الأحد: 2006.05.21
عبدالرحمن محمد النعيمي
طرحت الأزمة الكويتية الأخيرة إشكالية الدائرة الانتخابية في الكويت، وبرزت مجموعة الأسئلة من قبيل: كيف يتم التعبير عن رأي المواطنين في المجلس النيابي؟ هل يكفي أن تكون هناك انتخابات، يتم التطبيل والتزمير لها، لابرازها كمظهر من مظاهر الديمقراطية في عدد من بلداننا العربية؟
هل يكفي وجود أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني للارتقاء بالعملية الديمقراطية الى مستويات أعلى من الصيغة القبلية والعشائرية والطائفية التي نشاهدنا في بعض البلدان العربية؟
يبدو واضحاً أن إشكالية تمثيل المواطنين تلخص وضعية القوى المتصارعة في المجتمع، سواء تلك المهيمنة على مقاليد السلطة، أو الأحزاب السياسية والطائفية كما في لبنان، وبالتالي فإن طريقة تقسيم البلاد الى دوائر انتخابية، سواء من حيث عدد هذه الدوائر او طريقة توزيعها او إعادة النظر فيها، او كيفية التعاطي مع القوائم الانتخابية وغيرها، انما تعبر عن رغبة القوى الاجتماعية والسياسية في ما يجب أن تكون عليه المؤسسة التشريعية، في حالة وجود مثل هذه المؤسسة التشريعية.
وفي البداية، فإن الارادة السياسية الحاكمة تلعب دورها الكبير في عملية الإخراج، فإذا كانت راغبة بالفعل للأخذ بيد المجتمع خطوات تدريجية الى الامام، بحيث تتطور المؤسسة التشريعية وتعبر عن الوضعية الأقرب الى الدقة للتركيبة الاجتماعية والسياسية، فإننا سنجد عملية التطور بالاتجاه الأرقى، وبالتالي المزيد من القدرات والإمكانات للمؤسسة التمثيلية. اما اذا كانت السلطة السياسية تخشى من تغيير في ميزان القوى بينها وبين القوى الحديثة او القوى السياسية المتصارعة التي تريد الحصول على المزيد من الحقوق والمشاركة الفعلية في صنع القرار السياسي، وفي الفصل الحقيقي بين السلطات، وفي محاسبة ومراقبة السلطة التنفيذية. اذا كانت السلطة تخشى من التطور، فإنها تعيد ترتيب الدوائر الانتخابية بما يضمن استمرار القديم على قدمه، او إعادة التركيبة السياسية خطوات الى الوراء بما يضمن المزيد من الامتيازات والفساد داخل المؤسسة التشريعية وغيرها، بحيث يصبح الفساد هو سيد الموقف.
إنها الوضعية المعيشة حالياً في الكويت والبحرين.
ففي الدستور الكويتي وكذلك الدستور البحريني السابق، كان القرار برسم الدوائر الانتخابية مناطاً بالسلطة التشريعية، اي البرلمان المخترق من قبل السلطة التنفيذية بعدد من أعضائها (في الكويت 16 عضواً بينما في البحرين ب 14 عضوا).
وفي بداية المرحلة الديمقراطية، سعت السلطة الى مشاركة المزيد من الشخصيات والقوى وممثلي المجتمع، في الوقت ذاته الذي كانت تحمل هاجس الخوف منهم، لذلك حرمت المرأة من المشاركة في العملية السياسية في بداية التجربة، ورسمت الدوائر الانتخابية بشكل منصف الى حد ما حيث كان في الكويت خمس دوائر انتخابية، بينما كان في البحرين ثماني دوائر انتخابية، وتغير الأمر بعد ذلك في نهاية الستينات في الكويت عندما تمكنت الحكومة من الحصول على تعديل في القانون بحيث جعل الكويت 25 دائرة انتخابية ترسل مندوبين اثنين عنها للمجلس النيابي وتحتفظ السلطة بحصتها في المجلس، مما ضمن لها التوسع في المناطق البدوية، وتمكنت من تحقيق التغيير في تركيبة المجلس عبر تغليب التركيبة البدوية والعشائرية على التركيبة الحديثة، ولكن تحولت الوضعية بعد انتشار التيار السلفي في كثرة من تلك الدوائر وانتشر الفساد والصراعات العشائرية في الانتخابات، فبات من الضروري إعادة النظر في هذه التركيبة.
وحيث لا تريد السلطة ان تكون المصلحة كبيرة للاصلاحيين وتحتفظ بعلاقاتها مع القوى التقليدية العشائرية والقوى السلفية، فقد رفضت مطلب الاصلاحيين في العودة الى الدوائر الخمس وأصرت على الدوائر العشر، في الوقت ذاته الذي احالت قانونها الى المحكمة الدستورية للتمطيط في القرار الذي يمكن ان يصدر حول هذه القضية، مما أثار حفيظة النواب الإصلاحيين وجندوا الشارع للوقوف الى جانبهم، مستثمرين الضغوطات المجتمعية والمتغيرات الخارجية لتأييد موقفهم الى الحد الذي قد يضعون رئيس الوزراء الجديد في قفص الاتهام.
اما في البحرين، فإن الوضعية تدهورت الى درجة كبيرة، حيث حلت السلطة المجلس الوطني عام ،1975 ولم تفكر في العودة اليه بعد أكثر من ربع قرن من المرحلة القمعية، وتفتقت عبقرية النظام بتغيير شامل للدستور العقدي واصداره من طرف واحد في الرابع عشر من فبراير/ شباط ،2002 واضعاً كل قوى المجتمع أمام الأمر الواقع، وكان من أبرز التغييرات التي اجراها هو استبدال رسم الدوائر الانتخابية من حق للمجلس النيابي الى مرسوم يصدره الملك، وبالتالي يعيد تركيب الدوائر حسب الموازين التي يريدها داخل المجلس النيابي، ذات الصلاحيات المنقوصة.
وبدلاً من التقدم الى الأمام، على ضوء المتغيرات الكبيرة في المجتمع، من بروز القوى السياسية بشكل علني عبر الجمعيات السياسية الى مؤسسات المجتمع المدني التي انتشرت في أرجاء البلاد، عاد الحكم خطوات الى الوراء بحيث اعتمد التمثيل الفردي عن الدائرة الواحدة، بحيث لم يعد المرشح يمثل الا دائرته الصغيرة، في الوقت الذي كان من المفروض ان تكون البحرين دائرة انتخابية واحدة او خمس دوائر انتخابية (حسب المحافظات) يحق للقوى السياسية والشخصيات تقديم مرشحين على مستوى البلاد وعلى مستوى المحافظة، ويأخذ بعين الاعتبار التوزيع السكاني ليترجم مقولة (المواطنين متساوين.. والصوت المتساوي لكل مواطن).
أدى موقف الحكومة الكويتية وحلفاؤها الى ثورة نيابية قد تتصاعد جماهيرياً، أما في البحرين فإن الإشكالية الدستورية قد طغت في الانتخابات الأولى بحيث وجدت القوى السياسية الفاعلة نفسها رافضة للمشاركة، بينما وجدت أهمية المشاركة في الدورة الحالية وسط مزيد من المخاوف لدى النظام من وصول المعارضة بقوة في برلمان محدود الصلاحيات، لكنه يمكن ان يكون مدخلاً لصراع واسع حول الدوائر الانتخابية والصلاحيات في الوقت ذاته.
التعليقات