سجل المصادمات الطائفية .. وسيناريو الشيخ والقس
البابا شنودة يعتذر عن مقابلة الساسة المصريين

نبيل شرف الدين من القاهرة : عاد الهدوء إلى مدينة الإسكندرية في مصر بعد ثلاثة أيام عصيبة إثر اقتحام شخص وصفته الأجهزة الرسمية بأنه quot;مضطرب نفسياًquot; ثلاث كنائس بينما كان الأقباط يتأهبون للاحتفال بيوم quot;أحد الشعانينquot; مما أسفر عن مقتل قبطي وإصابة خمسة آخرين واندلاع مواجهات استمرت على مدى ثلاثة أيام بين مسلمين ومسيحيين ترتب عليها إصابة العشرات وإتلاف عشرات السيارات والمحال التجارية، وإلقاء القبض على أكثر من مائة ممن شاركوا في أحداث الشغب .

في غضون ذلك علمت (إيلاف) من مصادر قريبة من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن البابا شنودة الثالث اعتذر عن استقبال عدد من مسؤولي الحكومة والأمن والحزب الحاكم في مصر خلال الأيام الماضية، متعللاً بالاعتكاف داخل الدير، كما تتجه المناقشات الدائرة داخل أوساط رئاسة الكنيسة القبطية إلى الاعتذار للمسؤولين أيضاً عن استقبالهم للتهنئة بالأعياد، احتجاجاً على ما عبرت عنه الكنيسة من خلال بعض قياداتها بالامتعاض من تكرار الاعتداءات على منشآت وأشخاص المسيحيين في مصر، دون موقف حازم من قبل النظام الحاكم ضد المهووسين دينياً الذين تزايدت أعدادهم على نحو ينذر بمخاطر كبيرة .

مصلية مصرية تبكي ضحايا الاعتداء

وتكرر المشهد الشهير الذي يجمع البابا شنودة الثالث وشيخ الأزهر يتعانقان، ويتبادلان عبارات الود والترحيب أمام الكاميرات، لكن هذه الصورة بدت غير متسقة مع ما شهدته أهم مدينتين في مصر وهما العاصمة القاهرة، والعاصمة الثانية الإسكندرية، من احتقانات طائفية دامية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ثم عادت لتتكرر أخيراً في الإسكندرية .

ويكاد يسود اتفاق بين مراقبي الشأن الداخلي في مصر على أن صنّاع القرار مازالوا يرون في المسألة القبطية quot;طوطمquot; أو quot;تابوquot; لا يجوز الاقتراب منه ولا الحديث عنه، بل ويصل بهم الأمر إلى حد إنكار الحقائق، وتجاهل الوقائع التي جرت تحت سمع وأبصار ملايين البشر، والإصرار على تصنيف الأمر ضمن الملفات الأمنية، على الرغم من كونه سياسياً بامتياز، ولا تنبغي معالجته إلى في إطار سياسي، ولا يمكن مقارنته بملف الجماعات المتطرفة إلا إذا تساوى لدينا الضحايا بالمجرمين .

سلسلة احتقانات
والحوادث الطائفية التي جرت في الإسكندرية هي الأحدث من نوعها في سلسلة احتقانات طائفية شهدها مصر خلال الأعوام الماضية، إذ سبق أن تظاهر حشد من الشباب القبطي في مدينة الفيوم جنوب القاهرة يوم 27 فبراير 2005 احتجاجًا على ملابسات أحاطت واقعة اختفاء فتاتين قبطيتين تدعيان ماريان مكرم وتيريزا عياد، قيل إنهما اعتنقتا الإسلام، غير أن قضية الفتاتين انتهت وفقًا لبيان أصدرته حينئذ وزارة الداخلية إلى quot;جلسة النصح والإرشادquot; التي جرى خلالها إقناع الفتاتين بعدم المضي قدمًا في إجراءات إشهار إسلامهما .

كما شهدت القاهرة مظاهرات حاشدة نظمها الأقباط في ديسمبر 2004 احتجاجًا على ما اشتهر بقضية quot;زوجة الكاهن قبطيquot;، المدعوة وفاء قسطنطين، وطالبوا سلطات الأمن بإعادة الزوجة للكنيسة مما تسبب في أزمة بين الكنيسة والسلطات، خاصة بعد اعتقال عدد من المتظاهرين واعتكاف البابا شنودة في الدير احتجاجا على اعتقالهم، لكن الأزمة انتهت بعد أمر النائب العام بالإفراج عن المحتجزين، وعودة السيدة إلى الكنيسة وإنهاء البابا اعتكافه .

وفي شهر يناير الماضي اندلعت أحداث دامية في قرية quot;العديساتquot; جنوب مدينة الأقصر، حيث اعتدى مسلمون على كنيسة العذراء وأحرقوها، وأسفرت هذه الأحداث عن وفاة مواطن قبطي متأثراً بجراحه، فضلاً عن إصابة 14 شخصاً وإشعال الحرائق في ممتلكات مسيحيين .

وشكلت أحداث قرية الكشح بمحافظة سوهاج محطة فاصلة في تاريخ العنف الطائفي، التي اندلعت في الليلة الأخيرة من العام 1999 والأيام الأولى من عام 2000، وراح ضحيتها 20 مسيحيا ومسلماً واحداً من أبناء القرية، وألقت سلطات الامن القبض على 96 شخصاً (38 مسيحياً و58 مسلماً)، ثم أحالتهم على القضاء بتهم القتل والشروع فيه والاخلال بالسلم والأمن العام، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وتهديد الوحدة الوطنية .

وقضت محكمة جنايات أمن الدولة بتبرئة معظم المتهمين ولم تدن إلا أربعة متهمين بمدد سجن مابين عامين و15 عاماً لكن بطريرك الكنيسة القبطية البابا شنودة الثالث أعرب خلال ندوة بمعرض الكتاب بالقاهرة عن احتجاجه، فطعنت النيابة العامة في الحكم السابق، وقضت محكمة النقض بقبول الطعن وإعادة محاكمة كل المتهمين أمام دائرة جديدة قضت بتخفيف العقوبة الصادرة ضد المحكوم فايز عبد الرحيم من السجن 15 عاما إلى 13 عاما، بعد ان استبعدت عنه تهمة التجمهر، كما أيدت المحكمة ذاتها حكما سابقاً صدر بمعاقبة المتهم محمد شبيب بالسجن ثلاثة أعوام, ورفضت المحكمة طعن النيابة العامة على براءة 94 متهما آخرين في القضية ذاتها .

أما أقدم حوادث الصدام الطائفي فقد جرت في مطلع السبعينات حين تعرضت كنيسة في مدينة الخانكة بالقليوبية لحريق عمدي، واعتبرت القيادة السياسية وقتئذ أن هذا الحادث شأن سياسي يعالج سياسيا، وبالفعل شكلت لجنة تقصي حقائق برئاسة القانوني جمال العطيفي، وأعدت اللجنة بالفعل تقريرا مهما عن المسألة القبطية بكافة أبعادها، غير أن التقرير لم تجر مناقشته ولم يؤخذ بأي من التوصيات الواردة فيه، بل أحيل الملف القبطي برمته لمباحث أمن الدولة أسوة بملف الاصولية الاسلامية التي خاضت مواجهات دامية ضد السلطة والسياح الأجانب خلال العقود الثلاثة الماضية .