سنتان على جلاء آخر جنودها بعد quot;إقامةquot; 30 عامًا
سورية لا تزال قوية في لبنان

الياس يوسف من بيروت: في مثل هذا اليوم 26 نيسان (أبريل) منذ قبل عامين خرج آخر الجنود السوريين من لبنان بعد 30 عامًا على دخوله، وكان خروجهم تحت وطأة تطورين يشكل كل منهما حدثًا كبيرًا ذا إرتدادات ضخمة، أولهما دولي تمثل في القرار الدولي رقم ١٥٥٩ الذي نص على إنسحاب القوات السورية، والثاني داخلي تمثل في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. وهكذا كانت النهاية المأسوية لحياة الحريري بداية لحركة استقلالية سيادية أخذت مداها وشكلها الواضح في ١٤ آذار (مارس) ٢٠٠٥ ، معلنة من جهة انضمام قوى إسلامية بارزة إلى الموقف المسيحي المعارض للوجود السوري العسكري والذي كان قد عبّر عنه النداء الشهير للأساقفة الموارنة في أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٠ ، وكاشفة من جهة تقاطعًا يحصل للمرة الأولى بين مصالح عربية ودولية وبين موقفين لبناني ودولي ضد سورية في لبنان.

أدى إغتيال الحريري إلى التسريع في وتيرة الإنسحاب السوري وبدرجة فاقت التوقعات، ولم يكن كثيرون يتوقعون أن يشمل الإنسحاب منطقة البقاع. وسادت بعد الانسحاب القسري فكرة أن لبنان خرج نهائيًا من العصر السوري ليدخل العصر الدولي، وأن الخروج السوري من لبنان كان نهائيًا وخروجًا من دون عودة، وان هذه البلاد دخلت مرحلة جديدة مختلفة في روحيتها وتوازناتها ومعادلاتها مقارنة بما كان قائمًا وسائدًا،ولكن بعد سنتين من الخروج السوري يتبيّن أن كثيرًا من هذه التوقعات لم تصح، وأن الوضع في لبنان لم يشهد تغييرًا جذريًا وquot;إنقلابيًاquot;، ولا أحرز تقدمًا لأسباب عدة.

ويأتي في طليعة هذه الأسباب عجز قوى quot;ثورة الأرزquot;، أو١٤ آذار (مارس) عن قطف ثمار الإنسحاب السوري وإحداث التغيير المرتقب والمطلوب. وباستثناء الإنجاز الذي حققته بحيازة أكثرية نيابية وحكومية، لم تنجح في مشروع إعادة بناء الدولة وحتى في السيطرة على الوضع وإدارته في شكل كامل ومحكم، بصرف النظر عن الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة، وما إذا كانت تعود إلى عدم إمساكها بمفاصل السلطة وإستمرار مواقع في الدولة وخارجها خارج سيطرتها، بمعنى أنها وصلت إلى الحكم ولكن من دون أن تحكم، وكذلك بصرف النظر عما إذا كانت الأسباب تتعلق بقرارات سياسية إعتبرت تسوية أو خاطئة في نظر الغالبية نفسها ومنها عدم إكمالquot; انتفاضةquot; ١٤ آذار في إتجاه القصر الرئاسي وحمل رئيس الجمهورية إميل لحود حليف النظام السوري الممدد له قسرًا على مغادرته ، وكذلك قبول هذه القوى بخوض الانتخابات النيابية على أساس قانون العام ٢٠٠٠ الذي وضعه النظام السوري لضمان استمرار هيمنته على لبنان، وإعادة رئيس حركة quot;أملquot; نبيه بري الى رئاسة مجلس النواب، وإدخال quot;حزب اللهquot; الى الحكومة في ظل تحالف رباعي موازٍ لتحالف قوى ١٤ آذار (مارس)، مع ما رافق هذا الدخول من تسويات ومساومات استغلها الحزب لاحقًا في مواجهته مع الغالبية، ولا سيما في ما يتعلق بـ quot;سلاح المقاومةquot; ... وصولاً إلى الوقوع في فخ مؤتمري quot;الحوار الوطنيquot; وquot;التشاورquot; وما سوى ذلك من أخطاء كان ممكنًا تفادي بعضها ربما، وبعضها كان كالقضاء والقدر، لا يرد .

في الموازاة برز quot;حزب الله quot; قوة أساسية بعد خروج سوريا، مثبتا انه يتمتع بقدرات ذاتية سمحت له ليس بحفظ دوره وموقعه فحسب، إنما أيضًا في الحؤول دون حصول إنهيار تام لوضع النظام السوري وحلفائه في لبنان، وفي أن يكون شريكًا للأكثرية في إدارة الوضع ومؤهلاً لوراثة الدور السوري. ولم تكن مرحلة ما بعد الخروج السوري مرحلة إستقرار في الوضع اللبناني، كما أنها لم تشهد تحسنًا في العلاقات اللبنانية - السورية، لا بل إن ما حصل هو النقيض تمامًا. فالوضع في لبنان في دائرة التأزم ومتجه إلى مزيد من التوتر السياسي المصحوب بتوترات أمنية، والمسافة السياسية الفاصلة بين بيروت ودمشق إلى إتساع، وذلك بعد محاولة يتيمة لتقريبها، ومن طرف لبناني واحد جرت في مؤتمر الحوار الوطني.

وتبدي الأكثرية في لبنان إقتناعا تامًا بأن النظام السوري لم يهضم إنسحابه من لبنان ولا يزال يراوده حلم العودة والسيطرة، ولكن في أشكال سياسية وأمنية وليست بالضرورة عسكرية، ولذلك تدفع دمشق الوضع اللبناني في إتجاه الأزمة كي تبرهن أن لا إستقرار في لبنان من دونها وأن اللبنانيين عاجزون عن إدارة شؤونهم بأنفسهم.

أما حلفاء النظام السوري فيعربون عن إقتناع بأن الأكثرية في معاداتها لسورية حتى بعد خروجها من لبنان مرتبطة بالمشروع الأميركي في المنطقة وبمشروع هيمنة واستئثار في الداخل، وتستقوي بالدعم الخارجي. وأيًا يكن رأي هذا الفريق أو ذاك، الثابت أن النظام السوري رغم خروجه العسكري من لبنان لا يزال يحتفظ بتأثير سياسي كبير فيه عبر حلفائه الأقوياء سياسيًا وشعبيًا وعسكريًا وإعلاميًا وعقيديًا. وإن النظام السوري الذي إجتاز أصعب سنتين في حياته، يتصرف على أساس أن المرحلة الصعبة أصبحت وراءه، وأن الضغط الدولي عليه إلى إنحسار سواء كان تحت ستار المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري ورفاقه أم تحت ستار آخر. والمهم بالنسبة إلى دمشق اليوم هو الصمود، ثم الصمود... إلى أن يدرك العرب والعالم، الشرق والغرب، أن لبنان خارج دائرة النفوذ السوري هو وطن الحرائق والدمار وأشكال الحرب.