثاروا وتظاهروا وهتفوا هتافات عدائية، ما كانوا يستطيعون شيئاً منها في عهد جمال عبد الناصر، ولا في عهد السادات، ولا في عهد الملكية..!
لقد استغلوا نبل الرجل.. ولكن لكل شيء وقته ."
فماذا كان رد المعارضة المصرية على بابا الأقباط؟
لقد قالت تعليقات المعارضة المصرية عن مقال البابا:
"إن أي مسؤول أمني في مصر لم يجرؤ على قول ما قاله البابا في حملته ضد المعارضة وتحريض الرئيس مبارك ضدها. وقالت المعارضة المصرية لقد اختار البابا أن يكون مجرد مرشد أمني ومحرض سافر وتجاوز كل الخطوط التي يمكن لنا احتمالها منه، بعد أن كشف عن طبيعة فاشية نجح في إخفائها طوال السنوات الماضية" .
وفسرت المعارضة المصرية موقف البابا هذا ومن ورائه الكتاب الأقباط بأنهم "فقدوا أعصابهم ولهم الحق. فقد ضاعت من البابا وللأبد، الورقة الأمريكية كما قلنا بعد أن أعلنت أمريكا أنها لا تمانع في فتح قنوات اتصال مع الإسلاميين المعتدلين ووصولهم للحكم، ومع غيرهم من القوي السياسية المعارضة، ولم تعد كما كانت أداة يضغط بها علي النظام بعد أن فقدها النظام أيضاً ولذلك فتحالفهما مفهوم" (حسنين كروم، القدس العربي ، 18/5/2005).
وما زال الكتاب الأقباط، حتى هذه اللحظة يقومون بمهاجمة الإخوان المسلمين المعتدلين (كمال غبريال، إلى ما يسمى تيار الإخوان المعتدل) فهل يمكن أن يفسر لنا الكتاب الأقباط صدقاً، سرَّ هذا الفزع والرعب غير المبرر من الأخوان المسلمين؟

كاتب المقال باحث وأكاديمي مصري.