موسكو: من الممكن القول اليوم دون مبالغة أن زيارة الرئيس الإيراني المرتقبة إلى العراق تتجاوز أطر الحدث الإقليمي. فهذه بالإضافة إلى كل شيء زيارة دولة quot;معاديةquot; في السابق. كما إنها زيارة عدو الولايات المتحدة الرئيسي إلى quot;إحدى ضياعهاquot; إن صح القول.
وهنا لا بد من القول أن سير العمليات في الشرق الأوسط وحوله سيتوقف على كيفية تطور العلاقات بين إيران والعراق في المرحلة الحالية. وإن نية احمدي نجاد زيارة بغداد بالترابط مع جولته في العام الماضي في عدد من البلدان العربية تدل على أن إيران أخذت تعيد النظر في سياستها الإقليمية بشكل جدي. وتود إيران المثول أمام العالم بصورة جديدة وتبذل الجهود من أجل رفع سمعتها دوليا.
وبغية استيعاب الموقع الذي تحتله إيران على الخارطة السياسية بشكل عام يكفي النظر إلى علاقاتها مع البلدان المجاورة. فلم يكن لدى إيران أبدا أصدقاء قريبون. وكان هذا منذ القدم. فقد كان الفرس على الدوام يتنافسون على حق فرض سيادتهم في المنطقة مع كل من كان يتطاول على هذه الصفة ـ مع البابليين ومن ثم الإغريق والروم والعرب والأتراك والإنكليز... والآن يشكلون quot;شوكة في بلعومquot; الولايات المتحدة.
ومن صفات الإيرانيين اعتبارهم أنفسهم أمة متميزة ذات وضع متميز. وهذه العقيدة ترسخت في وعي الناس لدرجة بحيث أصبحت إحدى دعائم كيان الدولة الإيرانية باعتبارها الوسيلة التي تجمع شمل عشرات الشعوب الصغيرة والكبيرة في مجتمع موحد يسمى الأمة الإيرانية.
وهذا الطموح بالذات للبروز بجلاء على الخلفية العامة أدى على الدوام إلى تردي علاقات إيران مع جيرانها. فإن العرب السنة يعتبرون إيران سبب انقسام العالم الإسلامي. وينظر الأتراك بارتياب إلى محاولات إيران لتعزيز نفوذها في دول القوقاز وآسيا الوسطى. وباكستان التي تطمح أيضا بدور الدولة الإقليمية المهيمنة تتابع باهتمام كافة إجراءات إيران وخاصة على الاتجاه الأفغاني. وترى أفغانستان من جانبها في إيران مركزا هاما للنفوذ السياسي.
ويحاول أعداء إيران وبالمرتبة الأولى الولايات المتحدة اللعب على هذه التناقضات. بيد أن هجمات الدبلوماسية الإيرانية التي لا تقل فعالية في الآونة الأخيرة تقوض لدرجة ما مخططات الأميركان في المنطقة في مجال السياسة الخارجية. لا أتجرأ على التأكيد بأن جولة الرئيس احمدي نجاد في عدد من البلدان العربية في العام الماضي بالذات أرغمت الرئيس جورج بوش على القيام بجولة مشابهة تقريبا في بداية هذه السنة. لكن على أي حال ليس هناك أدنى شك في أن زيارة الرئيس الإيراني تلك لعبت دورها في اختيار مواضيع مباحثات الرئيس الأميركي.
وفيما يخص مباحثات الرئيس الإيراني مع نظرائه، قادة بلدان المنطقة، فيتبادر إلى الأذهان حتما موقف أو موقفان. الأول يتلخص في الدعوة إلى الصداقة وعدم التصدي لأي جهة. والثاني ـ لا يجدر التخوف أبدا من البرنامج النووي الإيراني، لأنه ليس مريعا كما يصورونه.
وانطلاقا من نتائج الجولة السابقة تسنى لأحمدي نجاد إقناع القادة العرب بأن الصداقة مع إيران ليست مضرة وإنما نافعة، والبرنامج النووي الإيراني ليس أخطر من الباكستاني.
وهنا لا يمكن إلا مجرد تخمين عم سيدور الحديث في مباحثات أحمدي نجاد مع الرئيس العراقي طالباني. من الواضح أن البلدين يحتاجان إلى الحوار. ولذلك بالذات إذا تعذر على إيران تجنب قضية الشيعة فإنها لن توليها اهتماما كبيرا. كما توجد لدى البلدين قضية التعويضات عن الأضرار التي تمخضت عنها الحرب العراقية الإيرانية في الفترة 1980 ـ 1988. وبعبارة أدق تطرح هذه القضية طهران وتحاول بغداد بكافة الوسائل التملص من حلها، لأنها لا تنوي دفع ثمن أخطاء صدام حسين. وهناك قضية لا تقل أهمية تكدر العلاقات بين الجارين بصورة دورية ـ المشكلة الكردية السيئة الصيت.
إن طهران من حيث المبدأ ليست عازمة على تحميل بغداد ذنوب كافة الخطايا. كما أن تصريحات القادة الإيرانيين الحاقدة موجهة بالمرتبة الأولى إلى الولايات المتحدة. فقد أعلن قادة إيران مرارا أن الولايات المتحدة تتخذ خطوات نشطة من أجل التفريق بين السنة والشيعة لا في العراق فحسب بل وعلى نطاق أوسع بكثير.
إيلغار ويلي زاده
التعليقات