(تكارنة) الحجاز فرحوا بقدوم الملك عبد العزيز و (تكارنة) الشام شاركوا في المقاومة
منصور إبراهيم من جدة:التكرورTukulor هو اسم لشعب كبير من القبائل الحامية أسس مملكة أفريقية قديمة جدا امتدت من غرب السودان إلى سواحل بحر الظلمات في أراض شاسعة تزيد عن مساحة الجزيرة والعراق والشام معا. ضمت تلك المملكة أرضي المناطق المعروفة اليوم سياسيا بالسنغال ومالي ونيجيريا و النيجر وتشاد وصولا إلى حدود دار فور في السودان ويذهب بعض المؤرخين، خاصة العرب، إلى إن اسم تكرور هو اسم لمدينة على نهر السنغال الحالي وكانت عاصمة مملكة التكرور.
وقد وصف المؤرخ القلقشندي مدينة تكرور بالمدينة الكبيرة ويقول عنها إنها اكبر من مدينة سلا التابعة لبلاد المغرب. كما ذكر إن مملكة التكرور تشتمل على أربعة عشر إقليما وان أكثر ما يجلبه إليها تجار المغرب الأقصى (شمال إفريقيا) هو الصوف والنحاس والخرز وأكثر ما يشترونه منها هو التبر(الذهب الخالص). ويدل
شاب تكروني في رقصة حجازية |
وعبر العصور بات كل من ينتمي لغرب إفريقيا ينسب لمملكة التكرور ويسمى بالتكروري. بينما يرى البعض أن اللقب جاء ربما نسبة للتكرار وهي كلمة عربية انطبق معناها على التكروريين، لكثرة تكرارهم أداء فريضة الحج. ومع ذلك، تتفق المصادر التاريخية العربية والغربية على تسمية جزء من شعوب غرب إفريقيا بالتكرور وان كانت المصادر العربية خاصة الحديثة منها تنسب كل سكان غرب إفريقيا للتكرور، التي دخلها الإسلام سنة 1030م بإسلام أفراد وجماعات صغيرة على يد التجار المسلين القادمين من شمال إفريقيا.
ويذهب الدكتور محمد فهيم فلاتة ( أستاذ التربية بجامعة أم القرى ) إلى ( أن كلمة تكرور مصطلح عربي أوجده العرب بعد الإسلام لتعريف شريحة عريضة من شعوب وقبائل غرب إفريقيا، حيث كان الكتاب المؤرخون والرحالة العرب يسمون كل إفريقي بالحبشي أو السودان. وأن استعمال هذا المصطلح كان ضروريا خاصة عند أهل الحجاز لحاجتهم لتعريف الناس في هويات عرقية تُسهل وصفهم وربطهم بالجهة التي قدموا منها للحج. أيضا، هذا المصطلح وغيره سهل وصف مصادر البضائع التي تُجلب لمكة والمدينة، فهذا عود جاوي، وهذه جُبة فارسية وتلك نعال حضرمية وهذه قلادة تكرورية).
بينما يؤكد المهندس محمد أحمد تكروني الموظف في شركة آرامكو ( كلمة تكروري باتت ملكا لكل سعودي اسمر يرجع أصله لغرب إفريقيا وهي ملتصقة به بصورة إرادية أو قسرية). ويكمل ( لما دخل الحجاز تحت حكم الملك عبد العزيز رحمه الله، كان التكروريون ضمن المواطنين الذين بايعوه في الحرم المكي وأعطوه الولاء بصفته إمام المسلمين. كانت تلك البيعة المباركة نقلة نوعية في حياة كل مواطن في الجزيرة العربية، أما بالنسبة للتكروريين فكانت حدثا تاريخيا جعل كبار السن منهم يلهجون بالدعاء للملك العادل بقية حياتهم. بل كانوا يوصون أبناءهم وأحفادهم بالدعاء له في كل مناسبة. كان البعض منهم يدعوا للملك عبد العزيز كلما ذكر اسمه "السعودي"، بل ظل بعضهم يذكر عبد العزيز بخير حتى في آخر أيامهم في الدنيا. كل ذلك كان عرفناً ووفاءً لذلك الملك الفريد).
الدكتور عبد الرحمن ملاوي ( مدرس تاريخ متقاعد ) يقول ( كانت أرض الحرمين من الأماكن القليلة من الأراضي الإسلامية التي لم يدخلها المستعمر الغربي فأصبحت الملجأ الأول لكافة المسلمين الذين تعرضوا للقمع في بلدانهم. أتت المرحلة الحديثة لهجرة التكروريين لأرض الحرمين في إطار موجة عالمية من هجرة المسلمين للحجاز الذي كان تحت الحكم العثماني الضعيف جدا في تلك العقود. ففي تلك الفترة وقعت أراضي بخارى والجمهوريات الإسلامية الشمالية تحت الحكم الروسي، كما سقطت كل أجزاء المغرب العربي تحت الاستعمار الفرنسي والإسباني والإيطالي. أيضا في تلك الفترة كانت الهند وأجزاء كبيرة من ممالك المسلمين في بلاد جاوة وماليزيا واقعة تحت الاستعمار.تحت هذه الظروف التي شكلت حقبة قاتمة في تاريخ البشرية، فر كل من استطاع من المسلمين لأرض الحرمين هاربا بدينة ونفسه. فما بين عامي 1860و 1930م وبسبب تبعات الحرب العالمية الأولى، هاجر لأرض الحجاز أعداد كبيرة من التكروريين و الجاوة والبخاريين والهنود والمغاربة حيث تفاعلوا مع من سبقهم من الجاليات القديمة الهجرة من أبناء جنسهم ومن سكان الأماكن المقدسة من عرب الحجاز وأهل اليمن ليشكلوا مجتمعا فريدا في تكوينه الثقافي والعرقي تحت مظلة الأخوة الإسلامية التي تعززت بقيام الدولة السعودية على يد الملك عبد العزيز رحمه الله عام 1344هـ ).
ولا ينسى سعيد عبدربه إطلاقا ما سمعه من أبيه وكبار عشيرته عن فرحهم بدخول الملك عبد العزيز الحجاز ويوضح ( في مجال الأمن تحقق الكثير للتكروريين كغيرهم من سكان الجزيرة، وهناك قصة مشهورة كثيرة التداول خاصة بين كبار السن من التكروريين تبين عدل الملك عبد العزيز وتظهر انه كان طرازاً فريداً بين حكام الجزيرة في كل العصور. في هذا النص، تقول القصة انه في زمن الدولة التركية وما بعدها كان اللصوص يختطفون بعض أبناء التكروريين طمعا في استرقاقهم. وكردة فعل طبيعة، كان شيوخ التكروريون و عرفائهم يلجئون للحاكم شاكين ومطالبين بإعادة المخطوف. بحسب القصة، كان رد الحاكم دائما يأتي فاترا ويختم بجملة مشهورة " لقد أصبحتم كثيرين، وإن لم يسرق منكم هؤلاء القوم، فمن أين يكسبون لقمة ا لعيش"! كانت السرقة والخطف وقطع الطريق أسلوبا مباحا لكسب العيش عند الأشقياء وشيئا مورثا عن آبائهم. ولما انضم الحجاز تحت حكم الملك عبد العزيز حاول بعضهم ممارسة ما تعودوا عليه من إرهاب الضعفاء والمسالمين العزل. فخطفوا أحد أبناء التكروريين وقت وجود الملك عبد العزيز في المدينة المنورة. فلجأ له عدد من شيوخ التكروريين وشكوا له خطف الغلام وما تعانيه أمه من حزن وكبد لفقده. فما كان من الملك عبد العزيز، بحسب الرواية، إلا أن قال" أنا أخو نورة!" و نادى صاحب شرطته و أمره أن يحضر الغلام ومن خطفه قبل غياب شمس ذلك اليوم. وتمضي الرواية.... حيث يذكر كبار السن أن الملك عبد العزيز التفت إلى شيوخ التكروريين و قال "أبناؤكم كأبنائي وكل ما يسمكم يمسني". المهمُ، أن هذه القصة انتهت بإحضار الغلام المخطوف ).
ينتشي العم سعيد ويكمل مترحما على الملك عبد العزيز بلهجة حجازية عذبة وصافية ( أما في مجال المساواة فقد تحقق الكثير أيضا. يروي بعض كبار السن ممن عاصروا الحياة قبل توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز أن التفاوت والطبقية بين الناس بلغ حدا بعيدا لدرجة أن لبس الثوب الأبيض كان حكرا على فئة معينة في طبقة محددة. مع قدوم الملك عبد العزيز زال الكثير من تلك المظاهر التي جعلت الناس شيعا وطبقات. لكن أهم ما تحقق كان المساواة في فرص التعليم. فبات أبناء الفقير والغني والكبير والصغير يحظون بنفس الفرصة لكسب العيش الكريم، تلك الفرصة التي تبدأ بالتساوي في حق دخول المدرسة دون شروط. ففي الصف الأول الابتدائي يبدأ الكل من نقطة واحدة ثم تكون الأولوية للأفضل والأقدر على التحصيل دون أي اعتبارات أخرى ).
امتداد تواجد التكروريين خارج الجزيرة
ويوضح سعيد عبد ربه المشهور في حيه بمكة بالمعلم أن للتكارنة امتدادا خارج السعودية قائلا ( بسبب قلة أسباب العيش في الجزيرة في تلك الأزمنة، وبعد أداء فريضة الحج، كان بعض التكروريين يختارون العودة لأقاليمهم الأصلية البعيدة أو إعادة عبور البحر الأحمر والاستقرار في أرض السودان حيث وفرة الماء والغذاء وليكونوا، بالدرجة الأولى، قريبين من أرض الحجاز كي يتسنى لهم معاودة الحج. في السودان، خاصة في غربه، توجد تجمعات كبيرة للتكروريين وبالذات في ولاية دار فور التي كانت مملكة مستقلة قبل وصول الاستعمار البريطاني لأفريقيا. أيضا، توجد للتكروريين تجمعات في بلاد الشام خاصة في فلسطين والضفة الشرقية لنهر الأردن. مثل أخوانهم ممن استوطن الحجاز، عاش التكروريون في الشام بكل حرية وحافظوا على حريتهم عبر القرون. وكامتداد لرحلة الحج، واصل الكثير من التكروريين السير شمالا بعد زيارة المدينة المنورة قاطعين مسافة تزيد عن الألف وثلاثمائة كليلو متر ليصلوا لأرض فلسطين حيث القدس و المسجد الأقصى. ففي فلسطين، مثلا، كان تواجدهم ملحوظا حتى بعد الاحتلال اليهودي لتلك الديار المقدسة، وقد شارك الكثير منهم في مقاومة الاحتلال والجهاد ضمن فرق المقاومة الفلسطينية ).
التعليقات