سلطان القحطاني من الرياض: نصيحة طازجة يقذفها مدير عام إيلاف، على أذنيّ وهو يمضي إلى مكتبه المحاذي لمكتبي النحيل في الرياض،فيما تعلو مقدمة أنفه بوادر احمرارٍ طفيف بُعيد عودته من مدينة جدة على الساحل الغربي للسعودية مصاباً بالإنفلونزا.النصيحة كانت :"لاتذهب إلى هناك"،وهي النصيحة الثانية التي أسمعها خلال يومين تحذرني من الذهاب إلى مدينتي جدة ومكة المكرمة في موسم العمرة الحالي،على اعتبار أنهما تشكلان حالياً أرضاً خصبة لانتقال العدوى ما بين الأجساد شبه العارية إلا من إزارين بيضاوين، يمثلان هيئة اللباس الرسمي الذي يُحتّم على المسلمين الإلتزام به لأداء مناسك العمرة.

طوفان بشري هائل يتجاوز مليوني نسمة من أنحاء متفرقة على امتداد الجغرافية العالمية،كلهم يأتون للقيام بمناسكهم عبر بوابة مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر للوصول إلى مكة المكرمة،البقعة المقدسةُ الأولى لدى المسلمين،وهم يأتون يحملون معهم الأماني والأدعية والأمراض،والمرجح أن تكون الأخيرة هي هديتهم إلى إخوانهم المسلمين المعتمرين،بينما ترزح الأغلبية تحت ظل القلق العارم من خطر إنفلونزا الطيور التي تجتاح العالم من بين ظهرانيه.

إلا ان إنفلونزا الطيور المعتمرة تبدو أخطر بكثير، فالسعودية وإن كانت قد اوقفت استيراد الطيور من شرق آسيا لتفادي تسرب المرض إلى أراضيها في إجراء اعتبرته احترازياً ضمن خطة شاملة لمنع وصول المرض وانتشاره في البلاد،فإنها لن تستطيع أن تغلق الأبواب في وجه زائريها المعتمرين،وعلى الأخص في هذا العام الذي فتحت فيه الباب على مصراعيه تجاه المقبلين من خارج حدودها لأداء العمرة،وذلك دون تحديد سقف لما يمكن أن يرسله كل بلد من مواطنيه.

ومنذ أعوام عدة،أضحت عودة الحجاج أو المعتمرين من ذلك المكان المقدّس،غرب السعودية،وهم مصابون بأمراض عدة،أمرٌ لايفاجئ أي أحد من عوائلهم،وكأنه قد غدا أحد الواجبات الإسلامية التي لابد للحاج أو المعتمر الحصول عليها،وإلا غدت حجته أو عمرته،ناقصةً لابركة فيها،وكلما زادت الأمراض التي يحملها تحت جلده كان ذلك أحد علامات قبول فرضه الديني الذي أداه ابتغاء مرضاة ربه،وأمراض ربه كذلك التي يجدها في طريق عودته من هناك.

أمّا على ساحة الداخل السعودي فإن حالةً من عدم اللامبالاة تبدو ملامحها ظاهرة للعيان في ما يتعلق بفيروس إنفلونزا الطيور الذي أثار قلق العالم بأسره،وكأن السعوديين يحلقون في سرب آخر لاعلاقة لهم يما يحدثُ للعالم،وهو أمرٌ إمّـا أن يكون عائدا إلى ثقتهم بخطط الطوارئ الصحية التي تقوم بها حكومةُ بلادهم،أو أنهم متيقنون بأن أمراضاً كهذه لاتأتيهم،لأسباب عدة لا يعرفها سواهم.

غير أن كلا الإنفلونزتين،إنفلونزا الطيور أو إنفلونزا الطيور المعتمرة،تخضعان لعمليات ترقب دقيق من الأجهزة ذات العلاقة في السعودية ،وهما ستأتيان لتجدا في انتظارهما طوقاً صحياً محكماً لا نفاد منه،إلا في ما يتعلق بأولئك المعتمرين الذين لن تفلح قوة في الأرض في مواجهتهم صحياً،أو على الأقل محاولة السيطرة على إنسيابيتهم التي لايستطيع أي كان السيطرةُ عليها خلال مواسم روحانية كهذه،والتي يتجاوز فيها عدد المعتمرين سقف المليوني معتمر على أقل تقدير.

و يدرس خبراء ومسؤولون الاجراءات التي تهدف الى احتواء انتشار محتمل لفيروس انفلونزا الطيور القاتل بدقة من فرض حظر الى مراقبة الطيور المهاجرة أو إجراء أبحاث على لقاحات، لكن التهديد المباشر للمرض يضع آسيا في المرتبة الاولى ،وهو مؤشر ذات دلالة على ما ينبغي للسلطات السعودية أن تقوم به في مواجهة هذا النوع من الإنفلونزا،وخصوصاً في ما يتعلق بالزوار الآتين من شرق قارتهم،وأيضاً من الإنفلونزا البشرية التي لابد وان يحملها المعتمرون مع متاعهم،وقد تغدو ماركة مسجلة باسم المعتمرين،في هذا المكان على وجه الخصوص.

ولكن إن اجتمع كلا المرضين،وهما الإنفلونزا البشرية التي سيتلقفها المعتمرون بكل طيب نفس،وإنفلونزا الطيور التي تثير هلعاً عالمياً،فإن الوضع سيكون أخطر بكثير من أن تتداركه خطط بُنيت على فرضيات حدوث أقل الخسائر،ولاسيما أن كل الخبراء جازمون بأن مرضاً كهذا لو انتشر خلال موسم عمرة مكتظ،كما هو الآن،فإن نتائجه ستكون وخيمةً جداً،ولن يكون بالسهولة لأي جهاز صحي كان أن يسيطر عليه.


وإنفلونزا الطيور هو مرض طيور معد سببه فيروسات الإنفلونزا أي (Influenza A viruses). الطيور المائية المهاجرة - بشكل خاص البطّ البري - تشكل مستودعا طبيعيا لكلّ فيروسات الإنفلونزا أي.إنفلونزا الطيور له شكل معد جدا، ميّز أولا في إيطاليا قبل أكثر من 100 سنة، حيث كان يعرف بطاعون الطيور،طبقاً لما ذكره موقعٌ إلكتروني متخصص.

من ضمن الأنواع الفرعية الرئيسة الـ15 لفيروس الإنفلونزا أي ، فقط السلالات ضمن الأنواع الفرعية إتش5 و إتش7 تسبّب إنفلونزا الطيور عالية العدوى، والقاتلة لدى الطيور. الدجاج و الديك الرومي معرّضة خصوصا للأوبئة؛ الإتصال المباشر أو غير المباشر مع قطعان الطيور المائية البرّية هو السبب المعتاد لهذه الإصابات. لعبت أسواق الطيور الحيّة دورا مهما أيضا في انتشار الأوبئة. الطيور التي تنجو من العدوى تفرز الفيروس ل10 أيام على الأقل، من الفم وفي الغائط، ما يسهّل انتشارا أكثر. على خلاف الدجاج، البط معروف بمقاومة الفيروس حيث يعمل كناقل بدون الإصابة بأعراض الفيروس، و هكذا يساهم في انتشار أوسع.

وتفشّي حالات المرض بين البشر بسبب إنفلونزا الطيور إتش5إن1 من الدواجن، بدأت في آسيا في 2003م. حتى الآن، أغلبية الحالات حدثت لأطفال وشباب كانوا يتمتعون بصحّة جيدة قبل الإصابة. معظم، و ليس جميع، هذه الحالات تم ربطها بالتماس المباشر بالدواجن المصابة أو إفرازاتها.إتش5إن1 يعتبر مقلقا بشكل محدد لأسباب عدّة . إتش5إن1 يتغيّر بسرعة ويمكن أن يستخدم جينات من الفيروسات الأخرى حيث يشمل ذلك فيروسات إنفلونزا الإنسان.
إنّ الوباء الحالي للإنفلونزا الطيور المعدية جدا في البلدان الآسيوية كان سببه إتش5إن1، لذا يشكل هذا الفيروس حالة قلق. إذا أصيب بشر أكثر، بمرور الوقت، تزيد الإمكانية أيضا لظهور نوع فرعي مبتكر له جينات إنسانية كافية لتسهيل الإنتقال من شخص إلى آخر. مثل هذا الحدث يؤشّر بداية لوباء إنفلونزا.