لا يجد المتابع للشأن السياسي السوري جديدا فيما قاله خدام بما فيه عرض قناة العربية للقاء معه تحت خبر عاجل: انشقاق نائب الرئيس السوري السابق. فالرجل معروف انه أصبح بعيدا عن مركز صنع القرار منذ تولي الرئيس بشار الأسد للحكم، بل وقبل ذلك إلى أن تنحى عن كل مهامه قبل المؤتمر القطري السابق لحزب البعث الحاكم، ويعرف كثيرون انه كان مدعوا لمؤتمر للمعارضة السورية كان من المقرر أن يعقد في احد العواصم الأوربية إلا إن ذلك المؤتمر قد تعثر.
ولم يترك أعضاء مجلس الشعب السوري شيئاً لأحد ليقوله عن هذا الرجل فقد(كشفوا) كل شيء بسيمفونية متناغمة يقودها عازف اوركسترا ماهر . وأيضاً لم يتفاجئ أي سوري بما قالوه (وليس المتابع فقط) عن خدام.. فهذا معروف للقاصي والداني .. ولا ادري لم تذكرت، وأنا اجبر نفسي على متابعة خطبهم الحماسية المرحوم العم فصيح حيث كان وجيهاً على (فخذ) من أحد العشائر في منطقتنا وكان هذا الفخذ قليل العدد نسبة لبقية العشيرة وقد بنا منزله على هضبة شرق طريق الإسفلت الذي يربط المدينة بالقرية بينما بقية الفخذ يسكنون في قرية صغيرة غرب طريق الإسفلت وقد كانوا يخافونه بشدة إذ أنه إضافة لأخذه اغلب أراضي القرية فقد منع أي منهم من عبور طريق الإسفلت نحو الشرق وكان ذلك عقابه عسيراً فصار طريق الإسفلت بالنسبة لهم يمثل رعباً، وإذ يحدث أن يغيب الرجل في المدينة ليوم أو اثنين فيرونها فرصة سانحة للعبور بأغنامهم القليلة نحو الشرق، إلا أن عودته المفاجئة نازلاً على الطريق من أحد الباصات العابرة تسبب لهم خوفاً شديدا وهم يحثون الخطى نحو غرب طريق الإسفلت ولسان حالهم يتمتم: شافنا؟ لا أظن أنه شافنا ...
مات الرجل وخلال العزاء الذي تبنى له بيوت طويلة من الشعر(ما يسمى الخيام) كي يتسع للمعزين القادمين من أنحاء بعيدة قرر رجل من المنطقة أن يقدم عرضاً مسرحياً حياً بكل خبث فوقف أمام البيت وقال بصوتٍ يسمعه الجميع: بعقلي (: أظن) هذاااك فصيح الذي نزل من الباص . وفجأة هب رجال الفخذ واقفين خائفين ومذعورين كي يتراكضون هاربين نحو غرب الطريق.. ضحك الجمع وذكروهم أنهم يجلسون في عزاء الرجل !!!
لقد كان اغلب أعضاء مجلس الشعب يرتجفون وهم يلقون خطبهم وقد لاحظت أن اغلبهم كان ينظر إلى الكرسي الذي كان يجلس عليه في المرات القليلة التي كان يحضر إلى مجلسهم وتكاد تنحصر بحضور خطاب الرئيس في المجلس، وقد لاحظ هذا على ما يبدو رئيس مجلس الشعب فاقترح رمي الكرسي إلى الشارع وأظن انه يريد أن يهدأ من روع الأعضاء بأن كل شيء انتهى بالنسبة لهذا الرجل لا تخافوا تابعو خطبكم ...
لم يجد النظام السوري من رد على ما قاله خدام سوى استخدام المساكين أعضاء مجلس الشعب الذي يستطيع عنصر أمن (وليس ضابط) أن يسحلهم في الشوارع دون أن يحاسب .. بمسرحية سمجة أعدت على عجل حيث كان الارتباك سيد الموقف فعندما ذكر عضو دوره في مقارعة (جماعة المجتمع المدني) وذكر المعتقلين أصيب التلفزيون السوري بإضراب فقد قالوا له انقل مباشر ويبدو أن الخروج على النص لم يكن محسوباً حسابه فاقترحوا(جماعة التلفزيون) كحل عاجل للأمر لايموت فيه الذئب ولا تطير فيه الكراسي أن يغطي المذيع على صوت الخطيب الجهوري عندما يخرج على النص ..
الاسوء في حديث خدام بالنسبة للنظام هو توقيته وليس مضمونه فبعد أن التقط الجميع أنفاسهم وهدءوا قليلاً بعد مسرحية هسام هسام وبعد تقرير ميليس الثاني والارتياح لقرار مجلس الأمن كونه لم يقرر فرض عقوبات على سوريا جاء شاهدٌ من أهله ليقول أن التقرير غير مسيس وأن الحريري تعرض لتهديدات مباشرة وأسمع كلاما قاسياً من الرئيس الأسد مما سيعطي دفعاً قوياً للجنة التحقيق الدولية باغتيال الحريري .. ولا يمكن أن يضاف جديدا في هذا المجال سوى تأكيد معلومات ذكرتها تقارير ميليس السابقة مفصلة ..
تساءل بعض أعضاء المجلس المساكين الذي احضروا على عجل لأن لا رد آخر لدى النظام: لماذا لآن؟
وهو سؤال جوهري حقيقة فلابد أن للرجل اتصالات قوية مع مراكز صنع القرار في العالم، وهو يتحدث من فرنسا ومدعوما بعلاقات الحريري الفرنسية..لابد للتوقيت أن يكون محسوبا بدقة ويشكل علامة فارقة في مسيرة النظام وعلاقاته الدولية المنهارة، إذن لا بد أن حصل الرجل على معلومة مؤكدة: لم يبق أحد لهذا النظام سوى أعضاء مجلس الشعب الصامدين والذي قرر أغلبهم بحماسة أن دماءهم ودماء الشعب ستبذل رخيصة أما ما يتعرض له (الوطن) وقائد الوطن من ضغوط خارجية تهدف للنيل من صمود شعبنا ..
وبدا الرجل يمهد الطريق لانخراطه في المعارضة عبر تمريره في حديثه جملاً تفيد بأن الوطن يحتاج للجميع بما فيهم الإخوان المسلمين، ولن يحدث خدام بكل حال في حال انخراطه في المعارضة شرخاً في تحالف المعارضة تحت يافطة (إعلان دمشق) فقد مهدوا لهذا أيضاً في إعلانهم عبر الإشارة إلى البعثيين ومن كان في السلطة، ويبدو هنا واضحاً إن الأمر تم بعد مداولات (سرية: يعرفها الجمي).
أما فيما يخص العلاقة مع أمريكا فقد دعا الرجل إلى الحوار وذكر أن النظام ارتكب أخطاء فادحة في السياسة الخارجية ولا يبدو أن الأمر كانت الغاية منه الهجوم على الوزير الشرع، بل أنه يطرح تصوراته الحقيقة وكذلك يمرر توجهاته المستقبلية ليس لمراكز صنع القرار العالمي فهو بكل تأكيد قد تحاور وتشاور معها قبل ظهوره على قناة العربية.
الآن وقد جفت حناجر أعضاء المجلس من الصياح ومطالبة محاكمة الرجل أو الطلب من الانتربول لتسليمه تم نهاية الجزء الأكثر هامشية من العرض وهذا الجزء موجه لمشاهدي القناة الفضائية السورية من السوريين وليس إلى غيرهم لمحو أثار حديث خدام من مخيلتهم ليس المعلومات التي فجرها فكما أسلفنا لم يقل شيئا جديدا , لكن لمحو الأمر من مخيلة السوريين بأن أحد يستطيع التجرؤ والحديث عن النظام بغير التقديس ..
لقد كان حديث خدام فرصة مناسبة لاستعادة لياقة حناجر أعضاء المجلس المساكين فمنذ زمن لم يخطبوا بهذا الحماس الشديد مما قد يؤثر مستقبلاً على أدائهم الهتافي لاعتلاء كراسيهم .. بل أنها فرصة كي يظهروا على الشاشة ويراهم الناس إذ يشكل ظهور العضو (تبع) مجلس الشعب ولو بمرور الكاميرا عليه وهي تنقل خبراً عن جلسه للمجلس حدثاً هاماً في مسيرة العضو ولدى أقاربه وأسرته وجيرانه وأبناء عشيرته فما بالكم وهم يرونه يخطب ويزمجر (صحيح أنهم كانوا يرتجفون) لكن لا بأس سيتم التحجج بأنها رهبة الكاميرا ورهبة الميكرفون فهم نادراً ما يمسكون به ونادراً ما تسلط عليهم الكاميرا فما بالكم إذا كان الأمر نقل مسرحي حي ومباشر.
التعليقات