تجاهل الدور السوري لا يترك مكاناً للتفاؤل
مضيعة لبنانية للوقت في باريس
إيلي الحاج من بيروت: غادر موفد وزير الخارجية الفرنسي جان كلود كوسران بيروت بعدما سلم القادة اللبنانيين الـ 14 الدعوات إلى المشاركة في مؤتمر الحوار اللبناني الذي تنظمه الخارجية الفرنسية، تحت عنوان quot;إعادة الثقة بين الأفرقاءquot;، وبعدما تأكد أن جميع الأطراف الذين شاركوا في مؤتمر الحوار وجلسات التشاور سابقًا في بيروت، سيحضرون إلى قصر لاسل سان كلو في باريس ويشاركون في المؤتمر بين 14 تموز/ يوليو الحالي و16 منه .
ولكن ما حظوظ نجاح الحوار اللبناني في باريس، بعدما أخفق مرتين ووصل إلى طريق مسدود في بيروت؟
ولكن على الرغم مما تبديه فرنسا من اصرار على quot;التدخل الحواريquot;، ومن تعاطٍ حذر ومتأنٍ، تبقى مبادرتها اللبنانية محفوفة بالأخطار السياسية وتتقدم في حقل ألغام . واذا كان من الاجحاف والمبالغة وصف المؤتمر الباريسي بأنه quot;سياحة سياسية quot; وتسخيفه الى هذا الحد، فسيكون في غير محله تعليق آمال على هذا المؤتمر وتحميله أكثر مما يتحمل، كأن يعتبر نقطة تحوّل في مجرى الوضع والأزمة، او كأن يكون منتظرًا منه ان يحقق اختراقًا مهمًا وجوهريًا.
أما الأسباب والعوامل التي تدفع في اتجاه توقعات حذرة، ففي طليعتها وضع الأفرقاء المتصارعين المتحاورين أنفسهم ، إذ تفتقد العلاقة بينهم quot;عامل الثقةquot; كما تفتقد المواقف الى المرونة وما يوحي الاستعداد لتقديم تنازلات متبادلة. فإذا كان الحوار في باريس سيدور حول عنوانين هما الحكومة وانتخابات الرئاسة ويستكشف امكانات قيام حكومة وحدة وطنية وحصول توافق رئاسي، فإن هذا البحث سيصطدم باستراتيجية الطرفين السياسية المتعارضة وبفجوة سياسية يصعب ردمها. وذلك لأن الغالبية أو قوى 14 آذار/ مارس تتحرك من ضمن خطين هما: انتخاب رئيس من صفوفها او quot;فلكهاquot;، وعدم اعطاء المعارضة الثلث المعطل للقرارات الحكومية. في حين ان موقف المعارضة بقيادة quot;حزب اللهquot; محكوم بحدين هما: عدم السماح بوصول رئيس من ١٤ آذار/ مارس، وعدم القبول بتسلم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الحكم في ظل فراغ رئاسي، ما دامت الإنتخابات لن تحصل لعجز الغالبية عن توفير نصاب الثلثين لجلسة الإنتخاب.
ويبرز بين الأسباب الداعية الى الحذر أيضًا الترابط الوثيق بين الأزمة اللبنانية وأزمات المنطقة، مضافًا إليه ارتفاع درجة النفوذ والتأثير الاقليمي الدولي في الوضع اللبناني، وبالتالي لا يتوقف حل الأزمة على ارادة لبنانية فحسب، حتى لو توافرت ارادة الحل، باعتبار ان القرار ليس كله في أيدي اللاعبين اللبنانيين، انما يتوقف على تفكيك الألغام الاقليمية الدولية على الأرض اللبنانية وينتظر خصوصًا تطور الحوار الأميركي - الإيراني ووجهة العلاقة السعودية - السورية.
أما العامل الأهم والذي لا يدعو إلى التفاؤل بحلول وإيجابيات فهو غياب سورية عن الصورة، إذ تجري كل الاتصالات والمبادرات في معزل عنها، خصوصًا بعد تعطل مشروع الانفتاح الفرنسي على دمشق التي استثناها الموفد كوسران من جولته التمهيدية للمؤتمر. وبصرف النظر عن أسباب هذا التعثر، وما اذا كانت باريس قد استعجلت انفتاحًا على سورية من دون تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة، أو ما اذا كانت دمشق فهمت خطأ الرسالة الايجابية التي وصلتها من باريس وفسرتها بداية تغيير في السياسة الفرنسية بعد انقضاء عهد الرئيس جاك شيراك وليست دعوة الى بداية تغيير في السياسة السورية في لبنان، فالثابت أن الغياب السوري هو الثغرة الأساسية التي تهدد المبادرة الفرنسية حاليًا. وسورية التي تمارس دورًا ونفوذًا في لبنان عبر حلفائها وحلفائهم لن ترضى بحلول لا تشارك في صنعها، ولا تقبل أن يمون عليها او ينوب عنها أحد. واذا كانت قدرتها على الحل أصبحت محدودة، فإن قدرتها على تعطيل أي حل للأزمة اللبنانية لا تزال قوية جدًا. وإذا لم تعالج باريس هذه المعضلة خلال أيام سيكون مؤتمر الحوار اللبناني على أرضها مضيعة للوقت.
التعليقات