الرياض: إسرائيل تخسر الحرب. وهو أمر مؤلم أن أكتب ذلك باعتباري مؤيداً لإسرائيل. لكنه حقيقة, والوضع يزداد سوءاً كل يوم. هذا ما كتبه رالف بيترز من صحيفة نيويورك بوست. وكما قال لي أحد المسؤولين الأميركيين فإن quot;إسرائيل لديها الساعة, لكن حزب الله لديه الوقت.quot; إن الرمال في الساعة الرملية تسير لصالح حزب الله, فهم يصمدون كل يوم ويطلقون صواريخ أكثر على إسرائيل. إن حزب الله يربح حرباً دعائية.
كل ما على حزب الله فعله لكي يحقق النصر هو ألا يخسر بشكلٍ كامل. أما إذا أرادت إسرائيل أن تكون الفائز المعترف به فعليها أن تطيح بحزب الله. لكن أخطاء إسرائيل في التقدير أبقت على حزب اللهعلى قيد الحياة وقادراً على الهجوم.
على إسرائيل أن تستجمع قواتها الآن بأن ترسل قوات برية بأعداد كافية وبعزيمة شديدة لكي تقوم بما يجب عليها أن تقوم به: استئصال مقاتلي حزب الله وقتلهم. هذا يعني أن إسرائيل ستعاني إصاباتٍ موجعة اليوم أكثر مما وصلت إليه قوة الدفاع الإسرائيلي في هجومها الشامل في بداية هذا القتال.
إن الوضع خطر جداً. إذ إن انتصار حزب الله سيكون انتصاراً عظيماً للإرهاب, إضافة إلى انتصار إيران وسوريا. والجميع يحب المنتصر, وخاصة في الشرق الأوسط حيث خسر العرب والفرس طويلاً.
لا يمكن أن تحتمل إسرائيل انتصار حزب الله, ولا أميركا ستحتمله, ولا الحضارة كذلك. وعلى الرغم من ذلك يمكنه أن يحدث.
حاولت إسرائيل أن تجعل الحرب في منتصف الطريق, ولم تقم سوى بالفوضى. فلنراجع ما عليه الوضع الآن:
بمحاولتها إنقاذ حياة الإسرائيليين من خلال استعمال القوة الجوية والمدفعية بعيدة المدى بدلاً من القوات البرية تلعب قوات الدفاع الإسرائيلية في أيدي حزب الله. أمكن للإرهابيين أن يدّعوا أن إسرائيل تخافهم. في هذه الأثناء, أثبت الاستهداف الإسرائيلي الفشل الذريع في القضاء على حزب الله, بينما استهدف المدنيين.
قوات الدفاع الإسرائيلية تجهز لواءً مدعوماً و3000 إلى 5000 جندي لـ quot;هجوم محدودquot; في جنوب لبنان. هذا لن ينفع. ليس كافياً. وجنود حزب الله كان لديهم الوقت لأن يتجمعوا. إن هذا سيتصف بالفوضى, إذ إن أي جهد إسرائيلي فاتر سيقصر عن بلوغ الهدف.
على الرغم من شهرتها في القدرة على الاختراق, فشلت الاستخبارات الإسرائيلية هذه المرة. إذ لم تستطع الكشف عن الأسلحة الجديدة التي زودت إيران وسوريا بها حزب الله من القاذفات المضادة للسفن إلى الصواريخ بعيدة المدى. وبعد سنواتٍ من التجسس, لم تستطع إيجاد حزب الله.
وهذا يجب أن تُقرَع له أجراس التنبيه الدولية: إذا كان بإمكان حزب الله أن يخفي الصواريخ, فبإمكان إيران أن تخفي القنابل النووية.
انحازت وسائل الإعلام بشدة لحزب الله (مفاجأة, مفاجأة). فقد أُعلِن عن هجمات الصواريخ على إسرائيل بشكلٍ هادئ, بينما ضربات قوات الدفاع الإسرائيلية على لبنان استغلت آخر قطرة من العاطفة. نحن نسمع عن الزجاج المكسور في حيفا, والأطفال الذين ينزفون في بيروت.
ابتهجت واشنطن عندما انتقدت حكومات عربية مختلفة حزب الله على أفعاله. لكن الشارع العربي من السنة والشيعة التأموا خلف حزب الله. إن تصريحات الحكومتين السعودية والمصرية تعادل قيمتها تلقي بطاقة تهنئة من ماري أنطوانيت يوم رأس السنة في العام 1789.
سوريا وإيران تحصلان على وصولٍ مجاني. مقاتلو حزب الله يقاتلون ويموتون, ودمشق وطهران تجمعان الأرباح.
إسرائيل تبدو مترددة وغير قادرة, مما يشجع أعداءها.
quot;المجتمع الدوليquot; أراد وقفاً لإطلاق النار, مما سيفيد الإرهابيين فقط. سيدعي حزب الله (وهو ادعاء صحيح) بأنه قاوم الهجوم الإسرائيلي. ولا يمكنه أن يحصل على أفضل من هكذا دعاية لتجنيد الإرهابيين.
سيكون وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة. شكراً. لا توجد أي من قوى الأمم المتحدة يمكنها أن تحمي مصالح إسرائيل, لكن كثيراً من فرق الأمم المتحدة ستتعاون معها أو تغمض أعينها عن الإرهابيين. هل تظنون أن روسيا نزيهاً وسيطاً؟ اسألوا يهودها الذين هربوا إلى إسرائيل. هل سيحمي الجنود الفرنسيون مصالح إسرائيل؟ اسألوا اليهود عن بيروقراطيي فيتشي الذي أرسلوهم إلى مخيمات الموت (الفرنسيون أكثر معاداة للساميّة من الألمان, لكنهم أقل كفاءة).
نقطة مضيئة واحدة: تواصل إدارة بوش مقاومة المحاولات الدولية لإجبار إسرائيل على وقف لإطلاق النار قبل الأوان المحدد. ولم يكن سفر وزيرة الخارجية كوندليزا رايس للتدخل في دفاع إسرائيل عن نفسها.
لكن الساعة تدق, ويمكن لواشنطن أن تشتري لإسرائيل الكثير من الوقت.
كل صاروخ يسقط في إسرائيل بمثابة انتصار دعائي لحزب الله. بعد أكثر من 1000 ضربة جوية إسرائيلية تواصل الصواريخ السقوط وتبدو إسرائيل عاجزة. وأصبح ثمن إنقاذ جنود المشاة الإسرائيليين ارتفاع حزب الله إلى المستوى البطولي في أرجاء العالم الإسلامي.
حكومة أولمرت تحاول أن تشن حرباً زهيدة الثمن. وهذه الجهود دائماً ما ترفع الكلفة في النهاية. أولمرت يشابه الرئيس بيل كلينتون, حيث يريد أن يلقي القنابل على مسافةٍ ما, لكنه لا يريد أن يقبل أن الحرب تعني الإصابات الصديقة.
تحتاج إسرائيل إلى التمسك بسلطة الإعلام العالمي. لطالما كانت فخورة بمضيها في طريقها في مواجهة معاداة الساميّة الإبادية, فإن على إسرائيل أن تدرك الآن أن وسائل الإعلام يمكنها أن تقلب القرار في أرض المعركة. وحتى لو نجحت إسرائيل في الفوز في اللحظة الأخيرة على الأرض, فإن آلة الدعاية المعادية لإسرائيل قد أُعطيت البداية المفضلة التي يمكن أن يصور فيها حزب الله على أنه المنتصر.
إن الوضع مروّع؛ فإسرائيل تبدو يائسة كل يوم, بينما يبدو حزب الله أكثر قدرة على التحدي.
ويضيف بيترز أن هذا في أساسه أكثر بكثير من منطقة حدودية في جنوب لبنان, فهو على المدى البعيد يتعلق بوجود إسرائيل, وبمنع ظهور إيران نووية وتقوية النظام الخطر في سوريا. كما أنه أيضاً يتعلق بمستقبل لبنان, فالجميع هم الضحية.
إن الفوضى التي صنعتها إسرائيل خلال فرصتها لتحطيم حزب الله يجب أن تكون دعوة لإيقاظ قيادة البلاد. إن قوات الدفاع الإسرائيلية تبدو مثل ظلٍ مثير للشفقة للجيش الذي قاده أرييل شارون إلى مصر منذ ثلاثة عقود. استخبارات قوات الدفاع الإسرائيلية في استهدافها وتخطيطها كانت فاشلة. فشلت التقنية في هزيمة الأجساد الحية. إن أسطورة مناعة قوات الدفاع الإسرائيلية قد تحطمت.
إذا لم تستطع إسرائيل أن تحول هذا الوضع بسرعة, فإن الفشل سيكون نقطة تحول في تاريخها. وليس تحولاً إلى الأفضل.
ترجمة: سامية المصري
22 يوليو 2006
التعليقات