زيارة نجاد لدمشق ترفع منسوب القلق في بيروت
إيران وسورية: لبنان أرض المواجهة مع الغرب
إيلي الحاج من بيروت: لعل المتابع اللبناني لما يجري في بلاده وحولها هو الأكثر اهتماماً على وجه الأرض بزيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية أحمدي نجاد إلى سورية اليوم، فالرئيس العقائدي المتقشف الذي لا يشبه الرؤساء يأتي من أقصى التشدد في طهران إلى سورية المجاورة للبنان الذي تتعلق الفئة الأوسع من شيعته بالتعاليم الخمينية وتالياً بسلاح يعبّر عن القوة ويحميها، قوة تتمثل في إيران اليوم بالقنبلة النووية التي يصر نجاد على امتلاكها، وفي لبنان بصواريخ quot;المقاومة الإسلاميةquot; وملحقاتها . يجيء نجاد ليلتقي في عاصمة البلد الجار للبنان رئيس جمهورية عقائدياً هو أيضاً وشاباً مثله، ومثله يذهب في الأخطار إلى النهاية، وإن بتردد، وإن من موقع أضعف نظراً إلى فارق في الحجم بين سورية وإيران تعوضه عاصمة الأمويين بقوة الجغرافية التي تجعلها في قلب الحدث ، بينما تحتاج إيران إلى جهد وإلى واسطة quot;حزب اللهquot; وخلفه شيعة لبنان لتلعب فيه دوراً يخولها اعتبار نفسها من قلب نسيج المنطقة حتى لو تكلمت العربية بلسان أعجمي ، ألم يقل نجاد أمس عندما سئل عن سلاح quot;حزب اللهquot; : quot;نرفض أي تدخل أجنبيquot;؟. إنما عندما يلتقي قرب لبنان الرئيسان الشابان المأزومة علاقات بلديهما الخارجية والمصران على تحدي المجتمع الدولي ، أو الغرب كما يعتبرانه، يكون من الحكمة أن يقلق كل لبناني لأن المواجهة قد تحصل على أرضه.
من هذا المنطلق نقل قول عن رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; وليد جنبلاط الذي تساجل حزبه مع صحف إيران في اليومين الماضيين، مفاده ان الرئيس السوري بشار الاسد لا يزال يمارس لعبة quot;كسب الوقتquot; في انتظار تفعيل معاهدة دفاع مشترك بين دمشق وطهران، الامر الذي يعني من وجهة نظره ربط لبنان بمحور سوري ndash; ايراني بات قيد التشكّل والتبلور، بعدما تحكم نجاد في القرار الإيراني.
وكانت اسبوعية quot;جينزquot; الدفاعية الأميركية كشفت اخيرا ان ايران وسورية وقعتا في ١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) معاهدة استراتيجية تنص على ان تدعم كل منهما الاخرى ، ففي حال تعرض ايران لعقوبات دولية تتحول سورية الى مستودع للمواد الايرانية النووية، أما اذا تعرضت سورية للعقوبات، فإن ايران تظل تمدها بالمساعدات المالية، وكل ذلك مقابل ان تبقي دمشق خط ايصال السلاح والدعم ل quot;حزب اللهquot; في لبنان مفتوحا. وتقول مصادر مناهضة لتوجهات إيران في لبنان، إن طهران تتطلع الى جعل الجنوب اللبناني مسرحا تلتقي فيه كل الاحزاب الفلسطينية الاسلامية ، مثل quot;حماسquot; وquot;الجهاد الإسلاميquot; اضافة الى مقاتلي quot;حزب اللهquot; وعناصر مقاتلة منquot; الحرس الثوري الايرانيquot; بهدف فتح جبهة قتالية مباشرة على الحدود مع اسرائيل.
وتقول مصادر دبلوماسية اوروبية ان الموقف الايراني في إيران الآخذ في التصعيد يشكل مصدر قلق إضافياً لدول أوروبا وللولايات المتحدة إذ بات بعض المسؤولين في هذه الدول يعتبرون أن ايران تستخدم سورية وليس quot;حزب اللهquot; فحسب ورقة للضغط والتفاوض، مما يوجب التعامل بكثير من الحذر مع الوضع اللبناني وما يمكن ان يبرز فيه من مطبات أمنية مفاجئة، فلسطينية او غيرها.
لذلك تتعامل مراجع وزارية في لبنان بحذر مع المعلومات عن تزايد حجم التأثير الايراني في الفصائل الفلسطينية المنتمية الى quot;قوى التحالفquot; المدعومة من سورية. وفي اعتقادها ان طهران بدأت تتبع سياسة جديدة حيال لبنان تحاول من خلالها تجميع أكبر عدد من الاوراق، ليس من اجل استخدامها وانما للتلويح بقدرتها على التأثير في مجريات الاحداث في لبنان من أجل ممارسة الضغط على الولايات المتحدة والمجموعة الاوروبية في معركة طهران quot;النوويةquot;.
وبكلام آخر، ترى المصادر ان طهران كانت تحظى بتأثير في لبنان من خلال البوابة السورية، أما اليوم فإنها تتمتع بدور مباشر. ولاحظت أن لإعادة السفير الايراني محمد حسين اختري الى منصبه السابق في دمشق علاقة مباشرة بالنفوذ والسياسة اللذين تتبعهما القيادة الايرانية الجديدة.
ولم ينف مصدر قريب من مراكز القرار في دمشق في حديث إلى وكالة quot;يونايتد برس انترنشونالquot; أمس أن القمة بين الرئيسين الأسد ونجاد تحمل quot;رسالة قوية جداquot;، وتأتي في وقت تتعرض فيه الدولتان المتحالفتان والمتفقتان حول معظم الملفات ـ باستثناء بعض الخلافات في الملف العراقي ـ لضغوط دولية.
وقال إن quot;الرسالة القوية تقضي بأن البلدين ليسا معزولين وان تحالفهما الاستراتيجي في مقدمة الأوراق التي يمتلكانها في وجه الضغوط التي يتعرضان لها سواء على صعيد الملف النووي في الجانب الإيراني أو على صعيد التحقيق الدولي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريريquot; والمحاولات المحمومة لتوريط سورية فيهاquot;.
وأشار إلى أهمية القمة في هذا التوقيت الذي تخضع فيه البلدان لضغوط من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ، مضيفا ان سورية تدعم حصول إيران على الطاقة النووية للاستخدام السلمي بعيدا عن الأهداف العسكرية في وقت يتفق الجانبان على ضرورة وجود قواعد للتحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري بعيدا عن التهم المسبقة.
وحرص المصدر على القول إن سورية quot;تقف على مسافة واحدة من السعودية تماما كإيران وتأخذ في الاعتبار خشية السعودية من السلاح غير التقليدي الذي تشكك بان إيران تسعى لامتلاكهquot;، مضيفا أن العلاقات المتميزة والمواقف شبه المتطابقة بين طهران ودمشق لا تعني تهميشا للعلاقات مع مصر أو الرياض أو أن ذلك على حسابهما.
وكان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أعرب أخيرا عن قلق بلاده بشأن إمكان امتلاك ايران لسلاح نووي داعيا اياها الى التخلي عن أسلحة الدمار الشامل التي يمكن لها أن تهدد المنطقة.
والمح المصدر إلى أن القمة بين الأسد ونجاد ستسفر عن إعلان بعض المواقف المعروفة، بالإضافة إلى مواقف ضمنية تخص بعض الملفات الشائكة. واشار إلى اتفاق بين الجانبين على مشروعية المقاومة في لبنان وفلسطين في حين لا تصل التباينات بشأن الملف العراقي إلى درجة الخلاف quot;إنما تمايز بين وجهة نظر سورية بصفتها دولة عربية ووجهة نظر إيران حول الملف بصفتها دولة إسلاميةquot;.
وشدد المصدر على أن quot;الجانبين يريان مشروعية لحزب الله وسلاحه طالما هناك مزارع شبعا المحتلة وأسرى لبنانيون وذلك في مواجهة القوى الفردية أو السياسية وشبه السياسية في لبنان التي تركز على ضرورة التخلص من سلاح حزب اللهquot;. كما ركز على ان القمة تندرج في سياق الزيارات المستمرة والمتبادلة بين المسؤولين في البلدين والتنسيق والتشاور القائم منذ تحالف الجانبين عقب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
وأشار إلى أن القمة ستخرج بتأكيد على تحالف البلدين بعيدا عن سياسية المحاور التي تدينها سورية قبل غيرها، في محاولة لطمأنة بعض الدول العربية التي تخشى إيران كمصر والسعودية وحتى الأردن.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي السوري عماد حورية أن الزيارة quot;حالة إعلامية أكثر مما هي سياسية ، وهي حالة ستكون فيها سورية المستفيد الأكبرquot;، الا انه لفت إلى أهميتها في هذا التوقيت كونها تعطي البلاد quot;هامشا للمناورة عربيا ودوليا خصوصاً أن ما من دولة في المنطقة باستثناء سورية لديها علاقة متميزة مع طهرانquot;.
ورأى مصدر إيراني في القمة أهمية خاصة quot;إذ انها تجيء في ظروف دقيقة ومعقدة للغاية بسبب الضغوط على الجانبينquot;، وأشار إلى أن الزيارة تؤكد إستراتيجية العلاقات بين دمشق وطهران quot;مهما كانت الظروف او الضغوطquot;.
وأكد المصدر ليونايتد برس انترناشيونال ان الجانبين ينسقان باستمرار في ما بينهما لا سيما على صعيد دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية quot;معنويا على الأقلquot;. وتجنب التعليق على الخلاف بين دمشق وطهران حيال الملف العراقي، مكتفيا بالقول quot;إن الحوار مع الحكومة العراقية سيأتي بنتيجة من وجهة نظر طهران بينما لا ترى دمشق أفقا لهذا الحوارquot;.
وكان مسؤولون سوريون رأوا أن جانبا مهما من الشعب العراقي يتحفظ عن نتائج الانتخابات في البلد، في إشارة إلى التمثيل السني.
وسخر المصدر من quot;قضية الهلال الشيعي التي تقلق بعض الدول في المنطقةquot; وفي مقدمتها الأردن ومصر السعودية، مشيرا إلى أن quot;لا صحة لهذه الفكرةquot; ومعربا عن اقتناعه بان الدول الآنفة الذكر باتت تعرف quot;أن الطرح غير واقعي وانه من المحال إقامة محور بغداد ـ دمشق ـ بيروت ـ طهرانquot;.
وتعتبر العلاقات الاقتصادية من أبرز المواضيع الرئيسة التي ستبحث في قمة الغد، وفقا للمصادر السورية. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 120 مليون دولار متضمنة الاستثمارات المشتركة ومشاريع صناعية.
ومن بين المشاريع الإيرانية السورية المشتركة في سورية ، مشروع تحديث محطات كهربائية بقيمة 750 مليون دولار إضافة إلى توسيع معمل للاسمنت وسط البلاد وبناء عشر صوامع للحبوب ومصنع مشترك لإنتاج أول سيارة في سورية. كما تعد سورية المنطقة المفضلة لدى الشيعة الإيرانيين خصوصا سياحيا لوجود ضريح السيدة زينب بالقرب من العاصمة والذي يزوره ألاف الإيرانيين والشيعة يوميا.
التعليقات