-1-
مبروك للرئيس جورج بوش هذا النجاح الساحق في الانتخابات الرئاسية. ومبروك للحزب الجمهوري هذا النجاح الساحق في الكونجرس بمجلسيه: النواب والشيوخ. وهذه أول مرة في تاريخ امريكا يحقق الحزب الجمهوري هذا النجاح الساحق في الرئاسة وفي الكونجرس معاً.
وهذا النجاح الساحق هو نجاح للسياسة الأمريكية الخارجية وخاصة في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في العراق وأفغانستان ومحاربة الارهاب.
لقد انتخب الشعب الأمريكي (أكثر من مائة مليون ناخب) رئيس الحرية الانسانية الذي حرر العراق، وحرر أفغانستان، ووعد بقيام دولة فلسطيبنية في العام القادم 2005 وهو ابن محرر الكويت من قبل.
والعرب الأمريكيون الذي صوتوا لكيري كانوا على خطأ كبير كما سبق وقلنا. وهم دائماً يضعون بيضهم في السلة المثقفوبة، حيث لا رؤيا سياسية واضحة وصافية لديهم لنقصان المعرفة والعرفان وعدم قراءة التاريخ جيداً، ولعدم وجود هُداة لهم . لقد خاب ظن الارهابيين وفقهاء سفك الدماء، وعلى رأسهم ابن لادن والإعلام العربي الذي كان ينعق طوال الشهر الماضي مبشراً بهزيمة بوش.
-2-
لا يوجد لوبي عربي فعال ومؤثر وضاغط في أمريكا. الموجود الآن في أمريكا تجمعات عربية لا رابط بينها، ولا قوة لها. والمرشح الأمريكي لا يهتم كثيراً بالأصوات العربية في امريكا لا احتقاراً لهذه الأصوات ولكن لأن الماكينة الانتخابية الأمريكية الهائلة والدقيقة لا تُدخل العرب الأمريكيين (حوالي 6 ملايين) في حساباتها، وذلك للاعتبارات التالية:
1- العرب الأمريكيون يكرهون العمل السياسي عامة، ويبتعدون عنه. وما زالوا يرددون ما سمعوه من الآباء والأجداد في أوطانهم الأصلية من أن (السياسة نجاسة) وأن (السياسة وجع رأس) وانها (شباك الريح الذي على المرء أن يسدّه ويستريح). لذا نرى أن العرب في أمريكا من أقل الفئات عملاً ونشاطاً سياسياً. ومن هنا، فإن العرب الأمريكيين لا يشاركون حتى في الانتخابات البلدية على مستوى الولاية التي يقطنون فيها.
2- العرب الأمريكيون قادمون من بلدان لم تمارس الانتخابات الديمقراطية. لذا، فهؤلاء لا تربية ديمقراطية سياسية لديهم. وهو منصرفون عن الانتخابات وعن اللعبة الديمقراطية لاعتقادهم - كما كانت في بلادهم الأصلية - لعب بلعب وكذب بكذب وتزوير بتزوير. والعرب الأمريكيون في نشاطهم السياسي – إن وُجد – في أمريكا يطبّقون نفس المناهج السياسية العربية السائدة في الأحزاب العربية المتهافتة، والتي أثبتت فشلها في تحقيق أي مطلب شعبي طوال خمسين عاماً من رحيل الاستعمار، وبدء مرحلة الاستقلال.
3- اللوبي العربي – إن وُجد – من أكثر اللوبيات العربية تدنياً في المستوى الثقافي والوعي السياسي. فهو لا يحتفظ بأي ارشيف أو معلومات أو دراسات عن الانتخابات الأمريكية، ولا عن المرشحين للرئاسة. وعلاقاته مع الماكينة الانتخابية الأمريكية علاقة تكاد تكون واهية جداً ، أو مفقودة في معظم الأحيان، فيما لو علمنا أن أكثر من خمسين بالمائة من العرب الأمريكيين هم من العاملين في أعمال بسيطة ومتدنية الأجر كمحطات الوقود والمطاعم والفنادق والمتاجر وغيرها.
4- اللوبي العربي، لوبي فقير جداً قياساً للوبي الصهيوني الغني جداً ، والذي يعتبر من أكثر اللوبيات الأمريكية غنى وتأثيراً في الانتخابات الأمريكية. وليس للوبي العربي أية مساهمات مالية تذكر في الحملة الانتخابية الحالية، أو في الحملات السابقة، اللهم ما عدا ما يأتي من الأنظمة العربية المؤيدة لهذا المرشح أو ذاك. وهذا عسير الوصول في معظم الأحيان لدقة تتبع مصادر التمويل للانتخابات الأمريكية، ومنع أية تبرعات تأتي من الخارج، وخلوها من أي مخالفة قانونية ما أمكن ذلك.
5- واللوبي العربي بوضعه التعيس والضعيف الحالي وبوضع العالم العربي التعيس والمشتت يريد من المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية أن يفعلوا المعجزات في الشرق الأوسط لشعوب شرق أوسطية لا تؤمن إلا بالمعجزات. وقد لا يكون بمقدور السياسيين الأمريكيين أن يقوموا بمعجزة إلا عن طريق قيام انقلاب عسكري أمريكي داخل أمريكا يقفز فيه الجنرالات إلى الحكم، ويحكمون اللوبي الصهيوني المسيطر بالحديد والنار، عائدين بعجلة التاريخ إلى عهد هتلر والرايخ الثالث، وربما كما قال بابكر مكي المحلل السياسي في 1986 سوف تستمر الإدارات الأمريكية في عدائها للعرب إلى أن تحكمها الديكتاتورية العسكرية. وهذا الانتظار لمعجزة أسطورية كهذه معناه أن يضمر العرب غضبهم على واشنطن وغبنهم من واشنطن حتى يوم القيامة، فيدخل الأمريكيون النار وندخل نحن الجنة. وقبل أن يحين موعد القيامة فإن العرب مطالبون بمحاسبة النفس على ما فعلت من عجب عُجاب يبدأ برفض ما يُقدم لهم من عروض سياسية منذ نصف قرن، وتفويت فرص سياسية ثمينة كان آخرها ما عُرض على عرفات في كامب ديفيد 1999، وينتهي بمطالبة أمريكا بأن تعطيهم ما لا يملكون، وما لا يستطيعون تحقيقه لأنفسهم بأنفسهم.
6- اهتمام المرشح الرئاسي الأمريكي باللوبي العربي – إن وُجد – وزيارة مواقع القرار العربي – إن وُجدت – كالجمعيات والنقابات والمدارس والمراكز الدينية وغير ذلك، يعني حرمان المرشح الرئاسي من صوت اليهود المؤثر والقوي، وكذلك حرمان المرشح من أموال اللوبي الصهيوني الكريم مع المرشح الكريم مع مصالح هذا اللوبي. والمرشح الرئاسي لا يريد أن يفقد أصوات هذا اللوبي سيما وأن اللوبي الصهيوني تقليدياً يصوّت دائماً للديمقراطيين لأسباب مختلفة منها أن هاري ترومان الرئيس الديمقراطي (1945-1953) كان هو الذي اعترف بدولة اسرائيل بعد اعلانها بدقائق في 1948 ، ودعمها دعماً كبيراً.
-3-
من جهل معظم العرب وخاصة العرب الأمريكيين بآليات الإدارات الأمريكية وعدم قراءتهم المتمعنة للتاريخ الأمريكي يظنون بأن ذهاب رئيس وتولي رئيس جديد سوف يُشكِّل فارقاً كبيراً في السياسة الأمريكية الخارجية. ربما يكون هذا في دولة "الزعماء الضرورة"، وفي دولة القادة المُلهَمين، آباء الشعوب وملهميهم. ولكن لا أثر كبيراً للرئيس في دولة المؤسسات الديمقراطية التي تحكمها هذه المؤسسات، ولا يحكمها الأفراد. فأمريكا كباقي دول العالم الديمقراطية تسير فيها الدولة، وكأنها طائرة بلا طيار. وعندما اختفى بعض الرؤساء الأمريكيين فجأة عن طريق الاغتيال كأبراهام لينكولن في عام 1856 وكجون كيندي في عام 1963، لم يتغير شيء في السياسة الخارجية الأمريكية، ولم تهتز امريكا سياسياً كما اهتزت وتغيرت السياسة العربية الداخلية والخارجية مثلاً عندما غاب زعيم كعبد الناصر عن مصر، وحافظ الأسد عن سوريا. والسياسة الأمريكية نحو مشاكل الشرق الأوسط وخاصة ما يتعلق بفلسطين والعراق، والموقف من دول الخليج التي يعوّل العرب المصممون على انتخاب جون كيري على تغييرها وتعديلها ليست مرتبطة بشخصية الرئيس وطريقة تفكيره بقدر ما هي مرتبطة باستراتيجية أمريكية، تنظر أولاً أين مصلحتها في الشرق الأوسط وتتبع هذه المصلحة بغض النظر عن مصالح الآخرين. وهذا ما لم يفهمه العرب وما لم يجتهدوا فيه لكي تلتقي مصالحهم مع المصالح الأمريكية ولكي تتحقق مصالحهم، وهو ما قامت به اسرائيل بذكاء كبير، وحصافة سياسية.
-4-
لماذا كان على العرب الأمريكيين وغير الأمريكيين تأييد الرئيس بوش وليس كيري في هذه الانتخابات؟
إن العقل السياسي السليم يقول لنا:
1- أن التاريخ الأمريكي يخبرنا بأن عدد الرؤساء الأمريكيين (1789-2000) بلغ 42 رئيساً، وأن الذين أُعيد انتخابهم من الرؤساء الأمريكيين كان 24 رئيساً منهم 13 رئيساً جمهورياً و 4 رؤساء ديمقراطيين فقط، والبقية كانوا فيدراليين كجورج واشنطن (1789-1797) وجون آدمـز (1797-1801) وجمهـوريين ديمقراطيين كتومـاس جيفرسـون (1801-1809) وجيمس ماديسـون (1809-1817) وجيمس مونرو (1817-1825). ومن هنا نرى أن حظ الجمهوريين في ولاية ثانية كان أكبر بكثير من حظ الديمقراطيين في تاريخ الانتخابات الأمريكية.
2- إن الرئيس الأمريكي في ولايته الأولى لا يفعل الشيء الكثير خاصة بالنسبة للسياسة الخارجية البالغة التعقيد والكثيرة المشاكل. وقد لاحظنا أن الرؤساء الذين أُعيد انتخابهم هم الذين كانوا فاعلين وفعّالين في السياسة الأمريكية الخارجيـة كأيزنهاور (1953-1961) ونيكسون (1969-1974) وكلينتون (1992-2000). ففي الولاية الأولى يقضي الرئيس السنة الأولى للتعرف على المفاتيح والطرق والأفكار والرجال من صانعي القرار الدولي. وفي السنة الثانية والثالثة يصرف جُلَّ اهتمامه إلى الشؤون الداخلية والقليل القليل إلى الشؤون الخارجية. وفي السنة الرابعة يُركّز الرئيس كل جهوده على الانتخابات للفوز بولاية ثانية. وفي الولاية الثانية، يلتفت إلى الشؤون الخارجية والقضايا المعلقة ويكون أكثر عدلاً وانصافاً وهدوءاً مما كان عليه في الولاية الأولى، حيث لا يخشى من تأثير اللوبيات عليه.
3- أن الرئيس جورج بوش أعطى للعرب من الفرص والمبادرات والأفعال السياسية ما لم يعطه أي رئيس امريكي سابق. فهو الذي أعلن تعهد بقيام دولة فلسطينية في عام 2005 وكان على العرب الأمريكيين أن يعيدوا انتخابه لكي يحقق ما وعد به، شرط أن يكون السياسيون العرب على مستوى المسؤولية لمثل هذا الوعد. وهو الذي حرر افغانستان من حكم القرون الوسطى المتخلفة، وأقام نظاماً سياسياً فيها،كانت أبرز مظاهره الانتخابات الأفغانية الحرة لأول مرة في أكتوبر 2004. وهو الذي حرر العراق من طغيان واستبداد الديكتاتورية، ولم يكن العراق وحده بمستطيع ذلك ولو امتدت به السنون. وهو الذي يجهز العراق الآن لانتخابات حرة في مطلع 2005 . وهو الذي يحارب الارهاب حرباً لا هوادة فيها في الشرق الأوسط دفاعاً عن مصالح أمريكا، وعن مصالح دول الخليج كذلك. وهو الذي سيحاول في ولايته الثانية نزع أسلحة الدمار الشامل من إيران وكوريا الشمالية كما فعل في العراق وليبيا. وهذه كلها انجازات في الشرق الأوسط لم يفعل مثيلاً لها أي رئيس أمريكي سابق.
ولو كان العرب الأمريكيون منصفين وعقلاء لا يتبعون الغوغاء الأمريكية التي تكره بوش لشخصه، لكونه من أبناء الدماء الزرقاء، وابن عائلة غنية ارستقراطية، وابن رئيس جمهورية سابق، وشقيق حاكم ولاية كبيرة كفلوريدا، وخطيب عيي لا يُجيد الكلام، ومحافظ في الدين والأخلاق والسلوك.. الخ. لو كان العرب الأمريكيون منصفين لانتخبوا بوش لا كيرى، لأن التاريخ الأمريكي يقول بأن الديمقراطيين منذ عهد ايزنهاور إلى الآن، لم يقدموا للعرب ربع ما قدمه الرؤساء الجمهوريون، وعلى رأسهم جورج بوش الأب والأبن، رغم أنني لست جمهورياً ولا ديمقراطياً .
التعليقات