تدارك سلبيات المقاطعة
عارف العبد لإيلاف: كلمة السنيورة حددت مطالب لبنان الشرعية

رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة يوجه كلمته عشية القمة العربية
بلال خبيز من بيروت: لم يطالب الرئيس فؤاد السنيورة في كلمته التي وجهها للملوك والرؤساء العرب بما هو غريب ومستهجن. رئيس حكومة يطالب دولة شقيقة ان لا تتدخل في شؤون بلده، هذا امر لا يختلف عليه اثنان. ويطلب انهاء حال التوتر بين البلدين، وترسيم الحدود وتبادل التمثيل الدبلوماسي، وهذه مطالب مفهومة ولا يمكن الاعتراض عليها جهراً. إلا إذا كانت الحكومة السورية تنازع لبنان على ارض ملتبسة السيادة. وهذا ليس واقع التصريح الرسمي السوري لا اليوم ولا في اي وقت من الأوقات. والرئيس السنيورة إذ يطالب القادة العرب، ملوكاً ورؤساء، بما يطالب به، فإنه لا يأتي امراً مستغرباً. بل على العكس من ذلك، لا يستطيع رئيس حكومة بلد مستقل ومؤسس لجامعة الدول العربية ان يتغاضى عن هذه الميوعة في الحدود بين البلدين، وعن العلاقات التي تقيمها سوريا مع اطراف لبنانيين من وراء ظهر الحكومة المركزية.

السنيورة يحمل سوريا مسؤولية احتدام الازمة السياسية ويطالب بمعالجة التأزم السوري اللبناني

القمة العربية تناقش غداً عدداً من مشاريع القرارات المهمة

لكن مطالب الرئيس السنيورة المحقة تصطدم دوماً بواقع الحال السوري. إذ لا تجد سوريا في جارها الأصغر رشداً كافياً يسمح له ان يقرر سياساته بنفسه. فلبنان ليس وطناً في الادبيات السياسية السورية عموماً بل خاصرة سوريا الرخوة. وهي رخوة لأنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ويستمرئ الهيمنة الخارجية ويطلبها من كل حدب وصوب. ولسان حال الإدارة السورية يقول، إن هذا البلد الذي حكمته الاستخبارات السورية من دون نأمة او اعتراض طوال ما يزيد على العقدين من الزمن، لا يستطيع العيش مستقلاً وسيداً. لذا لا بد وان يكون قد استبدل الهيمنة السورية المعلنة بهيمنة اميركية او سعودية او مصرية مبطنة. وليس في وسع اي كان ان يطالب السوريين اليوم بتصديق مقولة ان لبنان لم يعد يستسيغ الهيمنة الخارجية، وانه آن اوان استقلاله عن كل الهيمنات. لهذا ستجد سوريا الجواب على مطالب السنيورة جاهزاً في محفوظات الرئيس الراحل حافظ الاسد: نحن مستعدون، اي النظام السوري، للضغط على حلفائنا في لبنان من اجل تسهيل الحلول إذا ما قام الآخرون الذين يملكون تأثيراً في قوى لبنانية اخرى بالضغط على حلفائهم. في هذه الحال ليس المهم من يكون صاحب الحظوة لدى اللبنانيين، بل المهم ان يكون ثمة من يحظى لديهم. الفارق بين مصر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في المفهوم السوري هو فارق لا اهمية له. لأن النظام السوري يريد ان يفاوض ايا كان غير اللبنانيين في قضية اللبنانيين انفسهم. ولسان حاله يقول: ها انا اقبض على اعصاب المعارضة وعنقها، واستطيع الضغط عليها واجبارها على ما اريده لها، واريد ان يفاوضني طرف آخر يقبض على اعصاب الموالاة وعنقها ويمكنه ان يجبرها على ما يريده ويقرره.

قبل انعقاد القمة كان ثمة جدال معلن في اوساط فريق الموالاة. ثمة رأي كان يعلن ان حضور لبنان القمة ضروري لأن القمة العربية ليست ملكاً لسوريا ولأن لبنان يجب ان يدافع عن قضيته وان لا تناقش هذه القضية في غيابه. وثمة رأي آخر دعا إلى المقاطعة لأن القمة تعقد في دمشق التي لا يكف نظامها عن النفخ في رماد الأزمة اللبنانية وجمرها. والرأيان كانا يملكان حظهما من الوجاهة وحسن الحجج. لكن الرأي الذي غلب في النهاية قضى بالمقاطعة. لهذا اتت كلمة السنيورة ومطالبه الواضحة لتخفف من سلبيات الغياب وتستفيد من ايجابياته قدر الإمكان.

في هذا السياق يقول مسشتار الرئيس السنيورة عارف العبد، ان كلمة رئيس الحكومة اتت لتضع الخطوط العريضة لأزمة العلاقة مع سوريا، مستبقة اي مناقشة في هذه القضية لا تأخذ مطالب الدولة اللبنانية السيادية في اعتبارها. وبحسب الاستاذ عارف العبد، فإن كلمة السنيورة وضعت سقفاً للبنان لا يمكن النزول تحته عربياً. فالمعني بهذا الموضوع لبنان، ولا احد يستطيع التفاوض نيابة عنه والتقرير في شؤونه بغير ما يرغب. هذا لا يعني طبعاً ان لبنان لا يثق بالأشقاء العرب، لكن المسألة تأخذ بعداً آخر داخلياً هذه المرة. إذ في وسع المعارضة ان ترتضي ان ينطق النظام السوري باسم مصالحها، وان ينتصر على صخب دماء مناضليها، لكن الموالاة لا تستطيع ان تسلم رقبتها على النحو نفسه لأي كان. ولأن لبنان دولة مستقلة اولاً ولأن الحكومة تمثل سلطته الشرعية، فإنها لا تستطيع إلا ان تضع السقوف التي لا يسعها النزول تحتها تحت اي ظرف من الظروف.

في طبيعة الحال، ثمة مسائل في المطالب اللبنانية تحتاج توافقاً بين الجانبين السوري واللبناني. فمسألة ترسيم الحدود من المسائل الثنائية الاهتمام بين الدولتين، ويمكن للحكومة السورية ان ترفض المباشرة بترسيم الحدود، لأسباب شتى. لكن هذا الرفض لا يمنع لبنان من ان يطالب بترسيمها، فمثل هذا الإعلان يعني ان الحكومة اللبنانية لا تطمع بأي شبر من الاراضي السورية، وانها لا تعتقد ان ثمة مشكلة حدود قائمة بين البلدين. كذلك يمكن ان ينسحب المنطق نفسه على تبادل التمثيل الدبلوماسي. فهذا إعلان لبناني بأن لبنان لا يريد معاداة سوريا ولا مخاصمتها، وانه يريد ان تكون العلاقات معها طبيعية وقانونية إلى ابعد الحدود الطبيعية والقانونية.

يبقى ان ننتظر ما ستسفر عنه القمة العربية الناقصة في دمشق من نتائج. وعلى اي حال ليس ثمة اسباب كثيرة تدعو اللبنانيين إلى التفاؤل والأمل.