دعا لاجتثاث جذور الفساد بمؤسسات السلطة
حواتمه لـ(إيلاف) : لتتعلم فصائلنا من درس لبنان

سمية درويش من غزة : قال نايف حواتمه الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، في حوار مع quot;إيلافquot; ، بان الحرب الإسرائيلية على لبنان كان مخططا لها أن تعبر مباشرة إلى قطف ثمار إقليمية ودولية ، متجاوزة حدود حل إسرائيلي- لبناني يستند إلى ضمانات تثبيت وقف لإطلاق النار، وتمنع تكرار عملية خطف الجنود الإسرائيليين ، وإبعاد مقاتلي حزب الله إلى خارج منطقة الليطاني. وعلى الصعيد الفلسطيني ، شدد أبو خالد ، على ضرورة مكافحة الهدر في موازنات السلطة ونفقاتها الجارية ، واجتثاث جذور الفساد الاقتصادي والإداري المستشري في كل مؤسسات السلطة الفلسطينية ، مطلقا عبر quot;إيلافquot; ، مبادرة جديدة لتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية ، وتشريع قوانين التمثيل النسبي بكل مؤسسات المجتمع النقابية والمهنية والجماهيرية والاجتماعية.

وفي ما يلي نص الحوار :

1)الحرب الإسرائيلية على لبنان انتهت، بينما الهجمات الإسرائيلية على غزة متواصلة ، برأيكم كيف يمكن الخروج من حالة الحرب هذه ؟
الهجوم الإسرائيلي على لبنان لم يكن مفصولا عما سبقه ، وما يزال مستمرا ومفتوحا على الشعب الفلسطيني ، لذلك حذرنا من سذاجة محاولات البعض إيجاد فصل بين الهجومين تحت حجه واهية تقول بعدم تحميل القضية الفلسطينية نتائج الهجوم على لبنان.
وقلنا ان هذا الفصل غير ممكن ، دون إغفال ظروف وشروط المنظمات المسلحة اللبنانية والفلسطينية ، وقد جاءت وقائع الهجوم الإسرائيلي الوحشي ومسار تطوره لتؤكد بما لا شك فيه أنه هجوم مبيت بتواطؤ أميركي ، اتخذ من أسر حزب الله لاثنين من جنوده ذريعة وغطاء للبدء في تدمير البنية التحتية اللبنانية ، وترويع السكان المدنيين العزل وفق quot;بنك الأهدافquot; المعد على مساحة ست سنوات كاملة، ولو كان الأمر غير ذلك لاختارت حكومة ايهود أولمرت وقيادة جيش الحرب الإسرائيلية ان يقتصر الصراع مع المقاتلين اللبنانيين. ان أي مراقب متبصر لا بد وأن يلاحظ عدد المرات التي أعيد بها تذخير سلة المطالب الإسرائيلية والأميركية كشروط لفرضها ثمنا لوقف إطلاق النار ، وتوقف إسرائيل عن قصف لبنان بشرا وحجرا وشجرا.
ومنذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية لم يعد مطلب استرداد الجنديين الإسرائيليين يمثل أولوية في قائمة المطالب والأهداف الإسرائيلية، لأنها وعلى ضوء ما أعلن من المطالب والأهداف أصبحت أمرا تفصيليا لا يحسب له حساب ، وعبرت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس عن ذلك بالقول إن الحرب على لبنان تندرج في إطار quot;مخاض ولادة شرق أوسط جديدquot;، كما ان أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي أطلق عدة تصريحات في ذات الاتجاه، بشر فيها بأن وجه الشرق الأوسط سيتغير بعد تكلل الحرب الإسرائيلية بـِ quot;النصرquot;، لذلك فإن الوصف الأدق لهذه الحرب الإسرائيلية هو أنها ذات بعد إقليمي ودولي بأهداف مباشرة وغير مباشرة.وكان مخططا لها أن تعبر مباشرة إلى قطف ثمار إقليمية ودولية، متجاوزة حدود حل إسرائيلي لبناني يستند إلى ضمانات تثبيت وقف لإطلاق النار، ويمنع تكرار عملية خطف الجنود الإسرائيليين، وإبعاد مقاتلي حزب الله إلى خارج منطقة الليطاني، تمهيدا لتنفيذ القرارين 1559 و 1680 القاضيين بسحب أسلحة كل الميليشيات بما في ذلك سلاح المنظمات اللبنانية ، الذي صنف كسلاح استنفذ شرعيته بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني (أيار/ مايو 2000). لقد تغيرت كل الحسابات بعد ان اصطدمت بصد الهجمات من قبل المقاتلين اللبنانيين ، فارتدت الجهود الأميركية والإسرائيلية إلى استغلال التهالك الرسمي العربي والإسلامي، وما مثله من خاصرة رخوة، منعت تشكيل مظلة داعمة ومساندة ، يتم من خلالها تثمير الصمود اللبناني المنقطع النظير بانتصار سياسي، رغم تطور المواقف الرسمية العربية بالقياس على الأيام الأولى، بفعل مجازر الأطفال، وصمود المقاتلين ، وبدايات نهوض الجماهير العربية. ولا أدل على ذلك من رفض وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في بيروت توجيه مجرد تحية إلى المقاتلين بلبنان التي كسرت اتفاقات 1985 الإقليمية العربية بحصر المقاتلة فقط بأمل وحزب الله ، واتسعت الآن بمقاومة الأمر الواقع لتشمل من جديد الشيوعيين ، والقوميين الاجتماعيين بجنوب لبنان ، وصمودها وتضحياتها، وفي خذلانها لمقاتلي لبنان كررت الرسميات العربية ما فعلته مع المجموعات المقاتلة الباسلة في فلسطين والعراق. وهي بذلك (أي الرسميات العربية) توجه رسالة واضحة إلى المقاتلين العرب في فلسطين ولبنان والعراق ، فحواها أن هذه الرسميات قد حسمت خياراتها، ولم تعد بوارد دعم ما تسميه بمثل هذه المغامرات ، وهذا يملي على القوى المقاتلة أن تأخذه بعين الاعتبار في حساباتها، وأن تعتمد أولا وأخيرا على قواها الذاتية، وحمايتها بسياج الوحدة الوطنية الائتلافية، وهذا الدرس الكبير الأول الذي على الفصائل الفلسطينية استيعابه والعمل به من جديد الآن وليس غدا.
من هنا لا يبدو مفهوما موقف بعض القوى الفلسطينية المعطلة لتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني، بدلا من العمل على إعادة الاعتبار للعمل الفلسطيني المشترك، وبناء الوحدة الوطنية، وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية ائتلافية، ومغادرة سياسة الاحتكار والاحتكار البديل للسلطة، وتمزيق الوحدة في مواجهة الاحتلال تحت شعار quot;سلطة ومعارضةquot; بالنقيض من قوانين حركات التحرر الوطني، وآخرها الآن تجربة لبنان .
اننا بوحدتنا نستطيع مواجهة الهجمات الإسرائيلية، ونوقع بها ضربات موجعة، هذا هو طريق النصر الآتي الذي سيكلل بفجر الاستقلال والعودة وتقرير المصير لشعبنا.
س2: حماس ما زالت تشترط تشكيل الحكومة الجديدة بخروج الوزراء والنواب، بينما إسرائيل يمكنها اعتقال أي من الشخصيات وقت ما شاءت. ما هو دور الفصائل للضغط على حماس للقبول بتطبيق ما جاء بوثيقة الوفاق الوطني لتشكيل الحكومة الموحدة ؟
التوافق الوطني الفلسطيني على وثيقة الوفاق الوطني لم يأت معلقا على شروط، ومع تفهمنا للظروف الصعبة والدقيقة التي تمر بها الأوضاع الفلسطينية ككل، بما فيها أوضاع السلطة الفلسطينية رئاسة وحكومة ومجلسا تشريعيا، إلا أنه لا يجب الاستمرار في تعطيل وثيقة الوفاق الفلسطيني ،انطلاقا من حسابات خاصة، مع تأكيدنا على أن التطبيقات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار كل هذه الظروف، وتوجد لها الحلول المناسبة.
ونحن نرفض منطق ممارسة الضغوط وننادي بالحوار البناء والهادف من أجل حماية وحدتنا الوطنية، وتجسيد ذلك من خلال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، فالزمن لن يسير في صالحنا إذا لم نرتق بأدائنا النضالي، ونفعل مؤسساتنا الوطنية، ونعيد بناءها على أسس ديمقراطية، والإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية للسلطة الفلسطينية يمثل قاعدة الانطلاق نحو ذلك.
وعليه نطلق الآن مبادرة جديدة بإعلان صادر عن المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني وفي المقدمة حكومة وحدة وطنية ائتلافية، وتشريع قوانين التمثيل النسبي بكل مؤسسات المجتمع النقابية والمهنية والجماهيرية والاجتماعية.
س3: حكومة حماس فشلت بتطبيق برامجها على ما يبدو، هل تعتقد ان الوضع سيتغير في حال تم تشكيل حكومة وطنية حيث تتغلب على كافة المشاكل، ومن ضمنها فك الحصار المالي ؟
في مقابلة سابقة ، بينت مجموعة ملاحظاتنا على الشق الاقتصادي والاجتماعي الذي تضمنه برنامج حكومة الأخ إسماعيل هنية في جلسة طلب الثقة من المجلس التشريعي المنتخب، ويمكن أن نلخصها بالتالي متضمنة الموقف من التطورات اللاحقة:
أولا: اتساع نطاق الحصار الشامل الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي منذ انتفاضة الاستقلال (أيلول/ سبتمبر 2000) على المناطق المدارة من قبل السلطة الفلسطينية، ودخول الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأوروبية على خط هذا الحصار ماليا، تحت ذريعة رد الفعل على نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وتشكيل حركة حماس لحكومة السلطة الفلسطينية أدى إلى خنق الاقتصاد الفلسطيني بالكامل.
ثانيا: التدهور الحاد في أداء الاقتصاد الفلسطيني الذي بدأ منذ العام 2000، ووصل إلى درجات قياسية في العام 2006 على ضوء الحصار المالي، ما أدى إلى ارتفاع مستويات الفقر إلى أكثر من 70%، ونسب البطالة إلى أكثر من 62%، وعجز موازنة السلطة الفلسطينية عن تغطية النفقات الجارية.
ثالثا: قيام إسرائيل بتدمير البنية التحتية لمناطق السلطة الفلسطينية، وإتباع سياسة الأرض المحروقة أجبر السلطة الفلسطينية على تغيير أولويات صرف وبنود الموازنة العامة، وتوظيف المساعدات الخارجية المقدمة من الجهات الأجنبية المانحة، لتركيزها في تغطية النفقات الجارية بالحدود الدنيا، على حساب مشاريع التنمية متوسطة الأجل والطويلة على حد سواء.
رابعا: الممارسات الإسرائيلية والخلل في طبيعة بنية الاقتصاد الفلسطينية، أدت إلى تعميق تبعيته الكولونيالية للاقتصاد الإسرائيلي، وارتهانه لمساعدات الدول المانحة المقرونة بشروط سياسية معروفة.
وبرأينا البرنامج الذي طرحته حكومة الأخ إسماعيل هنية لا ولن يلبي هدف معالجة الخلل على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، لأن هذا البرنامج في توجهاته العامة يأخذ بمبادئ العقيدة الليبرالية الجديدة التي أدت إلى الكوارث الكبرى في بلدان عربية وآسيوية وافريقية وفي أميركا اللاتينية، وهذا من حيث الجوهر يتناقض مع الحاجات الحقيقية لبناء اقتصاد فلسطيني يقف في مواجهة الاحتواء والإلحاق الكولونيالي للاقتصاد الإسرائيلي، وتأمين مورد مالي للسلطة الفلسطينية يسد نفقاتها، ويخلصها تدريجيا من سطوة شروط الجهات المانحة، وتأمين مستلزمات بناء البنية التحتية، والتركيز على المشاريع الاستثمارية والتنموية بعيدة المدى.
وهو ما يعجز عنه القطاع الخاص في اقتصاد صغير مثل الاقتصاد الفلسطيني ، لا يتعدى الناتج القومي فيه خمس مليارات دولار أميركي، ناهيك عن واقع استمرار الاحتلال وممارساته ، وما يشكله من قوة نابذة للاستثمارات المحلية أو الخارجية ، لذلك يجب أن تستند المعالجات إلى الأسس التالية:
* انتهاج سياسة اقتصادية تتجاوز معوقات السياسات الاقتصادية التقليدية، والوصفات الجاهزة للجهات والدول المانحة، التي تفرض غالبا شروطا قائمة على أساس اقتصاد سوق كامل دون ضمانات اجتماعية، متجاوزة حقيقة أن بناء الاقتصاد الفلسطيني المستقل هو تأسيس واستكمال للتحرر الوطني الفلسطيني في آن، وبديلا عن ذلك يجب على السلطة الفلسطينية أن تكيف التنمية مع السمات الحالية المميزة للاقتصاد الفلسطيني، بما يمكنها تدريجيا من فك تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، والاعتماد على مساعدات الدول المانحة.
* إعطاء الأولوية لعملية بناء القطاع العام، بجانب تشجيع بناء القطاع الخاص، والمشاريع ذات المردود المالي، التي تجمع في تقييم عملها بين معياري الربح، وتقديم الخدمات العامة للفئات الفقيرة والكادحة.
* مكافحة الفساد والهدر في موازنات السلطة ونفقاتها الجارية، وصياغة إستراتيجية اقتصادية مجتمعية تنموية، على قاعدة الإصلاح الجذري والشامل، واجتثاث جذور الفساد الاقتصادي والإداري المستشري في كل مؤسسات السلطة الفلسطينية، ومراجعة البنية الإدارية لهذه المؤسسات، المترهلة والمثقلة بالبيروقراطية، ومن الجدير ذكره أن نسبة الهدر تتجاوز الـ 40% من الموازنة.
* انتزاع حق مراجعة الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والتي تفرض على الاقتصاد الفلسطيني الارتهان للاقتصاد الإسرائيلي، وتعطي لإسرائيل أفضلية في التعامل التجاري، وتقيد التجارة الفلسطينية في الاستيراد والتصدير، والمعاملات الماليـة، وعلى وجـه الخصوص اتفاقيتي باريس 1 وباريس 2.
ويمكن لأي حكومة وحدة وطنية إذا ما أخذت بالملاحظات السابقة ودعمت ببرنامج سياسي جديد وموحد يستند إلى وثيقة الوفاق الوطني، أن تكسر الحصار، وتعالج الأوضاع المأساوية التي يعيشها أبناء شعبنا في ظل الحصار الظالم والجائر، بما يعزز من صمودهم في مواجهة الحرب الإسرائيلية الدموية المفتوحة والمستمرة.
وفي الختام أشدد على ضرورة الانتباه إلى أن الحصار المالي والاقتصادي المفروض على شعبنا من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية هو أحد الأعمدة الرئيسية لسياسة الاحتلال الإسرائيلي المدعوم أميركيا، والقصد من خلفه النيل من صمود وإرادة شعبنا، لكن هذا لن ينجح ، فنحن طلاب حرية وتحرر واستقلال، ودون ذلك تهون الأنفس والأموال وكل شيء على وجه الكرة الأرضية.