فادي عاكوم من بيروت: في هذا الزمن العصيب لا يسعنا إلا ان نقول: يا رب ارحم"، بهذه العبارة علق رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في تصريح لإيلاف على انتحار وزير الداخلية السوري غازي كنعان، مختصرا حقبة تاريخية مرَّة، عمرها من عمر معاناة الشعب اللبناني، و معاناته الشخصية مدة 11 سنة في غياهب زنزانات المخابرات اللبنانية السورية في مقر وزارة الدفاع اللبنانية .

غازي كنعان حاكم لبنان او هكذا سمى نفسه، طوال 20 سنة، قام بما لا يقام به بلبنان شعبا و ارضا باعتباره ماسك زمام الامور الامنية، لكن الواقع كان ماسك زمام الامور المالية، ولتحقيق اهدافه شكل مافيا كبيرة تركزت اهتماماتها حول عمليات غسل الاموال و التحكم بزمام الصفقات التجارية الرسمية و الخاصة حتى بات اي طلب مناقصة او تعهد كبير، يحتاجان ليس لتوقيع الوزير المسؤول فقط بل لتوقيعه و توقيع خلفه من بعده بعد حساب العمولة و اجتزائها . ومما لا شك فيه ان دافعه للانتحار ان لم يكن ضلوعه مع اجهزته بعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري فهو من المؤكد ضلوعه بقضايا الفساد التي ثبتت عليه واعترف هو بها مما سيقدمه الى المحاكمة امام المحاكم العسكرية السورية وانزال اشد العقوبات به في حال تم تبرئته بتقرير المحقق الدولي مليس، خاصة انه قبيل انتحاره اتصل باحدى الاذاعات اللبنانية(صوت لبنان) وكان محور حديثه عن الصفقات المشبوهة وعمليات غسل الأموال.

و في السنوات الماضية خلال الوجود السوري في لبنان كان محظورا ان يتم الحديث عن قضايا الفساد و الرشاوى التي تفشت بين الضباط السوريين و شركائهم من اللبنانيين، و الجميع يذكر كيف تم

القوات السورية في لبنان قبل انسحابها في شهر اذار
تلفيق تهمة العمالة لاسرائيل للسيد تحسين الخياط صاحب محطة ال "نيو تي في " لمجرد مبادرته بفتح ملف بنك المدينة. وكانت ال" نيو تي في" قد بثت امس تقريرا حول اعتراف غازي كنعان للمحقق الدولي بعمليات فساد في لبنان و انه كان يتلقى الاموال و يوزعها على المقربين منه و المنتفعين لبنانيين و سوريين ، و انه اثبت كلامه باوراق و مستندات و صور عن الشيكات.

و قد اكدت مصادر أن المحقق الدولي ديتليف ميليس واجه كنعان بوثيقة تتعلق بحركة حساباته في " بنك المدينة " خلال السنوات الخمس الماضية تظهر دخول وخروج عشرات ملايين الدولارات من وإلى حسابه ، بعضها جرى تحويله إلى أحد البنوك التركية بعد اغتيال الرئيس الحريري بأسبوع واحد . وطبقا للمصدر فإن كنعان برر وجود هذا المبلغ الكبير في حسابه ، والذي لا يتناسب مع دخله ، بأنه " حصيلة أعمال تجارية قام بها بالشراكة مع ابنه الذي يقوم بأعمال تجارية في لبنان منذ سنوات طويلة بمشاركة سياسيين لبنانيين محسوبين على النظام السوري " . وأوضح المصدر أن استجواب كنعان قاد لجنة التحقيق الدولية إلى طرف خيط غليظ يتعلق بمئات ملايين الدولارات التي هربها عدي صدام حسين إلى لبنان بمساعدة غازي كنعان ورستم غزالة قبيل سقوط بغداد بأسابيع عدَّة، وجرى تبييضها في " بنك المدينة " .

و كانت وزارة الخزانة الاميركية قد جمدت في وقت سابق ارصدة وزير الداخلية السوري غازي كنعان و رئيس جهاز الامن و الاستطلاع السوري السابق في لبنان رستم غزالة اللذين اتهمتهما "بالمساعدة في الارهاب"، و جاء في القرار ان " الامر الذي صدر اليوم يقضي بتجميد ارصدة يمكن ان تكون لهما في الولايات المتحدة و بمنع اي شخص اميركي من عقد صفقات مع هذين الفردين"، وقالت الحكومة الاميركية في بيانها انها تعتقد ان كنعان و غزالة "ادارا التواجد العسكري و الامني لسورية في لبنان او ساهما في دعم الحكومة السورية للارهاب". و اضافت وزارة الخزانة ان "غزالة و كنعان شاركا في العديد من الانشطة الفاسدة و تردد انهما استفادا من صفقات اعمال فاسدة خلال فترة تعاقبهما على منصب (رئيس جهاز الامن و الاستطلاع السوري) في لبنان.

اما في لبنان فقد طلبت الادارات المعنية في مصرف لبنان البنك المركزي ووزارة العدل اللبنانية، ولجنة التحقيق الدولية، من بنك لبنان والمهجر تزويدها بكشوفات حسابات كل المسؤولين السوريين والقادة العسكريين ورؤساء الاستخبارات الذين كانوا يعملون أثناء الاحتلال السوري للبنان.

وحددت هذه الدوائر تواريخ الكشوف من يوم دخول الجيش السوري الى لبنان سنة 1976 وحتى يوم انسحابه في السادس والعشرين من ابريل سنة .2005 وكشفت مصادر مطلعة ان الغرض من الطلب هو متابعة حركة الأموال، ومصادرها، وهل خضعت للتبييض أم لا خصوصا وأنها مقدرة بالملايين، وعائدة الى عسكريين ليس لهم في آخر الشهر إلا رواتبهم. ولوحظ، كما تقول المصادر، ان أموالاً، وبالملايين، نقلها هؤلاء العسكريون من بنك المدينة، الى بنك لبنان والمهجر، وأولهم رستم غزالة الذي كان بنك المدينة من أكبر المتواطئين معه.

كما أوضحت المصادر ان ملاحقة هذه الكشوفات ستتيح للجنة التحقيق معرفة حركة الشيكات الواردة والصادرة والتي قد تمكنها من كشف أسماء أشخاص شاركوا في جريمة اغتيال الحريري، وتلقوا مكافآت مالية على مشاركاتهم.

و كان رئيس مجلس ادارة بنك المدينة الموضوع تحت الادارة الموقتة، عدنان ابو عياش قد رفع دعوى قضائية شملت هذه المرة، الى جانب رنا قليلات، رئيس جهاز الأمن والاستطلاع السابق للقوات السورية قبل انسحابها من لبنان العميد رستم غزالة واشقاءه محمد عبدو غزالة، وبرهان عبدو غزالة وناظم عبدو غزالة، وكذلك ايهاب عبد الرحمن حمية ، متهماً الاربعة بسرقة مئات الملايين من الدولارات الاميركية ومن المبالغ التي تم تحويلها الى المصرفين والتي بلغ سقفها، بحسب الدعوى 785،580 مليون دولار أميركي.

واذ تكتمت المصادر عن شركاء سياسيين لبنانيين ضالعين في الملف، لوحظ في "الوقائع" التي استهلت بها الدعوى اشارة الى "ان بعض الاسماء هم من المسؤولين العسكريين في سوريا كي لا نقول في لبنان وسوريا". واللافت ان بعض الاسماء الضالعة بقوة في السحوبات التي حصلت من المصرف تم بواسطتها شراء مجموعة كبيرة من العقارات في يوم واحد حيث اختفت كلياً من الملف مع اللوائح التي تم تبادلها بين المصرفين ومصرف لبنان، بما في ذلك اسماء متهمة بعمليات تبييض أموال على نطاق واسع.

كما ان المعنيين بالملف، من سياسيين وأصحاب نفوذ في لبنان، حصلوا على منافع بعشرات الملايين من الدولارات الاميركية عن طريق سحوبات تم من خلالها شراء عقارات ما لبث ان اعيد

غازي كنعان مع الرئيس
الايراني السابق محمد خاتمي
بعضها الى المصرفين بأسعار منفوخة، من دون ان يكون لهم اصلاً أي ودائع او حسابات دائنة حقيقية، فضلاً عن سرقات أموال موصوفة بمئات الملايين خرجت نقداً، وعبر بطاقات الدفع، وكانت تنتقل من حساب الى آخر في غضون أيام معدودة بقصد التمويه.

و كانت ايلاف قد نشرت سابقا في تقرير خاص ان فريقا من المحققين الاميركيين اهتم باعداد ملف كامل عن قضية افلاس «بنك المدينة» بعد تسرب اخبار من بيروت عن علاقة ما بين القادة الامنيين الاربعة المعتقلين و«صندوق اسود» له علاقة بالأموال العراقية المهربة انفقت منه الاموال لتنفيذ جريمة الاغتيال.

وفي المعلومات ان العملية الاضخم هي التي نقلت بموجبها الاموال العراقية التي كثر الحديث عنها الى بيروت، ولا تدخل في اطار الاموال العراقية التي اودعت في مصارف بيروت وطالبت بها الحكومة العراقية، ويتضح تورط اسماء لبنانية كبيرة في هذه القضية، منها اسم مسؤول امني كبير اشرف على تسهيل نقل الاموال العراقية، واستقبالها في لبنان، اذ كانت عناصر امنية رسمية تضرب طوقا حول الطائرات الخاصة الصغيرة التي تنقلها فور هبوطها في مطار بيروت لتنقل من هناك فورا الى مكان خاص، ومنها الى حسابات «بنك المدينة».

وتحدثت المعلومات عن عمولات تقاضتها شخصيات بارزة لقاء التغطية السياسية، وفي هذا الاطار نال احد رؤساء الاجهزة الامنية السابقين حصته 10 في المائة، كان يودعها تضليلا في «الصندوق الاسود» التابع لجهازه، ومنه الى حساب خاص.

وبدأ طمس الملف رسميا عندما اتصل مسؤول امني سوري بالمسؤولين اللبنانيين طالبا منهم المماطلة في التحقيق وطي الموضوع نهائيا. ووافق المسؤول القضائي السابق «ع.ع.» على التأجيل تغطية لاكثر عملية نصب واحتيال في تاريخ القطاع المصرفي اللبناني، خصوصا ان معلومات توحي بالثقة اكدت ان العقارات التي قدمتها واسطة المتورطين في الفضيحة داخل البنك المدعوة رنا قليلات على انها تساوي 300 مليون دولار ليست الا عقارات عادية لا تتجاوز قيمتها 30 مليون دولار.