يشهد الله أني كنت متعاطفاً مع الرئيس الأسد، لأنه ابن جيلي وأنا بصراحة أعتقد أن الأجيال السابقة عن جيلنا أعطت كل ما عندها ولم تعد قادرة على أي عطاء في الخير، كل عطائها لن يكون في أغلب الحالات إلا في الشر، طبعاً هناك حالات نادرة تحفظ ولا يقاس عليها، لكن اتضح الآن بالملموس أن بشار الأسد ليس محمد السادس ولا عبد الله الثاني، وإنما هو طفل لا يسيطر على أجهزة مخابراته التي تحكم سوريا ولبنان والعراق من وراء ظهره، كما قال الشاعر:

تؤخذ باسمه الدنيا جميعاً / وما من ذاك شيء في يديه

وسوريا اليوم أصبحت دولة مافيوزية خارجة على القانون سواء في داخل سوريه حيث يختطف الأبرياء ويغتالون في أقبية المخابرات ويلقي بجثثهم على قارعة الطريق ويقال إن الجريمة ارتكبها مجهول، وهذا ما حدث مع الشيخ الكردي الذي اختطفته إحدى أجهزة المخابرات التي لا تحصي ولا تعد وقتلته شر قتلة ونسبت الجريمة إلى مجهول. وواضح اليوم أن المساعدات الهائلة التي تقدمها سوريا إلى الإرهاب في العراق تقدمها في الحقيقة أجهزة المخابرات بدون علم الرئيس بشار الأسد الذي هو رئيس على نفسه فقط وعلى السوريين الغلابى، أما أجهزة المخابرات فتعامله كطفل غير مدلل. وكذللت تتصرف المخابرات السورية في لبنان متحالفة مع حزب الله، فقد نشرت الصحف أن المخابرات السورية أعدت قائمة سوداء بشخصيات لبنانية مرشحة للإغتيال وفي طليعتهم ابن الشهيد رفيق الحريري الأستاذ سعد الحريري الذي غادر لبنان منذ خمسة أسابيع إلى فرنسا لكي ينجو من القتلة السوريين المتحالفين مع حزب الله. ومنهم جبران تويني رئيس تحرير جريدة "النهار" الذي صرح بأن اللجنة الدولية للتحقيق في جريمة اغتيال الشهيد الحريري أعلمته عن طريق الأمن اللبناني بأنه في القائمة السورية السوداء ومنهم الكردينال نصر الله صفير الذي تريد سوريا اغتياله لإيقاظ الفتنة النائمة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" ومنهم وليد جنبلاط والجنرال ميشيل عون... والقائمة ولا شك طويلة تضم أيضاً رئيس الحكومة اللبنانية السني فؤاد السنيوره. لقد رفضت سوريا السماح لرئيس اللجنة الدولية للتحقيق في اغتيال الشهيد الحريري استجواب خمسة من رؤساء مخابراتها الذين عملوا في لبنان وعلى رأسهم المجرم رستم غزالة الذي هدد الرئيس الحريري، كما قال هذا الأخير للرئيس جاك شيراك قبل اغتياله بأسابيع قليلة " سأخرج مصارينك بيدي"، وقد صدق في وعيده، وذكرت مجلة "الوطن العربي" وهي اسبوعية واسعة الاطلاع في عددها بتاريخ 26/8/2005 في مقال بعنوان "سورية تحاول استعادة لبنان بإعادته لأجواء الحرب الأهلية" أن حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله متورطان في اغتيال شهيد لبنان والعروبة والإسلام رفيق الحريري فسيارة "البيك – أب" التي انفجرت بموكب الرئيس الحريري في 14 فبراير- شباط الماضي، تم تفخيخها في ملجأ تحت الأرض في الضاحية الجنوبية وتحديداً في منطقة "بئر العبد" التي يسيطر عليها حزب الله. وقد نشر الصحفي السوري المتميز حكم البابا مقالاً في الشفاف والقدس العربي به صورة حسن نصر الله وهو يقدم للمجرم رستم غزالة قبل عودته إلى لبنان بندقية إسرائيلية كوسام يعلقه على صدره والطيور على أشكالها تقع، فرستم غزالة ونصر الله تواطئا على اغتيال الشهيد الحريري والكل يذكر خطابه بعد أيام من اغتيال شهيدنا العظيم والذي أعادته إذاعة الشرق بباريس عدة مرات حيث قال بصوته الثعلبي :"سوريا بريئة، سوريا بريئة، سوريا بريئة، من اغتيال الحريري" هذا النفي المثلث هو في الواقع تأكيد مثلث لتورط سوريا وحزب الله في اغتيال شهيدنا العظيم.
والمجرم جميل السيد رئيس الأمن العام في لبنان ورجل سوريا القوى فيها والذي هدد شخصياً الشهيد سمير قصير يعترف بأن النظام السوري طلب منه أن يترشح للبرلمان على قائمة حزب الله. ومعروف أيضاً أن الأربعة المسؤولين عن الجهاز الأمني اللبناني ومنهم جميل السيد الذين اعتقلوا أخيراً في لبنان بطلب من اللجنة الدولية للتحقيق في اغتيال الشهيد رفيق الحريري كانوا يتعاونون في الكبيرة والصغيرة مع حزب الله وحسن نصر الله شخصياًالذي كان المسؤول العسكري لحزب الله في الثمانينات وهو الذي نفذ فتوى الخميني باغتيال الفيلسوفين اللبنانيين حسن مروه ومهدي عامل وهو الذي اختطف وصفى الرهائن الغربيين ومنهم المستشرق الفرنسي الشاب ميشيل صورا...
في خطابه الأخير قال بشار الأسد:"لقد صفينا كمال جنبلاط لأنه كان يريد طرد المسيحيين من لبنان". أن يسكت ابنه وليد فذلك مفهوم لأن سيف المخابرات السورية فوق رأسه. لكن ماذا تنتظر الأمم المتحدة لتقدم أقطاب الحرس القديم الذين شاركوا في تصفية كمال جنبلاط إلى محكمة دولية؟ أم أن اعضاء مجلس الأمن ينتظرون أن يعترف يوماً ابن بشار الأسد "لقد صفينا الحريري لأنه كان يسعى لطرد المخابرات السورية من لبنان!".كل الطبقة السياسية اللبنانية المعارضة لحكو المخابرات السورية في لبنان إما لاجئون في فرنسا وإما ينتظرون القتلة السوريين في لبنان والعالم العربي يتفرج على هذه المأساة والعالم كله يتفرج... إننا عدنا إلى قانون الغاب حيث القوى يفترس الضعيف... والأسماك الكبيرة تتغدى وتتعشى بالأسماك الصغيرة... تف ثم تف على هذا العالم المرعب.
أين الجامعة العربية؟ أين ابن بلدياتي عمرو موسى لكي يستيقظ ضميره كعربي وكمسلم وكإنسان ليقول لمجرمي المخابرات السورية كفي؟ وأين مصر العظيمة التي كانت في عهد عبد الناصر إذا قالت كلمة لم يعد بإمكان أحد في العالم العربي أن يحرك اصبعه؟ وأين الأمم المتحدة وكوفي عنان ؟ وأين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن؟ كيف يتركون المخابرات السورية تسرح وتمرح في لبنان لقتل نخبته بالسيارات المفخخة حتى تثبت، كما قالت الوطن العربي، للعالم بأن لبنان إذا خرج من السيطرة السورية فسيعود إلى الحرب الأهلية؟ صدق الرئيس شيراك عندما قال لشارون أن :"سوريا تمثل خطراً على العالم". لكنه ماذا قرر أن يفعل لحماية الطبقة السياسية اللبنانية التي لجأت إليه عسى أن لا تنفذ فيها المخابرات السورية حكم الإعدام؟ كيف يمكن للأغلبية التي انتخبها الشعب بقيادة سعد الحريري أن تحكم وهي فارة بجلدها إلى باريس؟ لماذا لا يقود الرئيس شيراك حملة دولية لعزل بشار الأسد وتعويضه بعمه رفعت الأسد على شرط أن يعترف هذا الأخير بجميع الأحزاب بما فيها الإخوان المسلمين ويقود فترة انتقالية لمدة أربع سنوات تنظم بعدها انتخابات ديمقراطية بإشراف الأمم المتحدة؟
رفعت الأسد هو اليوم الرجل المناسب في المكان المناسب، لأن الطائفة العلوية الحاكمة تقبل به وأسرة الأسد نفسها تقبل به لأن الحكم لم يخرج منها، والمعارضة السورية تقبل به لأنه يحمل مشروعاً انتقالياً ديمقراطياً مضموناَ دولياً، وهو يملك تليفزيون يخاطب به الشعب السوري. لا ينقصه إلا دعم دولي قوى.
أتمنى أن تتحرك فرنسا وأوربا لإخراج سوريا ولبنان من كابوس سوريا بشار الأسد قبا فوات الأوان.

[email protected]