زنرت نفسها بحزام أمان من هرمز إلى العراق ولبنان
إيران تصنع توازناً جديداً بقوتها النووية
إيلي الحاج من بيروت : كان خبراً مزعجاً للولايات المتحدة ولدول محيطة بإيران وحتى بعيدة عنها، ذلك الخبر الذي أزفه الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد إلى شعبه واصفاً إياه بأنه quot;مفرحquot; ومفاده أن إيران تمكنت من انتاج اليورانيوم المخصب الذي يؤهلها عمليا للانضمام الى نادي الدول النووية لتشغل فيه المرتبة الثامنة، وتتحول قوة اقليمية عظمى محدثة توازنا جديدا في الشرق الاوسط أقل ما يقال فيه انه quot;توازن رعبquot; . ولا يخفف من أهمية هذه الخطوة النوعية تأكيد طهران انها لا تسعى الى امتلاك سلاح نووي وان قدراتها النووية مخصصة للبحوث العلمية وللأغراض السلمية.
فالنتيجة الجلية لهذا التطور ان ايران باتت تمتلك ورقة السلاح النووي وتستطيع من اليوم فصاعداً أن تستعملها ورقة تفاوضية وقوة رادعة في آن واحدة. ويتضح
أما الحوافز والدوافع التي تقف وراء اندفاعها في طموحها النووي أيا تكن النتائج، وفي مسار مواجهة مع المجتمع الدولي فهي:
-أولاً: اتخاذ قيادة الجمهورية الاسلامية الايرانية قراراً استراتيجياً بضرورة امتلاك السلاح النووي، باعتبار أن ايران قوة اقليمية كبرى ويجب ان تحصل الأسلحة اللازمة الكفيلة بدعم موقعها وردع أي هجوم خارجي عليها، والتي تؤكد زعامتها في الشرق الاوسط وقيادتها للأمة الاسلامية في مواجهة اسرائيل وأميركا.
- ثانياً : عدم امتلاك الولايات المتحدة ودول اوروبا في المرحلة الراهنة وسائل وامكانات ردع كافية سياسية ودبلوماسية واقتصادية وعسكرية لمنع ايران فعلا من امتلاك القدرات اللازمة لانتاج السلاح النووي. ففي حسابات إيران أن القدرات العسكرية الاميركية مستنزفة في العراق وأفغانستان، واذا حصلت هجمات وضربات عسكرية اسرائيلية أو اميركية ضد ايران فإن ردها سيكون تفجير الوضع الاقليمي على نطاق واسع عبر حلفائها في التنظيمات الشيعية الموالية لها والمتحالفة معها من العراق الى جنوب لبنان.
ولا تخيف العقوبات الاقتصادية ايران، خصوصاً لأن في وسعها الرد عليها بإجراءات انتقامية تبدأ بإغلاق مضيق هرمز ، حيث أجرت قبل أيام مناورات واسعة لسلاحها البحري، أمام الملاحة الدولية وناقلات النفط، ما يؤدي الى ارتفاع كبير في أسعار النفط يهدد بنشوب أزمة اقتصادية عالمية.
-ثالثاً : أفادت طهران من دروس تجربتي العراق وكوريا الشمالية وطريقة تعامل الدول الكبرى معهما. فالهجوم الاميركي في العراق لم يكن ليحصل لو كان صدام حسين يمتلك فعلاً السلاح النووي، والتفاوض الاميركي مع كوريا الشمالية لم يكن ليحصل لو لم يكن في يدها السلاح النووي.
ويمكن القول بنتيجة هذا التطور إن ايران الثورة الخمينية دخلت عصرها الذهبي مع تبلور المشروع الايراني الجديد سواء على صعيد الملف النووي او الوضع في العراق او تجاه القضية الفلسطينية والعلاقة التحالفية مع سورية او حتى بشأن المسائل الثقافية والاقتصادية الداخلية. وجاءت quot;النجادية الثوريةquot; في مواجهة quot;الرفسنجانيةquot; البرغماتية تعبّر عن نهاية مرحلة الدفاع الايرانية والانتقال الى الهجوم في الداخل والخارج. ومن الخليج العربي مرورا بالعراق وسورية ولبنان وفلسطين يحافظ الهجوم الايراني على زخمه ويثير مخاوف وشكوكاً جدية في سعيه الى امتلاك السلاح النووي الذي يتيح له ان يقلب المعادلة الاقليمية رأسا على عقب.
وتتمتع طهران بعدة أوراق قوة تستطيع تحريكها في افغانستان والعراق وصولا الى لبنان وفلسطين، اضافة الى قدراتها العسكرية و النفطية، وحتى لو كانت محاصرة، فإنها تشعر بأنها تحاصر الاميركيين في العراق وعلى الحدود في افغانستان وتثير قلقهم في فلسطين بعدما توغلت في النسيج السياسي الاجتماعي عبر حركتي quot;حماسquot; وquot;الجهاد الإسلاميquot; ، وفي لبنان عبر احتضانها quot;حزب اللهquot; ومده بالدعم السياسي والمالي والعسكري. وكل هذه العناصر تعزز الاعتقاد الدولي بأن القيادة الايرانية قررت اعتماد استراتيجية هجومية متشددة والعودة تدريجا الى منطق تصدير الثورة وصولا الى تزعم مد اسلامي متشدد ومتفجر في أرجاء الشرق الاوسط.
وهكذا تستعيد الثورة الايرانية حيويتها بعد مرور25 سنة على انطلاقتها على يد آية الله الخميني ، وتحاول استرداد الدور الذي أدته في بداياتها، مع خطاب أكثر تشدداً واستراتيجية هجومية، يجوز معها التأكيد ان ايران تستأثر بأعلى درجة من الدينامية في المنطقة، وربما يرجع السبب الى تأثيرها المباشر والكبير في الأهداف الاستراتيجية الاميركية، ليس في المنطقة فحسب بل الى أطراف آسيا الشرقية.
وينفع في هذا السياق التذكير بنظرية جيو-سياسية تقول إن إيران التي كانت خلال الحرب الباردة، ولا سيما في ظل حكم الشاه، السد الأمامي المنيع الذي منع السوفيات من الوصول الى الخليج، هي نفسها ايران الآن التي تشكل الممر الأساسي للروس والصين لدخول المنطقة لمنافسة الولايات المتحدة، وثمة أشياء كثيرة ستتغيّر بعد هذا التطور الحاسم.
التعليقات