بلال خبيز من بيروت: على جاري عادته، حين يتكلم السيد حسن نصرالله فذلك يعني ان في الأفق جديداً ما يجب ان نأخذه في اعتبارنا. تحدث السيد نصرالله للزميل غسان شربل، ونشرت quot;الحياةquot; الحلقة الاولى من الحديث هذا الصباح،وظهر السيد ايضاً على شاشة قناة quot;نيو تي فيquot; اللبنانية هذا المساء. السيد نصرالله ليس من قماشة بعض الزعماء الذين يكررون الكلام نفسه مرات ومرات من دون تبديل او تعديل. وهو على ما يُعرف عنه، وما صار مألوفاً، متدفق الافكار وحاضر الذهن وتتدفق الفاظه في الوقت نفسه مع افكاره. لذا ينظر اللبنانيون إلى كل حديث يدلي به بجدية ويأخذون كلامه على محمل الاهتمام الشديد.

كل من يقرأ حديث السيد نصرالله إلى quot;الحياةquot; لا بد ان يلاحظ هذه النبرة غير المتشنجة وغير المتحدية. ليس لأن الرجل هادئ في طبعه ومنظم في افكاره، فهو يحسن حين يشاء ان يهدد ويتوعد ويحذر. هذه النقطة بالذات تبدو ايجابية في حديثه. ورغم ان الهجوم على رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; وليد جنبلاط لم تخف حدته، في اوساط quot;حزب اللهquot; ومناصريه، إلا ان حديث السيد نصرالله ابقى الباب مفتوحاً امام احتمال استئناف الحوار. على اي حال، نطق حزب الله امس في مظاهرة عوكر متحدياً بالإنابة. فأوكل إلى سياسي ونائب سابق موال لسورية ومخاصم لجنبلاط في منطقته الانتخابية، هو زاهر الخطيب، ان يدلي بالمداخلة المحذرة والمهددة، فيما بدا حزب الله يتولى ناصية المداخلة المرنة.

يعرف حزب الله انه طرف اساسي في لبنان، وان اي مداخلة محذرة او مهددة قد تكون عواقبها وخيمة على اللبنانيين جميعاً. فالقوى السياسية تحسن القول وتلتزم جانب الأدب والمجاملة بحسب احجامها في طبيعة الحال. وهذا بالضبط ما لا يحيد عنه أمين عام حزب الله ابداً. في هذا المجال يمكن القول ان المداخلة مرنة، وان الباب ما زال موارباً ولم يغلق تماماً بعد.

اي قراءة منصفة لما ادلى به السيد نصرالله تشير إلى تحذيرين وجيهين. حذار الفتنة الداخلية المسلحة، وحذار محاربة سورية من لبنان. او بكلام آخر، كما لو ان السيد نصرالله استعاد مقولة الزميل الكبير غسان تويني: quot;لا يحكم لبنان من سورية ولا يحكم ضد سوريةquot;. يسوق السيد نصرالله التحذيرين وهو ينظر بطرف عينه إلى السيد وليد جنبلاط، الذي يرى انه تجاوز هذه الحدود بوصفه زعيماً اساسياً من زعماء البلد مما يرتب عليه مسؤوليات جساماً. لكن ما لا يلحظه السيد في هذا المقام هو اصل المشكلة الفعلية التي تجعل نصرالله الوحيد تقريباً بين زعماء البلد الذي يستطيع ان يأمن غائلة الاغتيال، فيما لو كان النظام السوري هو الذي ينفذ هذه الاغتيالات. على هذا لا يستقيم المطمئن والخائف في سوية واحدة، ويجدر بالسيد ان يتضامن مع الخائف على دمه وشخصه وامنه وان يفكر ملياً في الوسائل التي تجعل هذا الخائف مطمئناً ليستقيم النقاش معه.

نصرالله وجنبلاط

كان لسان حزب الله يقول ان قادته مهددون في امنهم وحياتهم من العدو الاسرائيلي، وان الاغتيال طال في من طال امينه العام السابق السيد عباس الموسوي. كانت الخسارة كبيرة ولا شك، لكن ما عوض عنها فعلاً هو انخراط حزب الله المكشوف، والاجتماع اللبناني من خلفه، في حرب معلنة ضد اسرائيل. فالحرب كانت سجالاً بين الطرفين، لجأ فيها حزب الله إلى الاغتيال وقامت اسرائيل ايضاً بالاغتيال. في هذه الحال، وفي ظل حرب معلنة يستطيع حزب الله واللبنانيون جميعاً ان يتقبلوا الخسائر ويتوقعونها. فالحرب اصلاً ودائماً تتضمن خسارة للطرفين. لكن ما يقترحه السيد نصرالله على السيد وليد جنبلاط في هذا السياق، ان يتجنب إعلان الحرب على النظام السوري، وهي حرب لن تتجاوز المقابلات الصحافية إلى اي صعيد آخر كما بات معلوماً للجميع، وان يعيش في قلق الصفح عنه او تعرضه للعقوبة بحسب موازين لا يمكنه التحكم فيها. إذ ما الذي يجبر رجلاً يصرح وهو يقطع الشك باليقين، انه واحد من الذين ستستهدفهم آلة الأمن السورية، وان حياته مهددة طوال الوقت من قبل هذا النظام، ان ينتظر نتائج التحقيق الدولي او اللبناني في جرائم الاغتيال التي حدثت والتي قد تحدث، ليعبر عن رأيه صراحة في ما يجول بخاطره وليدافع عن حياته ولو بالاتهام والكلمة؟ يطلب السيد نصرالله من وليد جنبلاط ان يعرض نفسه للموت من دون ان يحق له ان يحرك ساكناً او ينبس ببنت شفة. وفي هذا ما يفيض عن قدرة رجل واحد، فضلاً عن انه ليس من الطبيعي لزعيم قوة سياسية وطائفية اساسية في بلد ما، ان يكون مستهدفاً على النحو الذي يستهدف فيه وليد جنبلاط، وان يظل ساكتاً أصم كما لو انه مجرد عتلة في آلة ضخمة.

المقاومة بالتصريح

يعرف السيد حسن نصرالله، اكثر من غيره ربما، ان بعض وسائل المقاومة هي التصريح والتهديد ولو لم يكن في الإمكان تنفيذ التهديد والوعيد. والحق ان ما يفعله ويصرح به وليد جنبلاط حيال ما يجري ليس امراً مستغرباً والحال هذه. ولنا ان نتذكر ان السيد وليد جنبلاط طلب الحماية من السيد حسن نصرالله اثر اغتيال الصحافي والنائب السابق جبران تويني. لم يوضح اي من الرجلين حقاً معنى ان يطلب واحد الحماية من الآخر. لكن الحماية الحقيقية تكون في السياسة اولاً وقبل كل شيء. لا يكفي ان نطلق العنان لمشاعر الحزن على الفقيد الغالي، علينا ان نخرج من هذا الإطار الضيق نحو ما هو ارحب. نحو اعتبار الشهيد شهيداً للبنان كله، وفي هذه اللحظة السياسية بالذات يعود وليد جنبلاط ليعطي لاصراره على تحييد سلاح المقاومة عن بنود القرار 1559 وجعله شأناً داخلياً معنى مضاعفاً، يواجه به المتشككين بجدواه. فحين نقول ان سلاح المقاومة شأن داخلي وانها مثلما يصرح السيد نصرالله، ونحن نصدقه حتماً، ضروريا لحماية البلد من كل اعتداء، فما الذي يمنع السيد نصرالله، في هذه الحال، ان يعلن جهوزية حزبه لمقاتلة كل من تسول له نفسه الاعتداء على البلد وامنه واستقلاله.

يقول السيد حسن نصرالله ان لا اثبات يؤكد ان سورية وراء عمليات الاغتيال، وهذا صحيح قضائياً. لكننا نعرف ان حزب الله نفسه لا يتصرف حيال اغتيال كوادره بانتظار نتائج التحقيق، انه يتهم في السياسة، ويتصرف على هذا الأساس. لا احسب ان السيد جنبلاط يريد من السيد حسن نصرالله ان يتهم سورية، لكنه على الأقل يطمح ان لا يعمد حزب الله إلى الدفاع عنها والإصرار على حذفها من لائحة المتهمين. وبصرف النظر عن التحقيق الدولي ومدى نزاهته، فإن الامور لا تخفى على اي عاقل، ثمة حملة اعلامية تخاض ضد وليد جنبلاط في الصحف السورية وضد قوى معينة في لبنان، وثمة اغتيالات تطاول هؤلاء. المتهم سياسياً في هذه الحال هو النظام السوري، ولا يستطيع رجل سياسة ان يسلم امره للمجهول القضائي في انتظار نتائج التحقيق.

هل يستطيع السيد حسن نصرالله ان يوسع لائحة المتهمين بالعبث بأمن البلد لتشمل قائمته سورية؟ ام انه يصر على براءتها حكماً ولا يقبل بأي اتهام لها؟ هذا هو السؤال المفصلي الذي يجعل الحديث عن استقلال البلد مجدياً. فبعد الإجابة على هذا السؤال، لا يعود مستغرباً الطلب من الطرف الآخر ان يضمن لائحة المتهمين السياسيين بالعبث بأمن بلدهم واستهداف سيادته واستقلاله، جهات أخرى تملك المصلحة والنية في تخريب امن البلد وتدمير انجازي التحرير والاستقلال. وحزب الله على ما نعلم، ضنين على الأقل بالتفريط في واحد منهما.