السيد رئيس الجمهورية السورية المحترم

فتح لك رئيس الحكومة الإسلامية التركية، السيد طيب رجب أردوغان، بابًا للسّلام مع إسرائيل. وحاول الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، منذ انتخابه ومازال أن يفتح لك، بأيّ صعوبة، بابًا آخر لإخراج سورية من عزلتها الإقليمية والدولية التي أدخلتها فيها الصناعة السيّئة للقرار الدبلوماسي. بدءًا بتشجيع تسلّل الإرهابيين إلى العراق لمنع إعادة إعماره، وانتهاءًا بإغراق لبنان في المشاكل والدم، مرورا بعرقلة الوحدة الوطنية الفلسطينية بين حماس وفتح ومجموع الفصائل الفلسطينية تحت سلطة واحدة وبندقية واحدة، كشرط شارط لزيادةِ احْتماليّة حلّ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بظهور دولة فلسطينية مازال يسمع بها الجميع ولا يراها أحد. والمعروف أنّه لم توجد حركة تحرر وطني حقّقت مطلوبها وهي منقسمة على نفسها. عرقلة حلّ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ليس تاكتيك فقط لاستعادة الجولان بل فيه جرعة إستراتيجية. مازال خطاب الرئيس حافظ الأسد في 1973 يَرنّ كطنين صفعةٍ على أذني : quot;لا وجود لفلسطين، قال الرئيس، فلسطين هي جنوب سورية.quot; قلت يومها للسيّد نبيل شعث، في مركز الأبحاث الفلسطيني : quot;وعَدَا الرُّوم، خلف ظهرك رومٌ / فعلى أيّ جانِبيْك تَميل ؟ (...) منذ الآن فلسطين محصورة بين فكّيْ إسرائيل الكبرى وسورية الكبرى ... وكان الله في العون.quot;
عدم إغلاق بابَيْ الأمل اللذين انفتحا في وجهك، رهن بنجاحك في مواجهة تحدياتٍ أربعة كبرى بجدّية ومسؤولية، أي بشجاعة سياسية وسياسة براغماتية : 1 ndash; إصلاح خطأ التحالف الإستراتيجي مع إيران ؛ 2 ndash; الإقلاع النهائي عن محاولة استعادة لبنان ؛ 3 ndash; استعادة الجولان ؛ 4 ndash; المصالحة الداخلية.

السيد الرئيس
لُبّ السياسة اليوم هو أن يُدرك السياسي بدقّة في أيّ عالم نعيش ؛ نحن نعيش في عالم يتغير بسرعة الضوء وتزداد فيه المخاطر. السياسي الحق هو الذي يسعى إلى التكيف مع هذا العالم كما هو وليس كما يحب هو أن يكون. وهكذا فربّما كان أكثر أخطاء صناعة القرار الدبلوماسي خطأ وخطرا هو التحالف الإستراتيجي مع حكومة أقصى اليمين الديني الإيراني الاستفزازي. والحال أن معجم الدبلوماسية الدولية المعاصرة لا يعترف إلا بحكومة الوسط : وسط اليمين ووسط اليسار المُتداوِلَيْن سلميّا على الحكم. وما عداها من الحكومات منبوذة وبلا مستقبل. وبما أن المصائب لا تأتي فُرادى، فالتحالف عُقد مع أكثر حكومات الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذيانا وعزلة في الداخل والخارج. حتى غدا المرء لا يدري أيضحك أم يبكي من هذيان رئيسها، أحمدي نجاد، عن رَجْعة الإمام الغائب الوشيكة والذي يصنع منذ الآن، على قول الرئيس الإيراني : quot;سياسة إيران الداخلية والخارجية.quot; ! والفَكِه في الأمر أنّ مجلس (برلمان) الجمهورية الإسلامية يناقش مثل هذا الهذيان بكل جدّية : يقول أحد آيات الله : حاشا الإمام الغائب من صناعة سياسة يصل معدّل التضخّم فيها إلى 20℅ ! يروي وزير الخارجية الفرنسية السابق دوست بلازي Doust Blasyفي مذكراته أنه، ووزير الخارجية الألمانية، لم يُصدّقا أذنيهما عندما قال لهما أحمدي نجاد في اجتماع خاص في نيويورك : quot;العالم في حاجة إلى الفوضىquot; ! لم يُضف طبعا، لأن الفوضى أَمَارَةُ رَجْعَة الإمام الغائب لتحقيق quot;نصر إلهيquot; على أعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية. حال سورية المتحالفة مع إيران، الضعيفة عسكريّا والمنهارة اقتصاديّا، هي كحال غريق مُستنجد بغريق. ما لَم تتخلص النُخب الإيرانية المعتدلة من أحمدي نجاد وحكومة quot;الحرس الثوريquot; و quot;قوات القدسquot; وسياستهم العدوانية فقد تجد إيران نفسها ذات يوم واقفة وحيدة في مواجهة حاسمة مع العالم. وهكذا قد تجد سورية نفسها أيضا، مع حليفتها، في نفس النفق المظلم. التحالف السوري الإيراني ليس قَدرا. بإمكان سورية أن تجد له بديلا أفضل في البترودولار الخليجي وفي استثمارات الشركات الدولية التي كانت ولا زالت قابلة التنمية في جنوب شرق آسيا والهند والصين ... يبدو أن سورية همَّت بمحاكاة إيران في مادّة التسلّح النووي الذي كان والِدُك، الرئيس حافظ الأسد، بِبُعْد نظره، يرفضه وعيًا منه بأنّه غير قابل للاستخدام في بلدان الشرق الأوسط المتلاصقة إلاّ في حالة الإنتحار الجماعي : quot;علَيَّ وعلى أعدائي يا ربquot;. وهي حالة قصوى ndash; حالة تهديد وجودي - من المستبعد جدّا أن تجد سورية نفسها فيها ذات يوم.
السيد الرئيس
التحالف السوري الإيراني ترتّب عليه التحالف مع أكثر أحزاب إيران في لبنان تطرّفا وهذيانا في صناعة القرار العسكري وتحقيق : quot;النّصر الإلهيquot; ببركات الإمام الغائب : حزب الله. بإمكانك منذ الآن تحويل هذا الغُرْم Deacute;savantage إلى غُنْم Avantage بالمساعدة- خاصة إذا حلّت حكومة تحالف الإصلاحيين بقيادة محمد خاتمي، والمحافظين المعتدلين، بقيادة علي أكبر هاشمي رفسنجاني، في إيران محلّ حكومة أحمدي نجاد - على نزع سلاح حزب الله الذي يُعيق احتكار الدولة اللبنانية للعنف المشروع، وتحويله إذن إلى حزب سياسي بلا مطالب في السيطرة بقوّة السلاح على لبنان. مثل هذا القرار الحكيم يتطلّب منك إقناع البعض في دمشق بنسيان بقرة لبنان الحلوب. وأكثر من ذلك تشجيعهم على توطين النفس على الإعتراف بدولة لبنان اعترافا مُستوفى الشروط، وعلى ترسيم الحدود الدولية السورية اللبنانية وتبادل العلاقات الدبلوماسية. وأخيرا وضع نهاية مرّة وإلى الأبد لمسلسل إغتيال رؤساء وزعماء ومثقفي وإعلاميي لبنان المتواصل منذ السبعينات. مثل هذه القرارات الشجاعة كفيلة بإخراج سورية من عزلتها الإقليمية والدولية. وربّما بإيجاد تسويّة مّا، على طريقة لوكوربي، لـ quot;المحكمة الدوليةquot; التي تشكّل كابوسا لنظامك.

السيد الرئيس
لن تَستَعيد الجولان على الأرجح بحرب يخوضها بالوكالة حزب الله أو حماس وأقلّ من ذلك بحرب سورية-إسرائيلية اليقين الوحيد فيها هو إسقاط نظامك. وحدها سياسة واقعية إقليمية ودولية هي التي قد ndash; بل ndash; ستعيده. خيط النجاة هو منذ الآن بين يديك، وساطة الزعيم الإسلامي التركي أردوغان بينك وبين أولمرت. حاول أن تُحوّله من وسيط إلى حَكَم في المفاوضات المباشرة بينكما. صداقته لسورية وإسرائيل معًا تؤهّله لهذه المهمة. أردوغان، الذي يسعى لاستقرار وسلام الشرق الأوسط، خير بديل لَكَ عن أحمدي نجاد الجهادي والإستشهادي والذي يتوعّد المنطقة بزلزال نووي.
سياسة السادات في quot;كسر الحاجز النفسيquot; بين مصر وإسرائيل قد تكون قدوة حسنة لك على نفس الدرب المؤدي للمصالحة السورية-الإسرائيلية. لقد كان لنزول الرئيس المصري في مطار بن غوريون صدى إعلاميّا عالميا كما لو كان قد نزل على سطح المريخ! وقد اعترف له ديّان، خلال مفاوضات كامب ديفيد : quot;أنت يا سيدي أكثر منّا جميعا شعبية في إسرائيل.quot; وهكذا استرجع سينا فخفّف من عبء التسلح الذي استنزف الإقتصاد المصري مثلما هي حال الإقتصاد السوري اليوم. حاول أنت أن تكون سادات سورية لا يُقيم وزنا للتّابوهات (المحرّمات) التي تُحرّم الإتصال بالعدو والسلام عليه، الموروثة من عادات وديانات القبائل البدائية والطوطمية المسكونة بالعُصاب الوسواسي، أضف إليه أن مبادرة اليهود والنصارى بالسلام حرّمها وجرّمها فقه الولاء والبراء الإسلامي. رفضك مصافحة أولمرت رغم جلوسكما معا على طاولة واحدة راسب بدائي لهذا العصاب الوسواسي. لقد أقامت الحداثة على أنقاض هذه المحرّمات الجامدة قواعد وقوانين وآداب سلوك حضاري مَرِنة وإنسانية، لتنظيم العلاقات البروتوكولية بين الرسميين ليس منها تحريم مبادرتك إيهود أولمرت بالمصافحة. بل أن استعادة الجولان تتطلّب أكثر من مصافحة. تتطلب أن تقول له بحرارة quot;شلومquot; عسى أن يردّ لك هو ndash; ما لم يكن قد استعرب ndash; التحية بمثلها أو بخير منها قائلا لك quot;سلامquot;. مثل هذا المشهد الإنساني المؤثر الذي ستتناقله وسائل الإعلام إلى كل بيت في العالم سيعطيك رصيدا رمزيّا أنت في أشدّ الحاجة إليه وربّما دفع قطاعا من الإسرائليين الذين كانوا سيصوتون بـ quot;لاquot; على إعادة الجولان إلى تغيير رأيهم. التسمّر في الشكليات لا محلّ له من الإعراب عندما يكون الرهان هو توقيع السلام الدائم بكل ما يرمز إليه ويَعِدُ به من تعايش سلمي وتعاون في جميع الميادين. سيكون محزنا وغير مثمر أن نفكر في السلام العربي-الإسرائيلي الذي بدأنا نعيش بداية مخاضه الصعب، والمهدَّد في كل لحظة بالتحوّل إلى حَمْل كاذب، إلى quot;هدنةquot; بين حربين كما يوصينا quot;إسلام الولاء والبراء الجهاديquot; القائم على مُسلَّمة كارثية : quot;الجهاد باقٍ إلى قيام الساعةquot;، فـ quot;لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الشجر والحجر. فيقول الشجر والحجر : يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعالى فاقتلهquot; (المّادة 7 من ميثاق حماس) وهي المقطع الأول من حديث صحيح البخاري يدرسه حتى الآن في السعودية تلامذة الإعدادي في كتاب الحديث. والطريف أن الشيخ الدكتور، عكرمة صبري، إمام المسجد الأقصى ورئيس الهيئة العليا ورئيس المجلس الأعلى للفتوى في القدس سابقا، صرّح لـ quot;القدس العربيquot; بخصوص شجر quot;الغردقquot;، غير المعروف كلّيا، والذي يقول هذا الحديث أنّه، من بين الحجر والشجر، الوحيد الحليف لليهود فلا يشي للمسلمين بمن اختبأ منهم خلفه فرارا من حدّ السيف، مؤكّدا ردّا على سؤال لينا أبو بكر : quot;هل يؤسّس الصهاينة لزمن الغردق كدرع وقائي ... ؟quot; : quot;من الناحية العملية، يقول الشيخ الدكتور، فإن إسرائيل تزرع الغردق. وهذه مقدّمات لنبوءة الرسول محمد عليه الصلاة والسلامquot; بقتل اليهود حتى آخر يهودي! (القدس العربي، العدد 5772، 23/12/2007).
بعيدا عن هذيان كراهية اليهود الكريه والذي لم يجلب للعرب سوى الهزائم وسوء الأحدوثة في العالم فضلا عن ذلك، يجب أن يكون مسار السلام العربي-الإسرائيلي البازغ، في تفكيرنا الإستراتيجي مسارا، بالتأكيد معقّدا وربّما طويلا، لشرق أوسط آخر هدفه تحويل بلدانه التي طالما تحاربت، كما تحاربت بلدان السوق الأوروبية المشتركة، إلى مجموعة اقتصادية تجمعها في البداية مناطق تبادل حرّ ومشاريع مائية واقتصادية مشتركة تتحوّل تدريجيا إلى سوق مشتركة شرق أوسطية، تضمّ تركيا، وإيران وباكستان وأفغانستان، بلا حروب وبلا حدود. أي بلا تأشيرات وجوازات وجمارك ... يتعايش سكانها سلميّا ويتعاونون لخيرهم وخير البشرية.
لا يليق بالتفكير الإستراتيجي استنزاف نفسه في الشكليّات الوسواسية، بل عليه أن يتجه مباشرة إلى الأساسيات، إلى اليوم التالي لتوقيع السلام : إلى التعاون الإقتصادي المائي، التكنولوجي، العلمي، النفطي والغازي، الثقافي وخاصة التربوي. مناهج وطرق التعليم وكفاءة المدرّسين في إسرائيل من أفضل أنظمة التعليم جودة في العالم، وبالمقابل فالتعليم في جلّ الدول العربية بما فيها سورية من أكثرها رداءة وعقما. طوال 5 آلاف عام من تاريخه، لم يعرف الشرق الأوسط إلا الحروب التي تخلّلتها فترات سلام قصيرة تطابقت مع فترات ازدهاره الإقتصادي القصيرة.
التكنولوجيات التطبيقية الجديدة قادرة على جعل الإزدهار الإقتصادي دائما وكذلك السلام، كما هو الحال في الإتحاد الأوروبي، بين دوله الحديثة، العلمانية والديمقراطية. لماذا لا؟ طالما أن التاريخ لا تحكمه الحتميّات بل الممكنات.

السيد الرئيس
لنفترض أن هذا الفيلم المتفائل مثّلت فيه جميع الأطراف المعنية دورها بإتقان. فلا شكّ أنّك ستُسائل نفسك : ماذا يُجديني أن أكسب العالم وأخسر شعبي؟ من يصنع سياسة خارجية واقعية يُحسن صُنعا إذا ما أتممها بسياسة داخلية لا تقلّ عنها واقعية تُذكّر بها شعبك، الخائف من مداهمات المخابرات، بأيّام quot;ربيع دمشقquot; الغوالي. فبادر بتحرير مساجين الرأي وحتى الإسلاميين ممّن لم تتلطّخ أيديهم بالدّم، ولا تنسى أعضاء quot;إعلان دمشقquot; الذين لا جريمة لهم سوى المطالبة quot;بتطبيع العلاقات السورية-اللبنانيةquot; التي يطالب بها أيضا كاتب هذه السطور. دَع الأكراد يمارسون بحرية حقوقهم الثقافية فيتكلمون لغتهم ويُغنّون بها ويكتبونها ... واعْتَرف لهم بالجنسية وبالمواطنة الكاملة تطبيقا للإتفاقية الدولية لحماية حقوق الأقلّيات. قدّم تعويضات لعائلات الـ 17000 إسلامي الذين quot;اختفواquot; منذ السبعينات. وبالمثل عَوِّض أُسرَ اللبنانيين والفلسطينيين الذين لقوا نفس المصير. عجبا، كيف يُعفي القانون السوري أو يُسعف بظروف التخفيف مرتكبي جرائم quot;الشرفquot; التي جرّمها وألغاها نبيّ الإسلام منذ السنة الثالثة للهجرة في سورة النور، بينما يُشدّد العقاب للمثقفين الديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ؟
المعارضة السلمية ليست حقّا وحسب بل هي واجب. أيّما دولة لا تعترف بالمعارضة السلمية هي ما قبل دولة أو ما تحت دولة، مجرّد قبيلة أو طائفة مصابة برُهاب المجتمع المفتوح. المعارضة السلمية جديرة بالتشجيع، كما تفعل تونس مع معارضتها السلمية، لقطع الطريق على المعارضة الدينية التي مازالت لم تصل بعد إلى quot;أخلاق المسؤوليةquot; L'eacute;thique de responsabiliteacute; كما أسماها ماكس فيبر Max Weber أي الإقلاع النهائي عن العنف في العلاقة مع المواطن والدولة، وعن المطالبة بالدولة الدينية التي لم تعد من هذا العالم، وعن تطبيق شريعة العقوبات البدنية الفظيعة، وعن الإصرار على نفي المواطنة الكاملة للمرأة والمواطن غير المسلم أو المسلم من quot;الفرق غير الناجيةquot; وعن تكفير السلام العربي-الإسرائيلي الذي سيجفّف بعض ينابيعها. لماذا؟ لأن الإعتراف بمثل هذه المعارضة الدينية، كما تطالب وزيرة الخارجية الأمريكية، يعني صَوْمَلة البلدان العربية بالزجّ بها في أتّون الحروب الدينية والطائفية-العشائرية.

السيد الرئيس بشار الأسد
في عصر ثورة الإتصالات، غدت السياسة الداخلية جزءا لا يكاد يتجزأ من السياسة الخارجية ؛ فكلما كان الحاكم أصمّ أمام نقد المجتمع المدني العالمي، وعلى رأسه منظمة العفو الدولية، لإدارته لبلاده، وكلما جعل مجتمعَه أقل انفتاحا كلما ازدادت عزلته وقلت مصداقيته الدوليتين فقلّت معهما السياحة والإستثمارات الخارجية والدعم الدبلوماسي وكلها ضرورية لبقاء نظامه بل حتى بلده. وفضلا عن ذلك، فإن الإنتقال من السلوك التعسفي إلى القانوني مع المعارضة كفيل بترشيدها لمساعدتها على التخلص من الروح الثأري، المتجذّر في وعينا الجمعي الذي مازال عشائريّا ودينيّا ولتحويلها إلى قوة اقتراح. في أوج الحرب الباردة، في الستينات والسبعينات، كانت الدولة الفرنسية تموّل يومية الحزب الشيوعي الفرنسي لتواصل الصدور لعزوف الرأسماليين عن تمويلها بالإعلانات مثل باقي الصحف ...

كلمة إلى المعارضة السورية والعربية :
على المعارضة الحديثة أن تعمل بالمَثل الحَكيم : quot;إذا أردت أن تُطاع فَسَلْ ما يُستطاع.quot; ترجمته عمليّا هي التخلي عن المطلب التعجيزي quot;الديمقراطية هنا والآنquot;. كلّ اقتراع شفّاف في أيُّما بلد عربي اليوم لن يكن أكبر الظن إلاّ احتجاجيّا. أي تصويتا حاشدا ضدّ النظام القائم لصالح المعارضة الدينية بمشروعها الماضوي المعادي لكل ما هو حديث وخاصة الديمقراطية والعلمانية المتلازمتين كوجه الورقة وقفاها. ففي غياب العلمانية تغيب المواطنة الكاملة للنّساء وغير المسلمين وتغيب معها الديمقراطية حتى بتعريف الحدّ الأدنى : لكلّ مواطن صوت. المطلب الضروري والممكن الآن هو المطالبة بالإنفتاح على الحداثة. حداثة الإقتصاد والمؤسسات والتعليم والإعلام والقوانين وشرط المرأة والأقلّيات والعلاقات الإقليمية والدولية ومعاملة المواطنين وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والإتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة، تمهيدا للتّقدم المتدرج إلى الحداثة السياسية : الديمقراطية. هكذا تحققت الديمقراطية في مهدها : أوربا الغربية. في بريطانيا انطلق المسار الديمقراطي منذ القرن 18 حاصرا الإقتراع في دافعي الضرائب Suffrage censitaire (الأغنياء) الذين يمثلون 2% فقط من الناخبين. منذ 1918 فقط، وتحت تأثير الثورة الروسية، تمّ إقرار الإقتراع العام. أقرّت ثورة 1848 العمّالية في فرنسا مبدأ الإقتراع العام، لكن النساء لم يتمتّعن به إلا سنة 1944. كل مطالبة صريحة أو مستترة تنطوي على إسقاط النظام بذريعة أنه quot;غير قابل للإصلاحquot; عقيمة. نتيجتها العملية هي دفعه إلى الإنغلاق أكثر حفاظا على البقاء. التهديد بمحاكمة المسؤولين إذا تحقق التداول السلمي على الحكم لن يؤدّي إلا إلى تأخير ساعة هذا التداول. القانون غير المكتوب الذي يحكم الديمقراطيات العريقة هو الإجماع على مشروعية النظام القائم. التنافس محصور فقط في أسلوب إدارته. وأخيرا على المعارضات المدنية والإسلامية في البلدان العربية أن تكنُس أمام بابها أوّلا. قبل مطالبة الحاكمين بالتداول على الحكم، عليها أن تبرهن قولا وفعلا على إمكانية هذا التداول على المهامّ الحزبية، الغائب في صفوفها بما يشبه الإجماع. مُرشِدو quot;الإخوان المسلمينquot; لم يعزلهم من مناصبهم إلا الموت. مثلا المجموعة الإسلامية في تونس غيّرت إسمها مرارا، الوحيد الذي لم يتغيّر طوال 36 عاما هو إسم quot;أميرquot; ها الدّائم : راشد الغنوشي!
هذا الغياب الفاجع للثّقافة الديمقراطية في الإسلام جدير بالتحليل والمعالجة. لماذا هي غائبة في العلاقات الأسريّة والمدرسية، والجمعيّاتية والحزبية، والمؤسساتية والإجتماعية ... فمتى يحلّ الحوار فيها جميعا محلّ الأمر والنهي والتحليل والتحريم الشرعيين؟
7/7/2008