الأربعاء: 2006.08.16

محمد الحمادي

أسدل الستار يوم الاثنين الماضي على إحدى أهم الحروب العربية في التاريخ الحديث... هذه الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان بحجة تخليص جنديين قام quot;حزب اللهquot; بأسرهما ولكنها شَنتْ حرباً همجية هوجاء على كل شيء في لبنان وقتلت المدنيين قبل عناصر quot;حزب اللهquot; وقتلت الأطفال الأبرياء قبل أن تقتل الكبار...

لا أستطيع أن انجرف في مشاعري وأطلق لرغبتي الداخلية العنان بالانتصار على إسرائيل وأن أسمي ما حققه quot;حزب اللهquot; انتصاراً... فليعذرنا الفرحون من العرب والمسلمين إذا كنا واقعيين أكثر وكنا متمسكين بالموضوعية بدلاً من العيش في الأحلام الوردية، فالانتصار له معطيات ونتائج ولا يكون بهذه الصورة... وهذا لا يعني التقليل من إنجاز quot;حزب اللهquot; في هذه المعركة، فقد كان العمل الذي قامت به المقاومة عملاً رائعاً وشجاعاً.

من الواضح لكل مراقب موضوعي أن هذه الحرب انتهت بالتعادل السلبي بين الفريقين (صفر لـquot;حزب اللهquot;، وصفر لإسرائيل) رغم بعض الإنجازات الاستراتيجية لـquot;حزب اللهquot;... وعلى الرغم من الإنجازات غير الإنسانية وغير الأخلاقية لإسرائيل من خلال تدمير المباني وقتل الأطفال (35% من شهداء لبنان في هذه الحرب من الأطفال).

بعيداً عن حسابات المنتصر والمهزوم في هذه الحرب- والتي ينشغل بها كثير من العرب- فإني أعتقد أنه في ظل الخسائر المادية الفادحة في الأرواح والممتلكات التي تكبدها الشعب اللبناني فإن quot;حزب اللهquot; لم ينتصر... وكذلك في ظل الخسائر المعنوية والعسكرية الفادحة التي منيت بها إسرائيل والتي كانت بمثابة صدمة قوية وغير متوقعة لم تستفق منها إسرائيل إلى اليوم، من المغالطة اعتبار إسرائيل منتصرة أو حققت أي إنجاز... بل على العكس فقد فشلت إسرائيل في هذه الحرب بشكل لم يسبق له مثيل- كما قال النائب الإسرائيلي quot;يوفال شتاينيتزquot; منذ أيام quot;إنها الحرب التي تمت قيادتها بأسوأ طريقة ممكنة في تاريخ إسرائيل برمتهquot;، فلا هي حققت هدفها المعلن من الحرب، وهو تحرير الجنديين الإسرائيليين الأسيرين عند quot;حزب اللهquot;، ولا هي حققت هدفها الخفي وهو القضاء على نصر الله وحزبه قضاء نهائياً وإبعاد الخطر الإيراني، بل على العكس صار quot;حزب اللهquot; أقوى ودخلت إيران إلى المنطقة بشكل أكبر!

كما أنه في حرب الـ33 يوماً دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً... فقد خسرت سمعتها التي كانت تملأ المنطقة quot;رعباquot; باعتبارها quot;الأسطورة العسكرية التي لا تهزمquot;، وقد عاش العرب عقودا على هذا الاعتقاد الذي من الواضح أن ما رسخه هو ضعف العرب في المعارك الخمس السابقة وليس قوة إسرائيل فقط، كما أنها خسرت ثقة شعبها بجيشها وبها كدولة قوية وديمقراطية... بعد هذه الحرب تكون إسرائيل قد أضافت إلى سجلها وتاريخها الدموي مع العرب جرائم جديدة في قانا وبيروت الجنوبية وبعلبك والبقاع وغيرها من مدن لبنا وقراها الشاهدة على وحشية إسرائيل... كذلك أدت هذه الحرب إلى ابتعاد حلم إسرائيل بأن تكون جزءا من منطقة الشرق الأوسط وأن تعيش في سلام مع الدول المجاورة لها.

الحقيقة الأخرى أن الحرب في لبنان لم تنته بانتصار ساحق لـquot;حزب اللهquot; ولم تنته quot;شيعيةquot;، كما كان يتوقعها البعض أو كما كان يتمناها البعض الآخر، فقد انتهت الحرب لبنانية وكتب التاريخ أن اللبنانيين طوال شهر من صيف عام 2006 استطاعوا أن يقاوموا ويصمدوا أمام آلة التدمير العسكرية الإسرائيلية وأن لبنان ببعض شبابه نجح في تكبيد الجيش الإسرائيلي بدباباته وطائراته خسائر فادحة لن تنساها إسرائيل أبداً... إنه إنجاز لكل اللبنانيين ولا يمكن لـquot;حزب اللهquot; أن ينسبه لنفسه فقط... ونتائج الحرب تؤكد ذلك. فخسائر لبنان كالآتي: استشهد نحو 1084 مدنياً و40 عنصراً في الجيش والدرك، واعترف quot;حزب اللهquot; بأنه فقد 61 من مقاتليه في حين فقدت حركة quot;أملquot; سبعة ناشطين وquot;الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامةquot; عنصراً. كما قتل أربعة مراقبين تابعين للأمم المتحدة في قصف جوي إسرائيلي على مركزهم في بلدة الخيام في جنوب لبنان وعنصر في قوة الطوارئ الدولية المؤقتة في لبنان (يونيفل). أما من الجانب الإسرائيلي فقد بلغ عدد القتلى 153 قتيلاً... أما الجرحى في لبنان فبلغ عددهم 3700 شخص، والجرحى في الجانب الإسرائيلي فبلغ عددهم 583 جريحاً مدنيا على الأقل و312 عسكرياً... أما النازحون اللبنانيون فقد بلغ عددهم خلال شهر واحد أكثر من 973334 شخصاً بينهم 220 ألفاً غادروا لبنان، 100 ألف منهم أجنبي أو لبناني يحملون جنسية أخرى... أما الخسائر المادية في الجانب اللبناني فقد قدرت بعد أربعة أسابيع على اندلاع الحرب, بستة مليارات دولار.

أما الخاسرون الآخرون في هذه الحرب فهم العرب ومعظم الحكومات والأنظمة العربية التي وقفت مكتوفة الأيدي وهي تشاهد الحرب على لبنان وقتل المدنيين دون أن تستطيع فعل أي شيء حقيقي على الأرض مما أعطى صورة سيئة عن هذه الأنظمة وعن مؤسسة جامعة الدول العربية وقد يكون لذلك تأثيراته المستقبلية.

ومن الخاسرين أيضاً الولايات المتحدة الأميركية، فقد كانت واضحة آثار الخسارة على وجه وتعبيرات وإجابات جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأميركية في مؤتمره الصحفي مساء أمس، والذي جاء بعد كلمة لحسن نصر الله اعتبر فيها أن النصر الذي تحقق هو نصر استراتيجي تاريخي للبنان والأمة، أما بوش فاعتبر quot;حزب اللهquot; مهزوماً فقد قال: quot;حزب الله هم بدؤوا هذه الحرب وهم الذين يتحملون الهزيمةquot;.

من الخاسرين أيضاً المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية التي فشلت فشلاً ذريعاً في إيقاف شلال الدم الذي فجرته إسرائيل في لبنان وبعد استشهاد أكثر من ألف لبناني وجرح آلاف وتشريد مئات الآلاف من اللبنانيين وبعد أربعة أسابيع من الحرب المدمرة، اجتمع مجلس الأمن وأقر إيقاف الأعمال الحربية على لبنان من خلال القرار الدولي 1701. وهذه الحرب كشفت أن مجلس الأمن هو مجلس الأقوياء فقط، أما الدول الصغيرة والضعيفة فلا أحد ينصفها أو يحميها في quot;مجلس الظلم القوميquot;! إنها حرب أكدت من جديد كم أصبح هذا quot;النظام العالمي الجديدquot; بشعاً وعدوانياً وأنانياً بلا قلب ولا ضمير...

ما لا يمكن تجاهله بغض النظر عن المنتصر النهائي والخاسر النهائي في حرب الثلاثة والثلاثين يوماً بين لبنان وإسرائيل، هو أن هذه الحرب غيرت أشياء كثيرة في ذهنية الشارع العربي وبعض الأنظمة العربية وربما الجيوش العربية أيضاً... ما لا يمكن تجاهله أيضا تصريح السيد نصرالله يوم الاثنين الماضي بعد وقف العمليات الحربية عندما أعلن نصره quot;الاستراتيجيquot; ورفض ضمنا نزع سلاح quot;المقاومةquot;، فمن الواضح أنه ما يزال يحتفظ ببعض المفاجآت على الصعيد السياسي، ولكن هذه المرة قد تكون للبنان بعد أن صدم الإسرائيليين بمفاجآته العسكرية التي وصلت إلى ما بعد حيفا...