خيرالله خيرالله
تحول "منتدى القيادات العربية الشابة" الذي استضافته دبي قبل أيام، احتفالاً بالرؤيا المستقبلية للمنطقة والعالم.
رؤيا مرتبطة بكل ما هو حضاري وإنساني ومتقدم ومتطور. إنها الرؤيا التي جسدها رفيق الحريري الذي كان حاضراً في كل ندوة من ندوات المنتدى وفي كل كلمة من تلك التي ألقيت بصفة كونه العربي الأصيل الذي سعى الى نقل بلده ومعه أهل المنطقة الى مستقبل أفضل...
في دبي، حيث هناك تجسيد لرؤيا رجل اسمه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الرجل الذي استطاع تحويل الإمارة الى أحد أهم المراكز الاقتصادية والإعلامية العالمية، كان "منتدى القيادات العربية الشابة" مناسبة للمقارنة بين ما هو عليه العالم العربي حالياً وما كان يمكن أن يكون عليه لو وجدت قيادات على تماس مع المستقبل مثل رفيق الحريري وآخرين يستطيعون تحويل الأحلام الى حقائق.
كانت حاضرة في أذهان الحاضرين أسئلة من نوع كيف كان يمكن أن تكون صوة العالم العربي لو عرف كيف ينظم أوضاعه، ويستثمر في التعليم بدل الاستثمار في السلاح من أجل خوض حروب خاسرة؟ وما أكثر الحروب التي خسرها بعض العرب في طليعتها الحرب التي شنها هذا "البعض" على أفضل الرجال من طراز رفيق الحريري وباسل فليحان اللذين استشهدا بسبب ما قاما به من أجل العرب ومن أجل لبنان.
بدا واضحاً من النقاشات التي شهدتها دبي في المنتدى أن ثمة إصراراً لبنانياً على متابعة رسالة رفيق الحريري وعدم التراجع أمام القتلة، وكل ما يمثلون من جهل وجهالة وجاهلية. كانت هناك الملكة رانيا زوجة الملك عبدالله الثاني التي قالت كلاماً قاطعاً مثل حد السيف أكدت فيه أن الأردن سيستمر في محاربة الإرهاب والإرهابيين والتطرف والمتطرفين من دون هوادة. وكان هناك سعد رفيق الحريري الذي تحدث من حيث تحدث والده الشهيد قبل عام مؤكداً أن الحلم مستمر وأن ما عمل من أجله رفيق الحريري مشروع لا يتوقف. وأكد قبل كل شيء أن "لا مساومة على دم رفيق الحريري"، مثلما أن "لا مساومة على المحكمة الدولية ولا مساومة على سلاح حزب الله". وهو مهد بهذا الكلام الواضح لمشاركته في اليوم التالي في "منتدى القيادات الشابة" حيث أكد التزام المبادئ التي عمل من أجلها والده الشهيد، وأن روح رفيق الحريري باقية.
في دبي لا حديث سوى عن النجاح. النجاح في صنع الدور، والنجاح في الإعمار، والنجاح في الاقتصاد، والنجاح في صنع إنسان جديد متعلم ومستنير، والنجاح في مواجهة الإرهاب والإرهابيين وذوي الفكر التكفيري، ومن دون اللجوء الى العنف.
ولكن يبقى أن أهم ما يتعلمه زائر دبي من التجربة التي يراها أمامه في شكل حركة بناء مستمرة ليلاً ونهاراً، أن النجاح لا يعني في الضرورة إلغاء الآخر، فحيث يتوفر النجاح، يكون الدور، والدليل على ذلك أن كل من يتطرق حالياً الى ما يدور في دبي، يأتي على ذكر قطر حيث فورة لا سابق لها وحيث لا غرف شاغرة في أي من فنادق الدوحة. على غرار ما هي الحال في دبي، وهذا يجر في الضرورة الى الحديث عن بيروت ودور بيروت واغتيال رفيق الحريري ورفاقه.
يبتبين في كل مرة يتناول فيها المرء زلزال استشهاد رفيق الحريري من خلال ما تشهده حالياً منطقة الخليج من تطور ونمو، أن الهدف كان إلغاء لبنان ودور لبنان، كما لو أن إلغاء البلد ودوره كفيل بأن تكون هناك أدوار للآخرين، مساكين هؤلاء الذين كانوا وراء اغتيال أهم شخصية سياسية واقتصادية ونهضوية في لبنان. إنهم لا يدركون أن الحصول على أدوار لا يكون بهذه الطريقة، ولا يكون بالتأكيد عن طريق إلغاء أدوار الآخرين. فلبنان سيستعيد دوره في المنطقة عاجلاً أم آجلاً، خصوصاً أنه لا يحاول أخذ دور أحد ولا يستعير دوراً من أحد. إنه يمارس بكل بساطة دوره الطبيعي في المنطقة بعدما أمّن له رفيق الحريري الأسس اللازمة لاستعادة هذا الدور. أما الآخرون الذين يعتقدون أن إلغاء لبنان وقتل رفيق الحريري يمكن أن يؤمنا لهم دوراً ما، فكل ما يمكن قوله لهم إن هذه ليست طريقة للوصول إلى أي مكان في القرن الواحد والعشرين. فمن يريد إلغاء لبنان يلغي نفسه أيضاً. هناك مكان لكل من هو ناجح في المنطقة.
ولكن لا مكان لمن يسعى إلى إلغاء دور الآخر. إنه درس من دبي ومن قصص النجاح التي تشهدها منطقة الخليج هذه الأيام وهي قصص غير عائدة الى أموال النفط والغاز فحسب، بل الى رجال امتلكوا الرؤيا والشجاعة والفكر المتحضر الذي يرفض القتل والعنف أولاً...
التعليقات