لم تكن أحوال المهاجرين العرب في الغرب كما آلت إليه اليوم، فما ميّز الغربيون من قبل بين الناس بسبب لونهم أو عرقهم أو دينهم، لأن مقياسهم في الحكم على الآخرين: الصدق في التعامل، واحترام القوانين، والإخلاص في العمل.
لقد عاش المهاجرون العرب قبل أن يطلقوا عليهم لقب (ذوي الرؤوس السوداء) في ثبات ونبات وخلفوا مسرورين العديد من الصبيان والبنات، قبضوا عليهم الكثير من المكافآت والمساعدات، حسّنت أوضاعهم المالية، ورفهتهم، وأراحت بعضهم من عناء العمل.
تمتع المهاجرون في مهجرهم بالحرية وحماية القوانين، وطيب العيش والإقامة، وراحة البال. فكان المقعد منهم أو المعاق يتناوب على خدمته وراحته وتنشيطه ثلاثة موظفين على مدى ساعات الليل والنهار، يسدد أجورهم دافعو الضرائب الغربيين بنسبة تفوق أحيانا (30%) من دخلهم. بعكس بعض المهاجرين الذين اشتغلوا بالسر أو بالأسود، ولم يصرحوا للسلطات عن أعمالهم، تهربا من الضرائب، وضمانا لاستمرار رواتب المساعدات.
لقد أحسن الغربيون وفادة هؤلاء واستقبالهم، وأحاطوهم بالرعاية والعناية والحماية، فبنوا لهم المساجد والمدارس الدينية والوطنية، وخصصوا لها الميزانيات، وساووهم بمواطنيهم، حين أعطوهم الجنسيات لتطمئن قلوبهم، ويضمنوا شيخوختهم، وأشركوهم من ثمَّ في قرارات البلاد، ورسم سياستها وخططها، من خلال السماح لهم بالترشح والانتخابات.
لم يكن المهاجرون كلهم من الأخيار في بلدانهم التي هجروها، بل كان بعضهم من الكسالى والأميين، والأفاقين والمتعصبين والمطلوبين الذين لعبوا في المهجر بالبيضة والحجر، واستسهلوا الكذب في الوصول إلى أغراضهم، ومارسوا الغش والتزوير والتدليس. فلم يستطيعوا المحافظة على ود أهل البلاد واحترامهم، واستمرار عطفهم. بل إنهم قد احتقروا أصحاب الدار وهم ضيوفهم يسكنون في بيوتهم، وينفقون من أموالهم، ويأكلون من خبزهم، ويشربون من ماءهم، وحليب أطفالهم.
لقد احتقر هؤلاء المهاجرون وحاربوا قيم وأساليب عيش المجتمعات الغربية التي تمثلت أولا بفرض العلمانية وحقوق الإنسان والمساواة والحرية، والتي دفع الغرب أثمانها باهظة على مدى قرون عديدة من ضنك العيش والظلم والحروب، وتسلط رجال الدين والكنيسة والملوك. ولم يكتفوا بذلك، بل انتهكوا قوانين البلاد المدنية، وعاشوا في عزلة عن مضيفيهم، فلم يتعلموا لغتهم، ولم يحترموا عاداتهم، وبدلا من ذلك سوروا مجتمعاتهم الوطنية بجدران عالية، وأسلاك شائكة، حبسوا فيها أولادهم واضطهدوا بناتهم، وضربوا أطفالهم، وحرضوهم على مفاهيم أهل البلاد، وخوفوهم من الاتصال بهم. كما رفضوا اعتبار البلاد بلادهم، بالرغم من تجنسهم، واستبعادهم العودة للوطن الأم أو التفكير في هكذا احتمال، وأكثر ما ميّزهم حبهم للمال، ولهثهم خلفه، وسعيهم لجمعه بكل الوسائل التي كانت جميعها مشروعة في نظرهم، مع أن غدهم آمن مضمون، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، وقد ابتدعوا في سبيل هدفهم طرقا مبتكرة يسمونها ذكية، لا تخطر على بال أهل البلاد، كأن يطلقون شكلا، أمام السلطات المدنية زوجاتهم، ويستمرون في العيش معهم تحت مسمى صديقة، لتنال راتبا من المساعدات باعتبارها بلا معيل أو عمل.
لم تكن مقبولة لدى الغربيين، أخلاق بعض المهاجرين وتصرفاتهم، التي اتصفت بسرعة رد الفعل والغضب، واستعمال العنف وأيديهم في فض المنازعات والخلافات، والكذب كان واحدا من أسلحتهم، وزورق النجاة الذي امتطوه لتحقيق مصالحهم وتنفيذ مآربهم، إضافة لجريهم خلف السلع المهربة، وشراءهم البضائع المسروقة لكونها أرخص.
لقد جلس هؤلاء المهاجرين المعنيين في أحضان مضيفيهم الغربيين وراحوا ينتفون في ذقونهم، حتى أن بعض مشايخهم اعتبر تلك البلاد مرحاضا يقضي فيه حاجته، وآخرون اعتقدوا أن الله قد سخر تلك البلاد وأهلها لخدمتهم، فكان أن استحلوا أموالهم، واحتقروا قيمهم، وانتهكوا قوانينهم، واستغلوا تسامحهم، وحاولوا أن يفرضوا بالعنف والإكراه ثقافتهم ومعتقداتهم عليهم.
لم يقدم هؤلاء المهاجرون فكرة طيبة، وصورة مشرقة عن قومهم ودينهم وعاداتهم وبلادهم، بل كانوا نموذجا للتخلف والعنف في اضطهادهم لبناتهم ونسائهم، وحرمانهم من حقوقهن، ومعاملتهن بوحشية واحتقار تصل أحيانا إلى حد الذبح. لكن أكثر ما أغاظ أهل الدار، أن هؤلاء قد كفروهم ودعوا لقتلهم، وتدمير دولهم، مدعين أن هذا واجبهم، وتعاليم دينهم، وأوامر ربهم، واستخدموا المساجد منبرا لدعواتهم وتحريضهم، ففجروا الحافلات والقطارات والسيارات والبنايات، وقتلوا الكثير من الرجال والنساء والأطفال، في عمليات إرهابية سموا كل مجزرة منها غزوة ، وللأسف ما زالوا حتى الآن يهددون ويتوعدون.
منذ الهجوم على سجن الباستيل عام (1789) وإعلان حقوق الإنسان، لم يعد الأوروبيون بشكل عام يعبأون بالدين، ولم يعد له مكان في توجهاتهم، ويدل على ذلك كنائسهم التي أصبح كثير منها عبارة عن معالم سياحية تنعي من بناها. ولو أنهم كانوا من المتعصبين مثل بعض المتأسلمين يكرهون ويكفّرون من ليسوا على ملتهم، ويستحلون دمهم، لما استقبلوا هؤلاء المهاجرين واعتنوا بهم، أو لكانوا اشترطوا عليهم.
إن على هؤلاء أن يعيدوا النظر في سلوكهم وعقليتهم وأخلاقهم، ويلتزموا بقوانين مضيفيهم، أو يعودوا إن لم يستطيعوا ذلك إلى بلادهم، رحمة بلقمة عيشهم، ومستقبل أبنائهم، ورحمة بأبناء جلدتهم وقومهم، وإن لم يفعلوا، فإنني أظن أن الحرب ضدهم قد بدأت.
التعليقات