تجميد الاستيطان وهم تسوقه إسرائيل على الفلسطينيين والعالم

أسامة العيسة من القدس: لم تشعر المواطنة الفلسطينية مريم صلاح، بأي مفاجأة، عندما سلمتها قوات الاحتلال إخطارا بهدم منزلها في منطقة أم ركبة، جنوب القدس، التي يطوقها جدار العزل الاستيطاني الذي تبنيه الحكومة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتسلمت صلاح، وستة من عائلتها اخطارات بعدم منازلهم التي تبلغ مساحتها نحو 1600 مربع، قبل أن يجف حبر القرار الذي أعلنه اهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي بتجميد الاستيطان، وتأكيد المفاوض الفلسطيني المخضرم صائب عريقات، على ذلك واشارته إلى أن التجميد الإسرائيلي يشمل ما اسماه النمو الطبيعي في المستوطنات.

وخلال تسليم الاخطارات بهدم المنازل، هدمت الجرافات الإسرائيلية، آبارا للمياه تعود للسكان في المنطقة، التي أقيمت على أرضهم مدينة افرات الاستيطانية التي تتوسع بشكل يومي، وتم تسليم آخرين اخطارات بهدم آبار أخرى.

وتسليم الاخطارات هو إجراء شكلي إلى حد بعيد، لا تلجا إليه سلطات الاحتلال دائما، ولكن في بعض الأحيان، ويعطي فرصة لصاحب المنزل لاخلاء منزله قبل الهدم.

مستوطن على يصلي وناظريه على المسجد الاقصى

وما حدث في منطقة أم ركبة، هو تفصيل صغير في ملحمة إسرائيلية متواصلة منذ عام 1967، عندما بدأت طلائع المستوطنين المعبئين بالفكر التوراتي، بالاستيلاء على التلال الفلسطينية، وبعد أربعين عاما من الاحتلال، حققت هذه الحركة نجاحا مذهلا، حيث وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية بدون القدس نحو ربع مليون مستوطن، يعيشون في مدن استيطانية على قمم الجبال تحيط بالمدن الفلسطينية الرئيسية وتفصلها عن بعضها البعض، بالإضافة إلى فصل غور الأردن بمجموعة من المستوطنات على امتداده عن الأراضي الفلسطينية، والمستوطنات التي تشكل امتدادا للقدس الكبرى وفقا للمفهوم الإسرائيلي، والمستوطنات الأخرى على طول الخط الأخضر الوهمي الذي يفترض أن يشكل الحدود بين الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948 وتلك التي احتلت عام 1967.

ووفقا للمراقبين، فانه مقابل النجاح الإسرائيلي في الاستيطان في الأراضي المحتلة، تجاوزا للقانون الدولي، وتحديا لدول العالم التي تعتبر بان الاستيطان غير شرعي، فان ما حدث تم في ظل فشل النشاط الفلسطيني المضاد للاستيطان في تحقيق نجاحات، والذي لم يراكم تجربة يمكن الاستفادة منها واستخلاص دروسها، وما زالت مظاهر مواجهة الاستيطان لا تخرج عن المجالات الإعلامية والمظاهر الاستعراضية، وعادة ما تكون التظاهرات المنددة بالاستيطان مناسبة للسياسيين للقدوم والقاء الخطب التي تكون في معظم الأحيان نارية، وبعد أن تنتهي هذه التجمعات يعود السياسيون بسياراتهم الفارهة ومرافقيهم إلى مكاتبهم ومنازلهم، ويبقي الفلاح الفلسطيني، يواجه لوحده، وفي ظرف تاريخي حساس، موجة الاستيطاني التوراتي، التي يقودها طلائعيون يهود يعتبرون أنفسهم مخولين من الرب في استيطان كل بقعة من التلال الفلسطينية المبهرة.

وطوال أربعة عقود، تتكرر قصة مريم صلاح، والتي تتلخص بمأساة العصف بالمكان الفلسطيني وقاطنيه وقيمه، على مرأى من العالم اجمع، وفي كثير من الأحيان في غفلة عن فصائل العمل السياسي الفلسطيني، وتفرج الرأي العام العربي وصمته المريب.

ووفقا لمراقبين محليين، فان قرار اولمرت الذي اتخذه عشية عقد مؤتمر انابلويس، وتمهيدا له، ليس الأول من نوعه، ولكن الغريب أن يصدقه الجانب الفلسطيني والعالم، رغم انه مستحيل التحقيق، فقرارات تجميد الاستيطان، حتى لو تم افتراض النية الحسنة لدى الإسرائيليين، لا تشمل القدس، وهي بالمفهوم الإسرائيلي تساوي مساحة ثلث الضفة الغربية، والعمل في المستوطنات المحيطة في القدس لا ينتهي، من تجمع كفار عتصيون، جنوبا، إلى معالية ادوميم شرقا، إلى عوفرا، شمالا، وما بين هذه المستوطنات الكبيرة من مستوطنات أخرى صغيرة.

ولا يشمل القرار كذلك المدن الاستيطانية التي تعتبرها إسرائيل أحياء من quot;العاصمة الأبديةquot; مثل جيلو، وهار جيلو، وغيرها من مستوطنات مقامة على تلال تم مصادرتها بعد عام 1967 وتابعة لبلدة بيت جالا الفلسطينية، او هار حوما المقامة على جبل ابوغنيم.

وايضا لا يشمل القرار النشاط الاستيطاني داخل القدس نفسها، ومن بين ذلك البؤر الاستيطانية داخل القدس الشرقية المحتلة عام 1967، ومن ضمنها الأماكن المقدسة داخل السور، حيث تستمر أعمال الحفريات والاستيلاء على المنازل في البلدة القديمة، وخارجها مثل بلدة سلوان.

يحتلون مسجدا فلسطينيا

والمثير، بان أي قرار بتجميد الاستيطان تعلنه إسرائيل يتصدر وسائل الإعلام، ويتم التعامل معه من قبل السياسيين الفلسطينيين بجدية، ولكن لسوء حظ الحكومات الإسرائيلية، فان تكذيب قراراتها يأتي من الجهة التي يفترض أن تلتزم الصمت، ولكنها لا تفعل ذلك، وهي المستوطنون، الذي يسارعون إلى رفض أي قرار لتجميد الاستيطان ويردون عليه، في كل مرة باحتلال تلة أو اكثر من التلال الفلسطينية، وفي هذه المرة يتلقون دعما علنيا من اهود براك، وزير الدفاع ورئيس حزب العمل الشريك الرئيسي لاولمرت في الحكومة.

ويعمل المستوطنون مستلهمين، فلسفة رواد الاستيطان الاوائل في فلسطين، والتي تقوم على فرض حقيقة على الأرض ثم حقيقة أخرى، وسلب هكتار من الأرض ثم هكتار اخر، وبناء منزل متنقل ثم منزل دائم، وهكذا.

واثبتت فلسفة التراكمات هذه نجاحها، في عام 1948، عند إقامة إسرائيل، وبعد أربعين عاما من احتلال الضفة الغربية، بإقامة المدن الاستيطانية وربطها بشوارع ضخمة بالقدس، وداخل إسرائيل، وإعادة رسم جغرافيا جديدة، تجعل أي حل سياسي غير قابل للتحقيق، إذا ما قررت إسرائيل في يوم من الأيام الاستجابة للشرعية الدولية، والانسحاب من الضفة الغربية.

وفي ظل ملحمة الاستيطان هذه، ليس لمريم صلاح سوى التفكير بالخيمة التي ستقضي فيها الشتاء مع أطفالها، بعد هدم منزلها، وتترك لاخرين وضع ما يحدث من تصعيد استيطاني في إطاره السياسي مثل خالد العزة، رئيس لجنة مجابهة الاستيطان والدفاع عن الأراضي الذي قال لايلاف quot;ما يحدث بالنسبة لقرارات هدم المنازل السبعة، يثبت بان إسرائيل غير جادة بأي عملية سلامquot;.

واضاف quot;يبدو أن إسرائيل تريد أن تكون الطريق إلى انابلويس معبدة باستمرار العمل بالجدار، وهدم المنازل وقطع الأشجار، ومصادرة الأراضي، وانتهاكات حقوق الإنسان الفلسطينيquot;.

يصلون على انقاض منزل فلسطيني

وحث العزة الحكومة الإسرائيلية على وقف اجراءتها فورا إن كانت معنية حقا بالسلام، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية. ويبدو أن هذا الكلام، وتصريحات عريقات حول وقف النمو الطبيعي للمستوطنات، لا تعني كثيرا لمريم صلاح، التي يهمها مصير أطفالها بعد هدم منزلها، وتدرك بما تراكم للفلاح الفلسطيني من تجارب السنوات، ان عليها ان تواجه مصيرها بمفردها.