إيلي الحاج من بيروت : كان التوصل في ربع الساعة الأخير الى اتفاق على فيينا مكاناً لاستجواب الضباط السوریين المطلوب سماع إفاداتهم عاملا مباشرا في إشاعة انفراج على مستوى العلاقة المضطربة بين سوریة ولجنة التحقيق الدولية والمجتمع الدولي من ورائها، وكان كوة في الحائط المسدود.
أشاع هذا "الحل الوسط " أجواء وانطباعات مریحة إلى حد ما وصلت الى درجة الكلام على تسویة ترتبت، وعلى إفلات سوریة من العقوبات الدولية بعدما أظهرت التعاون المطلوب منها.
لكن الوضع تدهور مجددا وفجأة بين سوریة ولجنة التحقيق الدولية، وتبدد ما كان بدأ من أجواء ثقة وتعاون. إذ انطلقت السلطات السوریة من أقوال الشاهد السوري" المقنع" وربما "المزدوج" وبنت عليها لتقویض صدقية تقریررئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس واعتباره في حكم المنهار والساقط لكونه استند أساساً الى شهادة هذا الشاهد، ولا شيء يثبت تالياً مسؤوليتها عن اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري. .
الرد على دمشق جاء مباشرا وسريعا من ميليس الذي جمع في مكتبه عددا محدودا من الصحافيين ليبلغهم ما مفاده ان هذه الخطوة السوریة شكلت محاولة للمساس بصدقية لجنة التحقيق الدولية وعرقلة عملها، مثما أضرت بصدقية اللجنة القضائية السوریة الخاصة التي عرضت شاهدا امام الاعلام قبل ان تستجوبه وتسجل افادته. واستنتج ان دمشق بتصرفها هذا عبر دعایة بائسة و"بروباغندا" ضعيفة خرقت مبدأ التعاون والالتزام بمتقضيات القرار ١٦٣٦ ، ليلمح تبعا لهذا الخرق إلى ان نتائجه ستكون عكسية وسيترتب عليه تشدد وتغيير في نمط التعاطي.
هكذا لا یرى ميليس في مخرج فيينا تسویة إنما مجرد مرونة، ویؤكد انه لم يستبعد أياً من المسؤولين السوریين، وإن من ستحتاج اللجنة الى استجوابه سوف يُستجوب استنادا الى القرار الدولي رقم ١٦٣٦ الذي ینص على تعاون سوري غير مشروط. كما یؤكد ان تراجع الشاهد السوري عن شهادته لن یؤثر في التحقيقات التي ستجري في فيينا، مقللا أهمية هذا الشاهد "المهم ولكن غير الرئيسي."
تؤشر هذه المعطيات بوضوح الى أن الأزمة بين سوریة والتحقيق الدولي لا تزال موجودة ولم ینهها "مخرج فيينا"، لا بل عادت الى الاشتعال وعاد معها الوضع الى النقطة الصفر في ظل خروق متبادلة لقواعد اللعبة او للترتيبات والضوابط التي أعدت إطارا للتحقيق في العاصمة النمسویة.
وإذا كانت لجنة التحقيق الدولية ستتخلى عن التساهل والمرونة ردا على تصرفات دمشق، فإن القيادة السوریة سترى نفسها في حل من تعهداتها اذا فرضت عليها شروط جدیدة ، وستتوقف في تعاونها عند نقطة معينة في حال تبين لها حصول خرق في الضمانات التي أعطيت لها، كأن تضاف الى لائحة الضباط الخمسة أسماء جدیدة وكبيرة أو تصدر توصية بتوقيف أحدهم ... وهذا التراجع من دمشق یكون كافيا لتحریك مسألة العقوبات من جدید بذريعة أنها لم تتعاون مع التحقيق الدولي في الشكل الكافي والمطلوب، او انها أقدمت على عرقلة أعماله.
غي السياق تؤكد مصادر لبنانية قریبة من دمشق تؤكد أنها رغم تعاونها وقبولها بتسليم ضباطها الى التحقيق، لم تركن الى تطمينات وضمانات أعطيت لها، ولا تزال تضع في حساباتها أسوأ الاحتمالات وتستعد على أساس ان خيار المواجهة لا يزال متقدما على "خيار التسویة"، وان "تسویة فيينا" لطمأنتها یمكن ان تكون فخا لاستدراجها... ومع بدء العد العكسي واقتراب موعد انتهاء المهلة الممنوحة لميليس، وعدم التوصل حتى الآن الى اتفاق معه حول آلية التحقيق وإطاره مع المسؤولين السوریين الأمنيين، تعمل دمشق على أكثر من صعيد لمواجهة كل الاحتمالات
المتوقعة وعلى أساس قرارها المبدئي المتخذ وهو التعاون مع اللجنة، ولكن بما یحفظ كرامة سوریة وسيادتها، وهي تقول أن لا تنازل عن موقفها هذا حتى لو وصل الامر الى الاصطدام بلجنة ميليس وبالتالي مجلس الأمن، لأن هناك اقتناعا لدى القيادة السوریة بأن المواجهة والعقوبات ستقع عليها سواء تعاونت أم لم تتعاون ، وبأن الهدف هو ترویضها وإذلالها وليس كشف حقيقة من اغتال الرئيس الحريري فحسب.
أما القراءة الدولية فتختلف، إذ ثمة انطباع أن دمشق تسعى الى كسب الوقت لإعداد خطة مواجهة او انتظار ما ستؤول اليه الأوضاع والانتخابات في العراق وفلسطين واسرائيل، وأنها اتخذت قرار المواجهة وتتصرف على أساس ان خيارها لا يزال بين السيىء والأسوأ، بين تحمل الأخطار والحد من الخسائر، أو سقوط النظام وخسارة كل شيء.
- آخر تحديث :
التعليقات