تتزامن مع انتخابات داخل الحزب الحاكم وتصعيد جمال
شائعات عن مرض مبارك تشعل جدل الوراثة في مصر
نبيل شرف الدين:
وسط أجواء ضبابية يخيم عليها الترقب المشوب بالحذر، ويكتنفها لغط يتمحور حول مستقبل رأس النظام المصري، راجت شائعات في البلاد طوال هذا الأسبوع عن مرض الرئيس حسني مبارك، وتناقل المصريون عبر منتديات الإنترنت ورسائل الهواتف النقالة شائعات حول مرض مبارك البالغ من العمر 79 عاماً، والذي يحكم مصر منذ عام 1981.
وذهب البعض إلى حد الزعم بأن مبارك غادر البلاد سرًا إلى فرنسا أو ألمانيا ليخضع لعلاج سريع ومكثف إثر تدهور حالته الصحية، غير أنه نفاها برد عملي من خلال زيارة لم يكن مخططًا لها إلى quot;القرية الذكيةquot; في مدينة السادس من أكتوبر جنوب القاهرة حيث رأس اجتماعاً لعدد من الوزراء والمحافظين، وحرص التلفزيون الحكومي المصري على بث لقطات من هذا الاجتماع والإلحاح على تكرارها في نشراته المتتالية، وبدا الأمر أنه محاولة للتأكيد على نفي الشائعات التي راجت ولم تزل رائجة في البلاد حول صحة الرئيس
وانتقل الأمر من شبكة الإنترنت والمجالس الخاصة إلى صفحات الصحف فبادرت صحيفة (الأهرام) الحكومية إلى نشر خبر على صفحتها الأولى تتهم فيه جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; ـ من دون تسميتها صراحة ـ بالوقوف وراء شائعات رائجة في الشارع المصري عن صحة وحياة بعض كبار المسؤولين في الدولة، قائلة إن الهدف من ذلك هو إشاعة أجواء من الارتباك في الحياة السياسية المصرية.
بعد ذلك نشرت صحيفة (الدستور) المستقلة التي تتخذ خطاً حاداً في معارضة السياسات الحكومية، لتطرح علامات استفهام في صفحتها الأولى عن حقيقة شائعات مرض الرئيس، وقالت إن صحة الرئيس ليس مسألة شخصية، بل هي شأن عام يهم ملايين المصريين، وأبدت استغرابها حيال التكتم الذي يحيط الأمر. وتساءلت لماذا لا يخرج وزير الصحة أو طبيب الرئيس أو غيره من المسؤولين المعنيين ليدحض
تلك الشائعات، التي فشلت في ما يبدو quot;لقطات القرية الذكيةquot; في دحضها أو إقناع الناس بأن كل شيء على ما يرام في البيت الرئاسي.
ترتيبات الحزب
وتتواكب هذه الشائعات حول صحة الرئيس المصري مع بداية انتخابات داخلية يجريها الحزب الوطني (الحاكم) لاختيار قيادات جديدة في مؤتمره العام الذي يعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، والتي تصب مؤشراتها الأولية في خانة نجل الرئيس جمال مبارك وفريقه من أعضاء quot;لجنة السياساتquot; التي يرأسها داخل الحزب الحاكم بما يؤدي في النهاية إلى مزيد من الصعود داخل المسرح السياسي المصري.
وعادة تتكتم القاهرة على أي أنباء تتعلق بصحة الرئيس، لكنها اضطرت مرتين إلى الاعتراف بإصابته بوعكة صحية، كانت الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2003 كان الرئيس مبارك قد تعرض لوعكة صحية أثناء إلقاء كلمة أمام البرلمان وبعد غياب نحو 45 دقيقة عاد بعدها ليستكمل الخطاب، أما الثانية بعدها بنحو عام حين ذهب إلى ألمانيا لإجراء جراحة في الغضروف.
جمال ومستقبل مصر
ويرى مراقبون ودبلوماسيون غربيون تحدثت معهم (إيلاف) أن مصر ربما تكون النموذج الأبرز في المنطقة لنشر الإصلاح السياسي الذي تحتاجه بشدة، وقد رصدوا عددا من الأسباب التي تبرر ذلك، قائلين إن مصر بسكانها الذين يربو عددهم على 75 مليون نسمة تعتبر قلب العالم العربي، كما أنها لعبت دورا تاريخيا باعتبارها بؤرة الثقافة الحديثة، ومركز الإشعاع الحضاري في المنطقة.
ومضى المراقبون الذين تحدثت معهم (إيلاف) قائلين إن آمال التغيير تأخذ منحيين، فبعض الذين يصفون أنفسهم بالإصلاحيين يعلقون الآمال على الأحزاب الجديدة التي تتصارع اليوم من أجل الاعتراف الرسمي بها في المحاكم المصرية، والتي تتوزع بين أحزاب تدعو إلى تحرير الاقتصاد وتطوير بنية النظام الحاكم، وأحزاب أخرى بعضها يتطلع إلى التجربة الناصرية، وبعضها الآخر يسعى إلى تبني مفاهيم إسلامية جديدة وأكثر حداثة، خلافاً لتلك التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين.
أما التيار الثاني فيتمثل في إصلاحيين آخرين يأملون في أن يساعد جمال مبارك نجل الرئيس، في فتح البلاد على ديمقراطية أوسع نطاقا، قائلة إن جمال اكتسب سمعة على أنه من التكنوقراط المتعاطفين مع قطاع الأعمال حتى مع وصوله إلى المراكز العليا في صفوف الحزب الوطني (الحاكم) حيث يترأس لجنة السياسات، وتتمثل وظيفته في تحديث الحزب الوطني وجعله أكثر قبولا لدى الشباب المصري.
ورغم نفي الرئيس المصري مراراً لفكرة توريث السلطة، غير أن هناك تكهنات متنامية مفادها أن جمال البالغ من العمر 44 عاما، تتم تهيئته لخلافة والده، لكنه تعمد مؤخراً ترشيد ظهوره العلني عبر وسائل الإعلام، ومع ذلك فلم تتراجع هذه التكهنات بل اتسعت.
وبدا واضحاً خلال العامين الماضيين تنامي دور جمال مبارك داخل الهيكل التنظيمي للحزب الوطني (الحاكم) في مصر، وتنفذ مجموعته quot;الإصلاحيةquot; في آلية صنع خطاب الحزب وقراره، والإشارات المتواترة في الشارع السياسي عن الإصلاح والتغيير، حتى ذهب بعض المراقبين إلى استنتاج أنه أصبح الرجل القوي عملياً داخل مطبخ الحزب الحاكم، لاسيما بعد إقصاء عدد من رموز الحرس القديم، في ما استحدثت أمانة السياسات، التي وصفها حينئذ صفوت الشريف، وزير الإعلام وأمين عام الحزب الحاكم، بأنها (قلب الحزب النابض) في إشارة واضحة إلى دورها المرتقب أو المرسوم.
وبهذه الترتيبات في التنظيم السياسي الداخلي في مصر، فقد انتقل مركز القوة عملياً إلى الأمانة المستحدثة، ورئيسها الجديد جمال مبارك، وليس الى الأمانة العامة.
سيرة ذاتية
والرئيس المصري محمد حسني مبارك من مواليد 4 آيار (مايو) 1928 ، في قرية كفر المصيلحة في مركز شبين الكوم محافظة المنوفية، في دلتا مصر حيث التحق بالمدرسة الابتدائية، ثم التحق بمدرسة المساعي الثانوية في شبين الكوم ، وأنهى بها مرحلة التعليم الثانوي. ثم التحق بالكلية الحربية، حيث تخرج فيها في فبراير 1949 ، برتبة ملازم ثان ، والتحق ضابطا بسلاح المشاة، باللواء الثاني الميكانيكي لمدة شهرين، وأعلنت كلية الطيران عن قبول دفعة جديدة بها من خريجي الكلية الحربية فتقدم للالتحاق بالكلية الجوية واجتاز الاختبارات مع أحد عشر ضابطاً قبلتهم الكلية، وتخرج في الكلية الجوية، حيث حصل على بكالوريوس علوم الطيران من الكلية الجوية في 12 مارس 1950.
التحق بالقوات الجوية في العريش، في 13 مارس 1950، ثم نقل إلى مطار حلوان عام 1951 للتدريب على المقاتلات، واستمر به حتى بداية عام 1953، ثم نقل إلى كلية الطيران ليعمل مدرساً فيها، فمساعدا لأركان حرب الكلية، ثم أركان حربها، وقائد سرب في الوقت نفسه، حتى عام 1959.
وسافر مبارك في بعثات متعددة إلى الاتحاد السوفيتي، منها بعثة للتدريب على القاذفة اليوشن ـ 28، وبعثة للتدريب على القاذفة تي ـ يو ـ 16، كما تلقى دراسات عليا في أكاديمية فرونز العسكرية في الاتحاد السوفياتي (1964 ـ 1965).
ثم أصبح مبارك، قائداً للواء قاذفات قنابل، وقائداً لقاعدة غرب القاهرة الجوية بالوكالة حتى 30 يونيو 1966، وفي يوم 5 يونيو 1967، كان مبارك قائد قاعدة بني سويف الجوية (مطار دنديل).
وعُين مبارك مديراً للكلية الجوية في نوفمبر 1967. وتخرج على يديه عدد كبير من الطيارين الذين برزوا في حرب أكتوبر 1973، ورقي إلى رتبة العميد في 22 يونيو 1969، وشغل منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية، ثم قائداً للقوات الجوية في أبريل 1972، وفي العام نفسه عُين نائباً لوزير الحربية وفي هذه المرحلة أعاد بناء وتنظيم القوات الجوية، من طيارين، وطائرات، ومطارات.
وفي 15 أبريل 1975، اختاره الرئيس الراحل أنور السادات نائباً لرئيس الجمهورية، ليشغل هذا المنصب (1975 ـ 1981).
وفي 14 أكتوبر 1981 تولى محمد حسني مبارك رئاسة جمهورية مصر العربية، بعدما تم انتخابه في استفتاء شعبي، خلفاً للسادات، الذي اغتيل في 6 أكتوبر 1981، أثناء العرض العسكري الذي أقيم بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر 1973.
وفي 26 يناير 1982 انتخب رئيساً للحزب الوطني، وفي 5 أكتوبر 1987 أُعيد انتخابه رئيساً للجمهورية لفترة رئاسية ثانية، وفي عام 1993 أعيد انتخابه لفترة رئاسية ثالثة، وفي 26 سبتمبر 1999، أعيد انتخابه لفترة رئاسية رابعة.