يعود اليوم ملايين الطلاب في العالم العربي إلى مقاعد الدراسة بعد عطلة الصيف. وتتجه الانظار صوب مناهج التعليم في الاقطار العربية التي لم تصل بعد إلى معظمها ريح التحديث منذ عشرات السنوات، وماتحتويه هذه المناهج من تحريض على كره الآخر واهتمامها بالتاريخ وإن كان غير منصف، والتغني به إلى حد نسيان الحاضر والتطورات التي طرأت في العالم اقتصاديا وسياسيا ومعرفيا. فما زال الطالب غير المسلم في عدد من الاقطار العربية يجد نفسه مجبرأ على مغادرة قاعة درس التربية الدينية لتلاحقه عبارة امتحانية تقول (يجيب غير المسلمين على جميع اسئلة النحو العربي) بسبب اعفائهم من امتحان التربية الدينية، رغم أن المدارس التي يتلقى العلم فيها غير دينية، وحرة من حيث تسميتها. ومازال هذا الطالب غير المسلم ، مسيحيا كان أم يهوديا يقرأ الشتائم العنصرية في مادة التاريخ ضد (الصليبيين واليهود) باعتبارهم اعداءً أزليين للعرب والمسلمين ، وعليه ان يحفظ ذلك ويجيب به أمام استاذه وزملائه، ومثله أبناء طوائف المسلمين من غير الطائفة الحاكمة التي تصر على انها الفرقة الناجية والصادقة إسلاميا. ناهيك بتحول المدارس الابتدائية في هذه الاقطار الى مفاقس للمذهبية يقودها المعلمون بقصد او بسذاجة ، بعيدا عن اي رقابة حكومية (بقصد او بدونه أيضا) كما في بعض دول الخليج والعراق. وقد شهدنا ماتعرض له الدكتور أحمد البغدادي في دولة الكويت من حملات تكفير وتهديد لمجرد أنه طلب التقليل من دروس التربية الدينية في المدارس الخاصة وزيادة دروس تعليم الموسيقى أو اللغات الاجنبية.

وتشكل العودة للمدارس من جهة اخرى عبئا اقتصاديا يثقل كاهل ذوي الطلبة بمتطلبات المشرفين على المدارس، بالاضافة الى الدروس الخصوصية التي أضحت رديفا لبداية كل عام دراسي، باعتبار أن التعليم ليس مجانيا في معظم الدول العربية.
كما تشكل عبئا نفسيا على الطالب الذي ينظرإلى أستاذه باعتباره بعبعا مخيفا يتحكم طوال مدة الدرس في حياة الطلاب الذين يبلغ عددهم الخمسين طالبا في الصف الواحد في بعض الدول.

سنسلط في هذا الملف لقطة "إيلافية" على واقع التعليم في عدد من الدول العربية، علنا نساهم في جلب أنظار المتتبعين او المشرفين على ذلك الواقع الذي يشكل اهمية كبيرة في التمهيد لمستقبل أفضل لكل بلد. وحاضرنا شاهد على ماخلفته تربية الماضي للأجيال الحاضرة.

التعليم في لبنان رائد عربيًا رغم كثرة ثغراته


ريما زهار من بيروت: من يتسنى له أن يطلع على تفاصيل ملف "تعديل المناهج التعليمية" في لبنان بالتحديد، سيكتشف أنه يقف وجهًا لوجه أمام واقع مثير، يختلف كل الاختلاف عن واقع المناهج التعليمية الأخرى في البلاد العربية عمومًا. فنحن، باختصار، أمام مناهج تعليمية يصفها أصحاب الشأن والاختصاص والخبرة بأنها "مناهج علمانية" نوعًا ما، ويعود ذلك إلى سبب "تعددية" المجتمع اللبناني وانقسامه بين شرائح إسلامية وأخرى مسيحية وغير ذلك.

التعددية والدستور
هذا التعدد في الديانات والاختلاف في الطوائف والمذاهب سيكون له أكبر تأثير وانعكاس على مجريات ما يتعلق بملف "المناهج التعليمية" وعلى غيرها أيضًا من المسائل والقضايا التي تشكل خصوصية المجتمع اللبناني.
ولعل هذه النقطة المهمة هي التي ستشكل العلامة الفارقة أو جوهر الاختلاف الكبير بين مناهج التعليم في لبنان ومناهج التعليم في الدول العربية والإسلامية الأخرى، خصوصًا في منطقة الخليج العربي حيث يشكل الدين الإسلامي الركيزة الأساسية والمنطلق لأي منهج.
وإذا كان التعدد الديني يشكل سببًا رئيسًا في إضفاء صفة معينة على مناهج التعليم، فإن هناك سببًا آخر أيضًا يتمثل في أن هذه المناهج تستمد عناوينها وأسسها من الدستور اللبناني نفسه!

محل بيع قرطاسية مدرسية ببيروت
هكذا تصبح مناهج التعليم في لبنان واقعة بين فكي كماشة: التعددية والدستور! إذ من غير المعقول أن يرد في هذه المناهج ما يتعارض ولو بكلمة واحدة مع هاتين الركيزتين.
ثمة ملحوظة أيضًا لا بد من إيرادها هنا، وهي أن القوانين المتعلقة بالتعليم في لبنان تسمح للمدارس والمعاهد باعتماد أي سلسلة من الكتب أو أي نوعية ولو كانت مستوردة من أي مكان!
باستثناء كتابي التاريخ والتربية المدنية، حيث يصبح الأمر ملزمًا لكافة المدارس، مع العلم أن هناك بعض الخروقات المعروفة في هذا المجال، حيث تعتمد بعض المدارس كتبًا ومناهج أجنبية بحتة!! بما فيها كتابا التاريخ والتربية المدنية!!

أهل الاختصاص
يقول نقيب المدارس الخاصة في لبنان نعمة محفوظ ل"إيلاف"ان ابرز مشاكل التعليم الخاص اولًا الازمة الاقتصادية التي تعاني منها المدرسة الخاصة التي تنعكس سلبًا على صرف قسم كبير من الاساتذة بموجب المادة 29 اي الصرف الكيفي، اما المشكلة الثانية فهي ان قسمًا كبيرًا من الاساتذة بحاجة الى اعادة تأهيل على المناهج الجديدة، اما المشكلة الثالثة فهي وجود قوانين نافذة في المجلس النيابي لا تطبقها بعض المدارس كتناقص عدد الساعات وبدل النقل ودوام الاساتذة في الصفوف، وهناك بعض المؤسسات التي لا تعطي المعلم حقه من الراتب، لذلك يلجأ الكثيرون من الاساتذة الى مهنة اخرى.
*بالنسبة للمناهج الجديدة التي اعتمدت اخيرًا ما هي الصعوبات التي تواجه التلاميذ والاساتذة؟
- بشكل عام اعتُمدت مناهج لم تؤمن مستلزمات تطبيقها، من تدريب المعلمين للتقنيات لعدد الطلاب في الصفوف للمختبرات للطريقة التعلم الجدية فقليلون من الاساتذة اكتسبوا الطرق الجديدة في التعليم، وهي جميعها مشاكل ترافق الاستاذ والتلميذ في الوقت نفسه.
*الا يوجد حل لهذه المشاكل؟
- قمنا بزيارة الى اميركا كنقابة معلمين وقمنا باتفاق قروي مع اتحاد المعلمين الاميركيين لحل جزء من هذه المشاكل وتدريب المعلمين على المناهج الجديدة لان معلمي مدارس الدولة والرسميين اجروا عقدًا مع البنك الدولي لتدريبهم اما معلمو مدارس الخاصة فمن يدربهم؟ نحاول القيام بجزء من هذا العبء.
وبعد شهر سنقوم بزيارة الى فرنسا في هذا الاطار ايضًا.
*كيف تقوّم التعليم في لبنان بالنسبة الى الدول العربية؟
- لا زال مستوى التعليم في لبنان جيدًا ولكن هذا لا يعني اننا لا نملك ثغرات، في تطبيق المناهج وفي بعض التقنيات وبعدد الطلاب ورغم كل هذه الثغرات وضآلة الانتاجية لا زال التعليم في لبنان رائدًا في العالم العربي، لكن لا نريد مقارنة وضعنا بالدول العربية لكن بالسوق العربية المشتركة واليابان والدول الاميركية، وهو متأخر بالنسبة لهذه الدول، كنا في الولايات المتحدة الاميركية وحضرنا ورشًا تربوية، للاسف هناك فرق كبير بالتقنية وبالامكانات البشرية.
*الا تؤثر الازمة الاقتصادية في اعداد التلاميذ في المدارس الرسمية؟
- للازمة الاقتصادية وجوه عدة فهناك تلاميذ يدخلون المدرسة الرسمية فيقل عدد التلاميذ في المدارس الخاصة، وفي المدارس الخاصة وبغية التوفير يتم جمع اكثر من صفين في صف واحد، فبدل ان يحتوي الصف على 24 تلميذًا يكون هناك 42، لتوفير عدد الاساتذة.
* هل زادت المناهج الجديدة التي اعتمدت من مستوى التعليم في لبنان؟
- ان المناهج الجديدة افضل بكثير من المناهج القديمة لكن هذا لا ينفي القول بان هناك ثغرات وبعض المشاكل نلاحقها لمعالجتها.
*كيف يتم مستوى المعالجة؟
- في التعليم الخاص المعالجة تتم على صعيد النقابة وعلى صعيد المؤسسات ولدينا الاسبوع المشترك بين النقابة والمؤسسات التربوية الخاصة لمعالجة بعض مشاكل التعليم في لبنان.


المكتبات
وفي جولة على بعض المكتبات الخاصة في لبنان تبين ان حركة شراء الكتب المدرسية بدأت تنتعش خصوصًا وان المدارس تفتح ابوابها قريبًا.
وتقول برناديت من مكتبة "انطوان" ان عملية شراء الكتب بدأت منذ فترة اي بعد انتهاء المدرسة بعدما وضع بعض الاهالي لائحة الكتب لديهم للتحضير، ولا كتب مستعملة تباع في المكتبة، ويشتكي الاهالي عادة من تغيير المناهج اما نسبة شراء الكتب المدرسية فكبيرة بالنسبة للكتب الاخرى ولا خدمة لتجليد الكتب.
السيدة خوري كانت تشتري الكتب لاولادها الثلاثة ولدى رؤيتنا تحدثت عن غلائها في ظل الازمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، فهي بالكاد تستطيع شراء هذه الكتب خصوصًأ وان المناهج الجديدة تتغير باستمرار ما يشكل ازمة مالية على العائلة تضاف الى ازمات اخرى لا تنتهي.
اما رنا من مكتبة "حليم" فقالت ان عملية شراء الكتب بدأت في الاول من ايلول(سبتمبر) ويتوقع ان تكون قوية والمكتبة تبيع الكتب المستعملة وهي مطلوبة اكثر من الجدية ويشتكي الزبائن من تغيير المناهج لانها تتغير كل سنة ما يضطرهم الى شراء كتب في كل عام، ولدى المكتبة خدمة تجليد الكتب.
"كان الامر مكلفاً لنا في البداية خصوصاً لجهة تغيير كل الكتب التي كان يستعملها اخوة ابني قبل تغيير المناهج ولم يكن ينقصنا سوى هذا التغيير حتى تزيد اعباؤنا الاقتصادية" الكلام لرلى والدة رامي البلغ من العمر 7 سنوات والذي يتعلم في مدرسة خاصة في لبنان وتضيف " فضلا عن ذلك هناك كثافة جديدة في الكتب والتعليم وحتى بعض المواد يصعب علي تعليمها لابني ما تطلب الاستعانة بمدرس خصوصي".
من جهتها ترى منى (15 عاما) ان تغيير المناهج التربوية في لبنان اوجد فسحة تعليم جديدة وانفتاحًا على تغيير تربوي جديد لم يكن قبل سبع سنوات ولم تنس ان تضيف ان الامر تطلب منها ومن زميلاتها جهداً مضاعفًا للحاق بركب هذا التغيير".
[email protected]