نصرالله مع تحديد الحدود وليس ترسيمها
لبننة المقاومة شرط نجاحها في ردع العدوان
بلال خبيز- بيروت: في احتفال بالذكرى الـ28 لاعتقال عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار، جدد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله دعوته للدخول في الحوار اللبناني ndash; اللبناني من دون مطلقات مسبقة. ودعا إلى مناقشة quot;كل المسائل بخلفية وطنية معيارها الأساسي ما نفهمه أن في هذا مصلحة لبنان. ناقشوا بهذه الروحية. عندما ندخل يجب أن نناقش مسألة سلاح المقاومة بعقلية وطنية وخلفية وطنيةquot; على حد تعبيره. لكن هذا الموقف المشدد على اهمية استئناف الحوار لم يمنع السيد نصرالله من تحديد موقعه الحالي في متن السياسة اللبنانية وفي ما يخص تحالفاته العربية والدولية مرة اخرى بوضوح ومنعاً لأي التباس. لا احد في لبنان او خارجه يعتقد ان موقف السيد نصرالله قد يتغير بين ليلة وضحاها. خصوصاً إذا لم يكن هناك ما يستوجب اعادة النظر في مواقفه. لكن السيد الذي يدعو الجميع إلى عدم الجلوس إلى طالة الحوار بخلفيات ومواقف مسبقة، يصر على تحديد مواقفه من قبل ان يدخل الجلسة. على اي حال، ليس في هذه المواقف التي يعلنها الامين العام لحزب الله ما يعيب، ولا فيها ما يدفعه للتنكر لها. لكن الحديث عن مصلحة البلد ووضعها في مقدم الاولويات يحتاج ربما من الأمين العام ومن محاوريه، على قدم المساواة، إلى نوع من حسن التقدير في ما يتعلق بمصلحة البلد عموماً.
والحق ان لا جدال منطقياً يمكن ان يصمد في اي حوار حول طبيعة المشروع الإسرائيلي العدواني حيال لبنان، وحيال جيرانه العرب، لكن نقطة النقاش في ما يبدو لا تقع على هذا الصعيد لبنانياً. إذ ينقسم البلد اليوم، وعبر تياراته الرئيسية المقررة والتي لا تزال قيد الفعل الإيجابي، تمييزاً لهذه التيارات عن قوى أخرى لم تعد تملك من القضايا ما يمكن ان تثيره على طاولة الحوار، على تصورين. التصور الاول يفترض ان لبنان يستطيع الصمود والدفاع عن نفسه في وجه كافة الاطماع الخارجية فيه، وهذا تصور تغذيه تجربة المقاومة ضد اسرائيل وتجعل المناقشة فيه، رغم اختلال موازين القوى العسكرية والسياسية لصالح اسرائيل، ممكنة وذات جدوى. وتصور ثان يفترض ان البلد لا يستطيع حماية نفسه بنفسه، وان التجربة مع النظام السوري الذي كان مهيمناً على مقدرات البلد، تفيد ان البلد يحتاج إلى حمايات خارجية تحمي استقلاله وترعاه.
والحق انه في الوقت الذي يصر السيد نصرالله على قدرة لبنان على الدفاع عن نفسه في وجه الاطماع الإسرائيلية، لا يفتأ يؤكد ملحاحاً على مسامع اللبنانيين، ضرورة اخذ المبادرات العربية في اعتبار اللبنانيين والتجاوب معها. ذلك ان البلد الذي يستطيع ان يهزم اسرائيل في عقر داره، لا يستطيع ان يناصب محيطه العربي، وتالياً الإسلامي العداء والجفوة.
في مقابل هذا التصور الذي يبدو إلى حد بعيد بالغ التعقيد، يبرز تصور آخر يفترض ان البلد لا يستطيع ان يبقى ويستمر من دون ان اقرار جماعي بتثبيت ستاتيكو ما على حدوده الجغرافية والسياسية. وهذا الستاتيكو لا يمكن إلا ان تحميه وترعاه القوانين والمعاهدات والأعراف الدولية المتبعة. وعليه يصير الخلاف مستحكماً بين نظرتين حول ضرورة ترسيم الحدود ام تحديدها بين لبنان وسورية وفي ما يخص مزارع شبعا المحتلة. والفارق بين اللفظتين يخفي تحته الفارق بين التصورين.
يرى السيد نصرالله ان تحديد الحدود يعني نوعاً من الإقرار الفضفاض بلبنانية مزارع شبعا، وهذا الإقرار، في حد ذاته لا يعترف بحدود محددة تحديداً دقيقاً، بل بحدود عامة يتم ترسيمها بدقة بعد التحرير. لكن التصور الآخر يفترض ان ترسيم الحدود ضروري لفصل المقاومة اللبنانية لتحرير الارض اللبنانية عن مقاومة سورية او غير سورية. وبمعنى آخر، ان يتم لبننة المقاومة لبننة نهائية وغير قابلة للأخذ والرد. والحق ان خطاب السيد نصرالله يعيد البلد والمتحاورين إلى هذه النقطة بالذات حين يؤكد انه لم يحصل اجماع لبناني على ضرورة ترسيم الحدود مع سورية، مما يعني ان المطالبة اللبنانية في مجلس الأمن بترسيم هذه الحدود تفقد شرعيتها التي تتأتى لها من اجماع اللبنانيين على طاولة الحوار حول هذه النقطة.
أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يلقي كلمة في الضاحية الجنوبية(بيروت) بمناسبة مرور 28 سنة على اعتقال سمير قنطار على أيدي الإسرائيليين. ا ف ب |
يدرك اللبنانيون جيداً ان مقاومة حزب الله ضد اسرائيل قوية وقادرة على الردع، ما دام استهدافها محدداً. اي ما دامت مولجة ومكلفة بالدفاع عن لبنان في مواجهة اي عدوان اسرائيلي عليه، لكن هذه المقاومة تصبح غير ذات فاعلية في هذا المضمار إذا ما اندلعت حفلة جنون شرق اوسطية تبدأ من العراق والخليج الفارسي ولا تنتهي حدودها في غزة وجنوب لبنان. في هذه الحال تصبح المقاومة غير ذات قدرة على ردع هجوم اسرائيلي تديره سياسة هجومية قررت ان تدفع اكلاف مغامرتها العسكرية. لكن المحافظة على جبهة هادئة ودوام الهدوء على الجبهة اللبنانية مع القدر اللازم من التوتر يجعل المقاومة قادرة على النجاح في مهمتها القاضية بالدفاع عن لبنان في مواجهة الاطماع الإسرائيلية. وبكلام آخر، فإن لبننة المقاومة يجعلها سلاحاً لبنانياً ماضياً في مواجهة اعداء لبنان، لكن تعريبها او تشييعها، وربطها بأحلاف خارجية، قد يجعلها عاجزة عن الدفاع عن ابسط مقومات البقاء.
اللافت في سلوك حزب الله الميداني انه ما زال يحافظ على حراسة الخط الازرق من اي اختراق على الجانبين. لكنه في السياسة يرافع دوماً ضرورة خرقه وقلب الطاولة على الاصدقاء والأعداء. والحق ان هذا ما يحتاج إلى قوننة وتدقيق ومناقشات مستفيضة، تأخذ في اعتبارها مصلحة لبنان اولاً مثلما يدأب السيد نصرالله على التكرار.
التعليقات