الثلاثاء: 2006.07.18

فهمي هويدي


لم أستطع أن أبتلع البيان الذي صدر يوم السبت الماضي عن اجتماع وزراء الخارجية العرب، الخاص بحملة الفتك ldquo;الإسرائيليrdquo; بالشعبين الفلسطيني واللبناني، فاعتبرته كأن لم يكن، واستحضرت من عندي بياناً افتراضياً آخر، قررت أن أعممه على الناس، هذا نصه:

(1)

أجرى المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية مناقشات مستفيضة حول التطورات الخطيرة التي شهدتها أخيراً فلسطين المحتلة ولبنان. ويهم المجلس أن يعلن أنه استشعاراً منه لمسؤوليته التاريخية في التعبير عن ضمير الأمة، والدفاع عن مصالحها القومية، وحرصاً منه على تجنيب المنطقة مغبة الدخول في حرب شاملة جديدة، تهدد الاستقرار فيها وتجهض آمال شعوبها في التنمية والرخاء، فقد بلور موقفه مما يجري على النحو التالي:

أولاً: يعلن المجلس بوضوح انه في ما يتعلق بالصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;، فإن موقفه محسوم مسبقاً، ولا يقبل المساومة أو المناقشة، إذ ان مكانه الطبيعي والوحيد هو في الجانب العربي، طالما استمر الاحتلال ldquo;الإسرائيليrdquo; للأراضي العربية، وطالما بقيت ldquo;إسرائيلrdquo; على تعنتها في رفض أي حل عادل للقضية الفلسطينية، فلا مجال لأي نقطة وسط بين الطرفين العربي وrdquo;الإسرائيليrdquo;، حيث لا يحتمل الأمر حياداً ولا وساطة، بل ان أي دعوة للحياد في هذا الصراع على وجه الخصوص، تعد في جوهرها انحيازاً مفضوحاً ومرفوضاً.

ثانياً: إن المجلس الوزاري وهو ينبه إلى أن الاحتلال ldquo;الإسرائيليrdquo; هو جوهر المشكلة، يذكر بأن قمة بيروت العربية كانت قد عرضت عام 2002 سلاماً شاملاً مع ldquo;إسرائيلrdquo;، اذا ما انسحبت من كامل الأراضي التي احتلتها في عام ،1967 ولكن هذه المبادرة التي كانت بمثابة نقلة نوعية وفرصة لإقرار السلام في المنطقة رفضتها ldquo;إسرائيلrdquo;. ليس ذلك فحسب، وإنما ردت عليها باجتياح شامل للضفة الغربية. كما يذكر المجلس بأن اتفاقيات السلام التي تم توقيعها خصوصاً بين ldquo;الإسرائيليينrdquo; والفلسطينيين، لم تسفر عن أي تقدم يذكر في العناصر الأساسية للقضية، وإنما استثمرتها ldquo;إسرائيلrdquo; لمزيد من التمكين في الأراضي المحتلة، ومزيد من توسيع المستوطنات وتجريف الاراضي، وجاء مشروع إقامة الجدار العنصري العازل لكي يكرس التوسع وابتلاع الأراضي الفلسطينية.

ثالثاً: إن ldquo;إسرائيلrdquo; بعدما سدت منافذ الأمل في السلام العادل، واستقوت بالولايات المتحدة في محاولاتها تغيير خرائط الواقع في الأراضي المحتلة، بالمخالفة الصارخة لاتفاقيات جنيف الخاصة بالقانون الدولي الإنساني، هي التي فرضت على الأمة العربية خيار المقاومة، بعدما بدا للجميع ان البديل الآخر الذي تطرحه هو الركوع المهين، الذي يهدر الحقوق ويضيع القضية.

رابعاً: ان المجلس وهو يعبر عن استهجانه للسلوك ldquo;الإسرائيليrdquo;، بما اتسم به من عربدة فظة واستباحة مفرطة للجسم العربي لا تحترم الاعراق أو القوانين، ولا تقيم وزناً لكرامة البشر، لا يسعه إلا ان يعبر عن تقديره الشديد للمقاومة الباسلة في فلسطين ولبنان، التي أبدت استعدادها للتضحية بكل ما هو غال ونفيس، من أجل الدفاع عن حقوق هذه الأمة وكرامتها.

خامساً: ان المجلس يعتبر العملية النوعية التي قامت بها ثلاث منظمات للمقاومة الفلسطينية (في 25/6 الماضي) ضد أحد المواقع العسكرية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، عملاً مشروعاً من الناحية القانونية، فهي عملية عسكرية ضد موقع عسكري في أراض محتلة، وما تعرض له الجندي جلعاد شاليت ليس اختطافاً ولا عملاً إرهابياً، ولكنه وقوع في الأسر له مشروعيته طبقاً لنصوص القانون الدولي. وبدلاً من ان تلتزم ldquo;إسرائيلrdquo; باستحقاق القانون الدولي في هذه الحالة، الذي يدعو إلى التفاوض وتبادل الأسرى، فإنها عمدت إلى إنزال العقاب الجماعي بالشعب الفلسطيني، ولم تتردد في قصف المدنيين بصورة وحشية وتدمير البنى التحتية في غزة، وذهبت إلى حد اختطاف الوزراء الفلسطينيين وثلث أعضاء المجلس التشريعي. وذلك كله بالمخالفة الصارخة لاتفاقية جنيف الرابعة، واتفاق أوسلو، ولاتفاقيتي نيويورك لعامي 73 و79. لقد أسر الفلسطينيون جندياً ورد ldquo;الإسرائيليونrdquo; باختطاف الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي المدنيين، وبالفتك بكل الشعب الفلسطيني في غزة.

سادساً: ان المجلس يعتبر أن العملية التي قام بها عناصر حزب الله في لبنان ضد الموقع ldquo;الإسرائيليrdquo; (في 12/7) تكتسب مشروعيتها من ثلاثة أمور، أولها انه هجوم ضد موقع عسكري في أرض محتلة، وثانيها انها باتت خياراً لا بديل عنه لإطلاق الأسرى اللبنانيين المحتجزين في السجون ldquo;الإسرائيليةrdquo;، وعددهم ألفا أسير، تصر ldquo;إسرائيلrdquo; على ارتهانهم، رغم انسحابها النسبي من الأراضي اللبنانية، الأمر الذي كان يفترض ان يترتب عليه إطلاق الأسرى، والأمر الثالث أن ldquo;إسرائيلrdquo; رغم سحب قواتها من لبنان تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم ،425 فإن تطبيقها للقرار كان منقوصاً، بسبب تمسكها بالأرض وبالأسرى، فضلاً عن أنها لم تتوقف عن عدوانها على المجال الجوي اللبناني. ورغم تعدد مطالبة حزب الله بإطلاق أسراه المحتجزين في السجون ldquo;الإسرائيليةrdquo;، إلا أن استمرار رفض استجابة ldquo;إسرائيلrdquo; لتلك المطالبات، لم يترك أمام حزب الله سوى خيار أسر من تطوله يداه من الجنود ldquo;الإسرائيليينrdquo;، لمبادلتهم باللبنانيين، كما حدث في مرة سابقة، وهو ما عبر عنه الأمين العام لحزب الله في أكثر من مناسبة.

ولا يستطيع المجلس إلا أن يعرب عن استنكاره الشديد لحملة العقاب الجماعي التي شنتها ldquo;إسرائيلrdquo; ضد اللبنانيين جميعاً، من جراء العملية التي قام بها حزب الله، وهي الحملة التي استهدفت قتل المدنيين وترويعهم، وتدمير البنية التحتية من خلال القصف الصاروخي الذي استهدف الضاحية الجنوبية وبعض المدن اللبنانية من البر والبحر والجو.

سابعاً: إن المجلس يعرب عن استنكاره الشديد ودهشته البالغة إزاء التصريحات الرسمية التي صدرت في ldquo;إسرائيلrdquo;، التي أعلنت عن قرار صادر عن القيادة يدعو إلى قتل السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، والسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة ldquo;حماسrdquo;، إضافة إلى التلويح بتصفية السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني، وذلك أسلوب لا يليق بحكومات الدول في العالم المتحضر، وأقرب إلى نهج الجماعات الخارجة عن القانون. ولا يسع المجلس إلا أن يعبر عن تضامنه مع هذه الرموز الكبيرة، التي أصبحت مصدر احترام والهام للشباب العربي الباحث عن نماذج تعبر عن شوقه إلى العزة والكرامة.

ثامناً: إن المجلس لا يرى حلاً لمشكلة الأسرى إلا التفاوض أو التبادل. ولا تفوته في هذا الصدد ملاحظة ان ثمة تعبئة دولية قوية لمصلحة إطلاق الأسرى الثلاثة، في حين ان هناك تجاهلاً مشهوداً لمصير أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني وعربي لدى ldquo;إسرائيلrdquo;، بعضهم في الأسر منذ أكثر من عشرين عاماً، ومنهم وصلت مدة أسره إلى 29 عاماً.

تاسعاً: يعرب المجلس أيضاً عن أسفه للموقف المستغرب الذي اتخذه مجلس الأمن، حين عجز عن إصدار قرار بوقف إطلاق النار من جانب ldquo;إسرائيلrdquo; في لبنان وفلسطين، وكذلك موقف اللجنة الدولية لحقوق الإنسان في جنيف التي عقدت اجتماعاً لبحث الأوضاع في الأراضي المحتلة، وعجزت بدورها عن إصدار قرار يدين المذابح التي ارتكبتها ldquo;إسرائيلrdquo; في فلسطين. ووجه الغرابة في الأمر ان مثل هذه الكيانات تستمد شرعيتها من وظائف جوهرية تؤديها، سواء في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، أو في ما يخص حقوق الإنسان. وحين تتقاعس عن أداء تلك المهام، فإنها تفقد شرعيتها. ولا يتردد المجلس في القول: إن الضغوط التي تمارس لإطلاق يد ldquo;إسرائيلrdquo; في استباحة من يعارض سياساتها في العالم العربي إنما تمثل أكبر رعاية ودعم لما تمارسه من إرهاب، الأمر الذي يخشى معه أن يكون باباً لاستنبات خلايا جديدة ترد على الإرهاب بإرهاب مماثل.

عاشراً: يأسف المجلس للموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة إزاء الممارسات ldquo;الإسرائيليةrdquo;، الذي اعتبر كل ما تقترفه من جرائم ضد الإنسانية من قبيل الدفاع عن النفس. وخطورة هذا الادعاء أنه يمثل غطاء يسوغ تلك الممارسات ويبررها فضلاً عن انه يشجع على استمرارها، كما انه ينال من رصيد الولايات المتحدة من الاحترام والثقة، ناهيك عن أنه يوفر ذريعة قوية لتوجيه النقمة والسخط ضد الولايات المتحدة، الأمر الذي كلفها الكثير من قبل ويفتح الباب لتكرار ذات الاحتمال في المستقبل.

أحد عشر: إن المجلس، استشعاراً منه لمسؤوليته عن حماية الأمن القومي العربي بوجه أخص، يرى أن الدول العربية لا تستطيع ولا يمكن لها ان تقف مكتوفة الأيدي أمام الذي يجري في لبنان، خصوصاً وأن تلك الدول وضعت توقيعاتها على معاهدة للدفاع العربي المشترك، توجب على الدول الأعضاء في الجامعة ان تهب للدفاع عن أي دولة عربية للعدوان. والجميع يرون الآن كيف استبيح لبنان إلى أبعد مدى، وكيف يزج باسم سوريا لتشملها دائرة العدوان الصارخ، الأمر الذي يطرح أهمية تفعيل تلك المعاهدة.

وإذ يرى المجلس ان بروتوكول القمة العربية التي قررت دورية انعقادها في شهر مارس/ آذار من كل عام، نص على عقد قمة استثنائية خلال العام إذا ما طرأ طارئ يتعلق بالأمن القومي العربي، كما ان فكرة القمة التشاورية التي تقررت في العام الماضي، أريد بها مواجهة أي طوارئ تواجه العمل العربي، وتوفير قدر من المرونة لتفعيل التحرك العربي المطلوب في الوقت المناسب. وتلك كلها ملابسات تسوغ لوزراء الخارجية العرب، تشديد المطالبة بعقد قمة عربية عاجلة لمناقشة الموقف العربي الذي يتناسب مع حملة العدوان الشرسة التي يتعرض لها لبنان وفلسطين، الأمر الذي إذا تحقق المراد منه، فإنه سيصبح مقدمة لتركيع الأمة العربية كلها، وهو التهديد الأخطر الذي يستوجب استنفار الطاقات وشحذ الهمم، ليس دفاعاً عن الحاضر فحسب، ولكن إنقاذاً للمستقبل أيضاً.

اثنا عشر: إن وزراء الخارجية العرب واثقون من أن لدى الأمة العربية أوراقاً ثمينة يمكن الافادة منها في مواجهة العدوان ومقاومة محاولات تبريره وتشجيع استمراره، وهي أوراق تتوزع على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وعند الحد الأدنى فإن المجلس الوزاري يدعو إلى قطع كل صور العلاقات المقامة بين العرب وrdquo;إسرائيلrdquo;، بعدما ثبت أن تلك العلاقات لم تخدم أي مصالح عربية.

لقد ابرأ وزراء الخارجية العرب ذمتهم أمام الله وأمام شعوبهم وأمام التاريخ أيضاً، وهم يدعون القمة العربية إلى المسارعة بالاجتماع، كي يتحمل القادة العرب مسؤوليتهم في تلك اللحظات الحاسمة من تاريخ الأمة.