عضوية تركيا وميزانية الاتحاد أمران حاسما
بلير يهدد بوقف القمة الأوروبية في قصر ملوكه
نصر المجالي من لندن: بدأ رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي ترأس بلاده الدورة العادية للاتحاد الأوروبي مهمة عسيرة قد تقود إلى قرار حاسم منه بإلغاء القمة الأوروبية المنتظر عقدها في قصر هامبتون كورت الملكي التاريخي هذا الشهر إذا لم يتم الاتفاق على مقترحاته الخاصة بتأمين ميزانية الاتحاد الأوروبي بمساعدة بلدان أوروبا الشرقية التي انضمت للاتحاد في العام الماضي، وبعضويتها صارت دول الاتحادة 25 دولة. وسيعقد بلير محادثات مع مسؤولين كبار من جمهورية التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا، ويتوقع أن يحثهم بلير على قبول خفض في موارد التنمية الاقليمية التي يحصلون عليها كجزء من الصفقة المقترحة لتسوية موضوع ميزانية الاتحاد الأوروبي للسنوات الثماني الآتية،لقادمة.
وكان بلير قد اجتمع مع زعماء من دول البلطيق يوم أمس الخميس. وأفادت الأنباء انهم استقبلوا بفتور مقترحاته الخاصة بالحصول على دعم مالي أقل مما يتوقعون الحصول عليه من الاتحاد الأوروبي. وكانت بريطانيا لمحت إلى استعدادها للتخلي عن جزء من التعويض المالي السنوي من الاتحاد الأوروبي في اطار مقترحات بلير.
وفضلا عن موضوع ميزانية الاتحاد، فإن قبول عضوية تركيا قضية مهمة أخرى وهي تتبناها المملكة المتحدة مقابل مواقف لدول أوروبية أخرى عبرت عنها فرنسا في وقت سابق، حيث هي تطالب بضرورة اعتراف أنقرة بالجمهورية القبرصية الشرعية المدعومة من اليونان قبل إتاحة الفرصة لها بالعضوية الكاملة في المجتمع الأوروبي. وهناك جمهورية قبرصية تدعمها تركيا في الشمال.
ومن جهة أخرى كان رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو قد أعلن أن الاتحاد الأوروبي منح أوكرانيا وضع اقتصاد السوق. وقد صدر هذا الإعلان خلال مؤتمر صحافي عُقد في العاصمة الأوكرانية كيّيف، حضره باروسو مع الرئيس الأوكراني فيكتور يوشتشينكو، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير بصفته رئيس وفد الاتحاد الأوروبي.
ومن شأن هذا القرار أن يسهل المعاملات التجارية بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. وكانت المفاوضات بشأن ميزانية الاتحاد قد تعثرت في شهر يونيو حزيران الماضي بعد أن عارضت بريطانيا تجميد ما تحصل عليه من دعم من الاتحاد والذي يبلغ 4 مليار جنيه استرليني سنويا.
وقالت بريطانيا انها لن تتخلى عن الحصول على المعونات الا اذا تم تصحيح الخلل الذي نجم عن سياسة دعم المزراعين للاتحاد. ورفضت فرنسا من جانبها، بصفتها المستفيد الأكبر من سياسة دعم المزارعين أي تقليص لما تحصل عليه من دعم.
لذا فان رئيس الوزراء البريطاني يحاول في جولته الحالية التي تشمل المجر واستونيا ولتوانيا أن يقنع الدول المنضمة حديثا للاتحاد بقبول دعم يقل عما سبق اقتراحه بنسبة 10 %. ويقول مارك ماردال مراسل هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي للشؤون الأوروبية ان اجتماعات بلير مع زعماء الدول الأوروبية في هذه الجولة لن تكون سهلة أو مريحة.
ويقول المراسل البريطاني أن اقتراح لندن أثار الجدل حوله، وأن رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو قد انتقده. وسوف يجري بحث المقترحات البريطانية في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد يوم 7 ديسمبر (كانون أول) الحالي. كما سينظر زعماء الاتحاد في الميزانية الأوروبية المقبلة للفترة من 2007 - 2013 في قمتهم التي ُتعقد من 15- 16 ديسمبر كانون أول وذلك قبل أن تسلم بريطانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الى دولة أخرى.
وقال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إن الاتحاد الأوروبي يواجه "أزمة في القيادة السياسية" ويتعين ان يتغير ليستعيد تأييد الرأي العام. وأضاف بلير أثناء عرضه لخطط بلاده أثناء رئاستها للاتحاد الأوروبي بدءا من الشهر القادم أن الاتحاد الأوروبي سيفشل "على مستوى واسع" إذا لم يواجه مخاطر العولمة.
وفي حديث سابق أمام البرلمان الأوروبين قال رئيس الحكومة البريطانية "التغيير فقط سيمكن أوروبا من استعاد قوتها وقيمتها ومثاليتها" ومن ثم استعادة تأييد الرأي العام. ورد خوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية قائلا إنه الاتفاق ضروري لتجنب إصابة التكتل بالشلل.
وفي إشارة إلى المحادثات العاصفة التي جرت الأسبوع الماضي حول الميزانية قال باروسو إن الاتحاد الأوروبي يواجه "لحظة حاسمة". وتابع قائلا إن رئاسة الاتحاد الأوروبي سيمثل اختبارا للبراجماتية التاريخية للمملكة المتحدة.
وظل الأوربيون يتجادلون حول رفض بريطانيا التنازل عن ثلاثة مليارات دولارات هي جزء من التخفيض الذي تحظى به بريطانيا في مساهماتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي إلا إذا أدخلت إصلاحات على قضية الدعم الزراعي. وقال بلير إنه لا يعتقد أن أوروبا تدرك حقا حجم التحديات التنافسية التي تواجهها من دول مثل الصين والهند.
وقوبل بلير بصيحات ترحيب واستهجان عندما قال إنه كان دائما "مؤيدا قويا لأوروبا". وأصر على أنه يريد إنعاش الاتحاد الأوروبي لا تقويضه. وجادل رئيس الوزراء البريطاني بأن رفض الناخبين الفرنسيين الهولنديين للدستور الأوروبي يعكس استياء واسع داخل الاتحاد الأوروبي.
وقال بلير إنه مهما كانت الخلافات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فانها جميعا تتفق على أن أوروبا تخوض حاليا مناقشة عميقة حول مستقبلها. وندد رئيس الحكومة البريطاني في خطابه أمام أعضاء البرلمان الأوروبي في بروكسل، بالانتقادات والهجوم الشخصي الذي شهدته هذه المناقشة.
ودافع رئيس الحكومة البريطانية عن سجله في دعم أوروبا، وقال إنه يؤمن بأوروبا كمشروع سياسي ولن يقبل أبدا بأوروبا كمجرد سوق. وقال إن أوروبا الحديثة يجب أن تكون فخورة بما تحقق خلال الخمسين عاما الماضية، وقد أثبت التاريخ أنه كان في صالح فكرة الاتحاد الأوروبي. وقال إن القضية ليست بين أوروبا المعنية بالسوق الحرة وأوروبا المعنية بالبعد الاجتماعي.
وأشار إلى أن فكرة أوروبا الموحدة ضرورية لصالح شعوب القارة الأوروبية لتكون قوية بما يكفي لتحافظ على مكانها في عالم تنافسي. لكنه قال إنه لو قررت دول الاتحاد تجنب العولمة والانكماش بعيدا عن التغييرات والارتكان إلى السياسات الراهنة لأوروبا فانها ستواجه خطر الاخفاق على المدى الطويل.
واضاف قائلا "إن هذا ليس بالوقت المناسب لاتهام من يريدون تغيير أوروبا بأنهم خونة ، مشيرا إلى أنه من خلال التغيير فقط يمكن أن تستعيد أوروبا مثاليتها". ودعا بلير إلى مزيد من المساهمة الأوروبية على مسرح السياسة الدولية. وقال "عندما وافق الاتحاد الأوروبي مؤخرا على مضاعفة المساعدات لم يكن ذلك دعم فوري لأفريقيا فحسب ولكن لأوروبا أيضا".
وقال رئيس الحكومة البريطانية إننا زعماء العالم في التنمية ولابد وأن نكون في المقدمة فيما يتعلق بالاصلاح التجاري المتعدد الأطراف ، مشيرا إلى أن أوروبا القوية ستكون نشطة على صعيد السياسة الخارجية وشريكا جيدا للولايات المتحدة وستظهر قدرتها الخاصة على تشكيل ودفع العالم قدما.
وأضاف بلير قائلا "إن أوروبا الواثقة لن ترى التوسع تهديدا بل فرصة تاريخية من أجل أوروبا أقوى وأعظم". وكان بلير قد أوضح وجهات نظره تجاه الاتحاد الأوروبي لصحيفة بيلد الألمانية. وقال بلير للصحيفة الألمانية "بالطبع إن الاتحاد الأوروبي أكبر من أن يكون منطقة تجارة حرة، وبريطانيا تؤيد أوروبا المعنية بالرفاهية الاجتماعية، ولكنها لابد وأن تتكيف مع عالم اليوم".
وقال رئيس حكومة بريطانيا "إنه من الضروري معرفة لماذا تخلق بعض الأنظمة الاقتصادية في أوروبا فرص عمل والبعض الآخر لا"، وأضاف "إنه لا يوجد مبرر لتحويل أموال كثيرة من دول مثل ألمانيا وبريطانيا إلى دول غنية أخرى".
وتابع القول "سيكون الوقت قد فات إذا انتظرنا حتى 2014 لنغير حقيقة أن 40 بالمئة من ميزانية الاتحاد الأوروبي تتجه لدعم المنتجات الزراعية". وقال "إنه لا يوجد مبرر لتحويل أموال كثيرة من دول مثل ألمانيا وبريطانيا إلى دول غنية أخرى".
وكان صدام قد حدث بين الزعماء الأوروبيين في الأوان الأخير، حول محاولة بريطانيا الربط بين الدعم للمنتجات الزراعية ومطلب لندن بالحفاظ على حقها في استرداد جزء من مساهماتها المالية في الاتحاد الأوروبي. وقد حذر رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو من "الشلل" الذي قد يحدث إذا رفضت بريطانيا التوصل إلى اتفاق، قائلا إن على بلير أن يكون مستعدا لتسوية.
وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك ، الذي تستفيد بلاده من دعم المنتجات الزراعية، قد عارض بلير ووصف الموقف البريطاني بأنه "مثير للحزن"، فيما انهارت المحادثات الأوروبية بشأن الميزانية. كما اتهم رئيس وزراء اللوكسمبورغ جان كلود جونكار، الذي ترأست بلاده الدورة السابقة الاتحاد الأوروبي حاليا، بلير بأنه يعوق محاولات التوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية.
يشار هنا إلى أن بريطانيا كانت حصلت على حق استرداد مبالغ من مساهمتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي عام 1984 بعد مفاوضات شاقة قامت بها رئيسة الوزراء حينئذ مارغريت تاتشر.
وإلى هذا، فإن عضوية تركيا تظل مسالة شائكة من دون حل أمام الزعماء الأوروبيين، فهم في الوقت الذي قرروا فيه توسيع الاتحاد ليشمل دولا من الكتلة السوفياتية السابقة المنهارة، فإن الجدل يحتدم في "نقاش جاد" بشأن محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وختاما، يشار إلى أن محادثات كانت جرت في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في بريطانيا الرئيسة الحالية للاتحاد الأوروبي، من أجل تحديد الموقف الأوروبي وبشأن تحديد موعد لمحادثات مثمرة تسفر عن قرار بانضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي. وكان الاعتراض على عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي من بين القضايا الرئيسية لبعض معارضي الدستور الأوروبي في فرنسا حيث صوت 55 في المائة من الناخبين بالرفض للدستور في استفتاء سابق من هذا العام. وفي هولندا، حيث رفض 61.6 في المائة من الناخبين الدستور الأوروبي بعد أيام قليلة، شن نواب البرلمان المعارضون للدستور حملة على المحادثات المقررة مع تركيا.
التعليقات