أسامة العيسة من القدس: مع اقتراب موعد تنفيذ محمود عباس (أبو مازن)، رئيس السلطة الفلسطينية، لتهديده بإجراء استفتاء شعبي على ما عرف بوثيقة الوفاق الوطني المقدمة من مجموعة من الأسرى الفلسطينيين في سجن هداريم الإسرائيلي، يواصل الفرقاء الفلسطينيون، إظهار ما لديهم من قوة على الأرض، بينما يحتدم النقاش الداخلي الفلسطيني حول الاستفتاء، وحسب باحثة فلسطينية مختصة فان طرح أبو مازن للاستفتاء هو أمر غير قانوني.
وكانت حركة المقاومة الاسلامية حماس أعلنت اليوم انها لن تشارك في جلسة الحوار التي تعقد في رام الله بالضفة الغربية معتبرة اجراء الاستفتاء الذي لوح به الرئيس الفلسطيني محمود عباس quot;انقلابا على الشرعية التي تمثلهاquot; حماس ولن تسمح به.
وقال سامي ابو زهري المتحدث باسم حماس وكالة فرانس برس ان حركته quot;لم تشارك رسميا في اي من جلسات الحوار التي بدات الاحد الماضي ولن تشارك في الجلسة التي تعقد في رام الله اليومquot;. وفي رده على سؤال حال التوجه جديا الى اجراء الاستفتاء قال ابو زهري quot;الاستفتاء هو اولا خطوة غير قانونية ومبنية على تعمد مقصود لافشال الحوار ويمثل انقلابا على الشرعية التي تمثلها حماس وهو امر لن نسمح بهquot;.
واتهم بعض الاطراف دون ان يسمها بالعمل على quot;افشال الحوار من خلال حصر جلسات الحوار في رام الله وتجاوز طلبات القوى الاخرى وفي مقدمتها حماس بنقل الحوار الى غزة للعوامل الامنيةquot;. واضاف ان quot;ادارة الحوار بهذه الطريقة تعني تفريغه من مضمونه لانه يجري بين اصحاب البرنامج الواحد اي فصائل منظمة التحريرquot; وتابع ان الحوار quot;يتعمد استثناء قوى كبرى كحماس والجهاد الاسلامي وهو معرض للفشل بفعل هذه الاعتبارات ومن يفعل ذلك يتحمل مسؤولية الفشل امام الشعب الفلسطينيquot;.
وقال ابو زهري ان حركته quot;متفاجئة مما يجري لان القوى ابلغتنا ان الحوار كان يفترض ان ينقل الى غزة منذ الجمعة الماضي ولكن واضح هناك اصرار ان يبقى في الضفة الغربيةquot;.
واستعرضت رولا سرحان، الباحثة في المجلس التشريعي الفلسطيني، دعوات أبو مازن السابقة لإجراء استفتاءات، مشيرة إلى انه كان طرح لأول مرة quot;مسألة عرض القضايا السياسية على الاستفتاء، خلال حملته الانتخابية لرئاسة السلطة الفلسطينية، وذلك بإعلان التزامه إجراء (استفتاء عام) على أيّ حلّ لقضايا الوضع النهائي، وهي قضايا القدس واللاجئين والحدود والمياه. ثم عاد من جديد ليطرح فكرة الاستفتاء العام بتاريخ 5 أيار/ مايو 2005، عندما طرحت فكرة الدولة الفلسطينية المؤقتة وإمكانية التوصل إلى حل دائم مع الجانب الإسرائيلي. وقد قال الرئيس أبو مازن عندها أنه سوف يُقدم على إجراء استفتاء شعبي حول أي تسوية دائمة يتم التوصل إليهاquot;.
ولفتت سرحان الانتباه إلى أن هذه التصريحات جميعها لم تثر أيّ ضجة حينها لا في شأن مدى دستوريتها أو في شأن الأهداف المرجوة منها quot;إلاّ أنه وبعد الانتخابات التشريعية، ظهر ثالث تصريح للرئيس محمود عباس في اعتماد الاستفتاء، وذلك في 10 أيار/ مايو 2006 عندما أعرب عن جهوزيته للتفاوض مع الحكومة الإسرائيلية والدخول في مفاوضات مع حكومة أولمرت بغض النظر عن الشكل الذي سوف تأخذه عملية التفاوض، متعهداً بأن ما سيتم الاتفاق عليه سيجري عرضه على الشعب الفلسطيني في استفتاء حرquot;.
ولاحظت سرحان أن التصريح الأكثر جدلاً لأبي مازن كان quot;عندما أعلن في خطابه الذي ألقاه في اليوم الأول من افتتاح مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني بتاريخ 25 أيار/ مايو 2006 عندما قال إنه سيلجأ إلى الاستفتاء الشعبي بشأن وثيقة الحوار الوطني المقدمة من الأسرى خلال أربعين يوماً ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بين القوى والفصائل الفلسطينية خلال عشرة أيامquot;.
ورأت أن الجدل حول قضية الاستفتاء يتمحور quot;في اتجاهين رئيسيين: الأول قانوني والثاني سياسي. على أساس أن هذين الجانبين يجب أن يتم أخذهما في عين الاعتبار ما دام موضوع الاستفتاء بات أكثر تداولاً وبات يأخذ شكلاً أكثر جدية، وارتفعت احتماليات اللجوء إليه كوسيلة وآلية لحل الخلاف بين مؤسستي الرئاسة ورئاسة الوزراءquot;.
وخصصت سرحان دراستها للشان القانوني فيما يتعلق بالاستفتاء قائلة quot;يُعرف الفقه الدستوري الاستفتاء العام على أنه أخذ رأي الشعب في مسألة معينة، بحيث يعرض هذا الأمر على جمهور المواطنين لأخذ الموافقة أو عدمها على تلك المسألةquot;.
وتقول بان أشكال الاستفتاء تتنوع بين استفتاء دستوري وتشريعي وسياسي، وفيما يتعلق بمبادرة أبو مازن فإنها تندرج ضمن الاستفتاء السياسي quot;الذي يُطلب فيه من المواطنين الفصل في أمر مهم يثير الخلاف ولا ينطوي على قاعدة عامة مجردة، ويستخدم كأداة لتحكيم الشعب فيما يقوم بين سلطات الدولة أو بين الحكومة والمعارضة من نزاع، ويسمى الاستفتاء في هذه الحالة باستفتاء التحكيم. ويتم إجراء الاستفتاء في هذه الحالة بين الرئيس والحكومة أو بين الحكومة والبرلمان أو بين البرلمان والرئيس، وذلك بحسب النظام السياسي المتبعquot;.
وتضيف quot;عادة ما يستند إجراء الاستفتاء إلى نص دستوري يشكل الأساس الذي تنطلق منه القاعدة القانونية في تنظيم العملية الإجرائية للاستفتاء، وتوضح شكله وطبيعته، والمسائل التي تُطرح للاستفتاء، والجهـة المخولة بالدعوة لإجرائه، والجهة المخولة بإجرائه، والآثار المترتبة عليهquot;.
واستعرضت سرحان قانونية وتجربة الاستفتاء في بعض الدول مثل فرنسا، ومصر، ولكنها تؤكد انه في الحالة الفلسطينية، لا يتضمن القانون الأساسي quot;أيّ نصٍ يتعلق بإمكانية إجراء، أو اللجوء لإجراء، استفتاء عام من قبل أي سلطة كانت. وعليه، فإن القانون الأساسي الفلسطيني لم ينظم عملية الاستفتاء، وبالتالي فليس لها أيّ سند دستوري. ومسألة السند الدستوري هي مسألة أساسية جوهرية، إذ إن عملية الاستفتاء هي شأن دستوري بحت، ذلك أنها تتعلق بأمر من أمور السيادة، أي أن الشعب صاحب السيادة الأصلية، يُمارس جزءاً من سيادته عبر إبداء رأيه في مسألة الاستفتاء. لذلك تنحو معظم الدول، التي تأخذ بالاستفتاء، باتجاه تضمين الدستور نصاً في شأنه، لأن الاستفتاء من الأمور الدستوريةquot;.
وخلصت سرحان في دراستها إلى أن دعوة أبو مازن لإجراء استفتاء عام حول وثيقة الأسرى، تعد دعوة مخالفة للقانون الأساسي وهو بمثابة الدستور الفلسطيني المؤقت وتحديـداً نص المـادة (38) والتي أكدت على أن quot; يمارس رئيس السلطة الوطنية مهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانونquot;.
وتقول سرحان quot;بخلو القانون الأساسي من نص يمنح الرئيس صلاحية إجراء الاستفتاء، فإن عملية إجراء الاستفتاء تُعد مخالفة دستورية واضحة وصريحة. ولحل هذه الإشكالية، فإن ذلك يقتضي تعديل القانون الأساسي بتضمينه مادة حول الاستفتاء، وتوسيع صلاحيات الرئيس، أو الجهة المخولة بالدعوة لإجراء الاستفتاء، بما يمكنه/ها من إجرائه، وإلا أصبحت مجمل العمليـة مطعونـاً فـي شرعيتهـا الدستوريـة، لأنهـا تضيف صلاحيات جديـدة للرئيس بخلاف صلاحياته الحصرية المنصوص عليها في القانون الأساسي المعدلquot;.
أما في الشأن السياسي للاستفتاء فتقول سرحان quot;من الضرورة بمكان، معرفة التأثيرات السياسية لإجراء الاستفتاء. فعلاوة على وجوب الالتزام بنتيجة الاستفتاء، إذا ما كان نوع الاستفتاء المتبع هو استفتاء إلزامي، سواء أكانت بدعم أو عدم دعم القضية المطروحة، فإن ذلك يقتضي الالتزام بالتبعات الدستورية والسياسية المستقرة في تجارب الدول المقارنة التي تأخذ بهذا الإجراء الدستوري. وذلك، بأن يتحمل أحد طرفي الخلاف نتيجة الاستفتاءquot;.
وتضيف quot;بما أن الاستفتاء السياسي (التحكيمي) يقوم على أساس أخذ رأي الشعب في النزاع الناشب بين سلطتين سياسيتين، فإن نتيجة الاستفتاء تعني أن المستفتين قد غلبوا رأي أحد الطرفين دون الآخر. فإذا ما كانت نتيجة الاستفتاء في القضية المختلف بشأنها، مؤيدة لوجهـة نظـر الرئيس ndash; على سبيل المثال- فإن على الطرف المعارض لسياسته حينها أن يستقيل، والعكس صحيحquot;..
وتكمل quot;ويسحب هذا الأمر على الوضع الفلسطيني، فإنه يقتضي أن يستقيل رئيس السلطة الفلسطينية فيما لو كانت نتيجة الاستفتاء مؤيدة لسياسة الحكومة، وأن تستقيل الحكومة ويتم حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة فيما لو كانت نتيجة الاستفتاء مؤيدة للرئيسquot;.
وتنهي سرحان دراستها quot;والسؤال الأهم، هل طرفا المعادلة السياسية الفلسطينية؛ الرئيس من جهة، والحكومة والمجلس التشريعي الفلسطيني من جهة ثانية، مستعدان لتحمل أمر مماثل؟ تلك هي المسألةquot;.
التعليقات