نصر المجالي من لندن: جاءت حكومة الأكاديمي عدنان بدران بهدوء في نيسان (إبريل) الماضي، حاملة معها ملفات كثيرة جلّها إصلاحية، لكن هذا الملف عرّضها لانتقادات كثيرة من جبهات تقليدية محافظة كانت تقاتل للصمود في مواقعها في صفوف القرار الأول في المملكة الهاشمية، وهو أمر لم يكن يتناغم مع رغبات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في قيادة لحركة الإصلاح على مستوى كلالصعد والميادين. ولعل أكبر مواجهة لحكومة بدران كانت مع البرلمان الذي وقع 50 عضوا منه مذكرة في أول أسبوع لتشكيلها قالوا فيها إنهم لن يمنحوا الثقة لها، وكان السبب هو عدم شمول الحكومة لوزراء من محافظات الجنوب والبادية.
وهذا الأمر اضطر بدران بعد استشارة الملك أن يجري تعديلا على الحكومة بعد ثلاثة أشهر من تشكيلها، أدخل خلاله عددا من الوزراء المحسوبين على تلك المناطق، ونالت بعد ذلك ثقة محدودة من نواب البرلمان الذين ظل بعضهم غاضبا على الفريق الاقتصادي الذي كان يقوده الوزير الإصلاحي في الحكومة وزير التخطيط السابق باسم عوض الله الذي اتهمه النواب بأنه وفريقه الاقتصادي "فاقد للمصداقية وبعيد عن هموم الشعب".
وهذا الغضب البرلماني، قاد في نهاية المطاف إلى استقالة الدكتور عوض الله مما دفع الملك عبد الله الثاني إلى اتخاذ بادرة غير مسبوقة حين قبل استقالة الوزير الشاب بتوجيه رسالة إلى رئيس حكومته عدنان بدران انتقد فيها أساليب اغتيال الشخصية التي دأبت عليها صالونات عمّان السياسية.
وفجر الملك الأردني في الصيف الماضي قنبلة في وجه حكومته وبرلمانه ومستشاريه حين جمعهم في الديوان الملكي وانتقد أداء الجميع وعدم تعاونهم وتحملهم لمسؤولياتهم، ومن بعد ذلك الخطاب الغاضب بدأت الساحة الأردنية تستعد لعد عكسي لحياة حكومة بدران والبرلمان والمستشارين سواء بسواء.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، جاء الملك عبد الله الثاني بأول الغيث حين أقال غالبية مستشاريه، واليوم كان دور حكومة بدران، والمنتظر هو مسك الختام حل البرلمان الذي يستعد لدور انعقاده التشريعي الثالث اول كانون الأول (ديسمبر) المقبل من دون صدور مرسوم ملكي بذلك.
ومع أن حكومة بدران صححت مسار العلاقات مع الجار الشرقي العراق، حيث كان رئيسها أول مسؤول عربي كبير يزور العاصمة العراقية، إلا أنها فشلت أيضا في تحقيق استقرار رخاء اقتصادي سريع، وهي مهمة شاقة لأي حكومة في بلد فقير يعتمد على الاستثمارات الأجنبية والمعونات النفطية من دول الجوار الخليجي.
فكان قرار حكومة بدران في رفع أسعار المحروقات مرتين في شهري تموز (يوليو) وأيلول (سبتمبر) الماضيين بمثابة القشة التي كسرت ظهر البعير كما يقول المثل أمام المواطنين الذين وجهوا إليها انتقادات حادة بينما كان عدد من أعضاء ممثليهم في البرلمان يستعدون لطلب جلسة استثنائية لمجلس الأمة لبحث زيادات الأسعار مع النية لسحب الثقة من الحكومة.
وكانت آخر مواجهة مريرة لحكومة بدران، تلك التفجيرات الثلاثة التي هزت الفنادق في العاصمة الأردنية وراح ضحيتها 60 قتيلا ومئة جريح على الأقل، حيث اعلن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بزعامة المتشدد الأردني أبي مصعب الزرقاوي مسؤوليته عنها.
ويبدو أن هذه التفجيرات عجّلت باتخاذ قرارات إقالة مستشاري الملك واستقالة حكومة بدران وما سيأتي من قرارات في شان قيادات الأجهزة الأمنية والإعلامية أيضا.
ولكن يحسب لعهد حكومة بدران المستقلة أن الملك عبد الله الثاني استطاع إدارة الأزمة بحكنة بالغة بمساعدة من رئيسها المستقيل الهادئ بانتظار ما استطاعت اللجنة الملكية العليا ولجنة الأقاليم إنجازه من توصيات وقرارات تسلمها الملك أمس، وهذه ستكون مهمة تنفيذها ملقى على عاتق حكومة الدكتور معروف البخيت الجديدة.
يشار هنا، إلى أن الأردن من أكثر البلدان تغييرا للحكومات إن لم يكن حقق الرقم القياسي بين بلدان العالم في هذا الشأن، فحكومة البخيت تحمل الرقم 90 منذ تاسيس الكيان الأردني العام 1921 . ولكن يظل الخطاب السياسي الأردني رغم ذلك يؤكد استمرار السياسات واستقرارها رغم تغيير الوجوه، حيث معروف عن الملك عبد الله الثاني كما كان الحال بالنسبة الى والده الراحل الحسين بن طلال أنهما يحتفظان برجال لكل المراحل المتعاقبة والمتقلبة.
وكان الملك اجرى تغييرات في الديوان الاسبوع الماضي وخصوصا تعيين البخيت مديرا للامن الوطني، وهو مكتب مرتبط بالديوان سيتم تحديد مهامه بموجب قانون والآن صار البخيت رئيسا للحكومة بانتظار مدير يخلفه في الأمن الوطني.
وأخيرا، قال مسؤول أردني طالبا عدم كشف هويته إن "مهمة حكومة البخيت ستكون التأكد من تطبيق برنامج الإصلاحات وفقا للاجندة الوطنية" التي تسلمها الملك أمس الأربعاء. وكشف المسؤول أن الأردن سيتخذ إجراءات أمنية "لن تؤثر مطلقا بمجال الحريات العامة".
التعليقات