[ الإيمان الدينى لايحتاج إلى كتاب فيزياء أو مرجع بيولوجى كى يثبت فى قلب المرء ووجدانه وعقله، واليقين بأن الله موجود وبأن محمداً عليه الصلاة والسلام نبيه المرسل لايزعزعه أن كتاب الله لم يتحدث فى النسبية أو يتطرق إلى نظرية الكوانتم، فإما إيمان أو لاإيمان، ومن دخل دار الإيمان لايحتاج إلى بواب يرتدى بالطو الطبيب أو لحارس يتقمص دور أمين المعمل لكى يوصله ويهديه إلى ردهة العشق الإلهى، المؤمن لايحتاج إلى هؤلاء لكى يثق بأنه قد دخل من الباب الصحيح، ولكن حزب زغلول النجار من سماسرة الإعجاز العلمى لايعترفون إلا بأن الإسلام يحتاج إلى مذكرات كلية الطب والعلوم لكى نعتنقه، وبأن المسلمين يحتاجون إلى دروس خصوصية فى تركيب الذرة وقانون مندل لكى يتفهموا القرآن!، والمدهش أن أعضاء جمعية المنتفعين بالإعجاز العلمى بعدما فرغوا من تحويل القرآن إلى نظريات فيزيائية ومعادلات كيميائية تحولوا إلى كتب السنة النبوية والأحاديث الشريفة لكى يمارسوا دجلهم وشعوذتهم فيها ويقدموا لنا من بين صفحاتها كوكتيلاً من الإعجاز، وقد تم هذا التحول والإستخراج بمنتهى التعسف والإفتعال وكأنهم لم يكتفوا بتشويه نظرتنا للقرآن بل إمتد تخريبهم للسنة النبوية.
[ تم تدشين نظرية الإعجاز العلمى فى كتب الحديث بواسطة د.زغلول النجار فقد كان أول وأبرز صوت يعلن عن هذا الإكتشاف المذهل، فقد كان أستاذه مصطفى محمود أكثر حذراً ولم يحاول الإقتراب من هذه المنطقة الشائكة لأنه كان قد فطن إلى أن التدخل فى منطقة السنة النبوية بنظريات الإعجاز سيتحول إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، فهى منطقة ألغام شديدة الإنفجار لأن السنة النبوية فى النهاية نتاج بشرى فى معظمها وهذا لايعنى إنكاراً للسنة النبوية وإلا ماكان الصحابة يراجعون النبى بسؤالهم الشهير :أهو الرأى أم الوحى ؟، ولذلك فالأخطاء العلمية واردة ولاعيب فيها ولانقيصة، ذلك لأن الرسول –صلعم – كان يتحدث بمفردات عصره وأفكار وعلوم زمنه وإلا مافهمه ولاإقتنع بنبوته أحد فى هذه البقعة الجافة القاحلة علمياً قبل زراعياً، وكانت جرأة د.زغلول صادمة حين بدأ بحديث الذبابة الشهير محاولاً منحه صبغة علمية فقد أطلق زغلول النجار فى 11 نوفمبر 2003 فى جريدة الأهرام صفحة 22 قنبلة كانت أقوى من إحتمالى ولاتحتمل السكوت، فقد تحدث عن حديث الذبابة وجعل منه كشفاً علمياً وفتحاً بيولوجياً على الغرب الجاهل أن يحلله ويفتح معامله لإستقباله والإحتفاء به، والحديث يقول "إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن فى إحدى جناحيه داء وفى الأخرى شفاء "، ويعلق قائلاً أنه من الناحية العلمية ثبت أن الذباب يتغذى على النفايات والمواد العضوية المتعفنة حيث تنتشر الفيروسات والبكتيريا والجراثيم ولكى ينفرد ربنا بالوحدانية خلق كل شئ فى زوجية واضحة فخلق البكتيريا وأَضدادها وقد أعطى الله للذباب القدرة على حمل الفيروسات والبكتيريا على جناح والمضادات على جناح، وأكد الدكتور زغلول على أن مجموعات من أبحاث المسلمين قامت بإجراء أبحاث على أنواع مختلفة من الأشربة وغمست الذباب فى بعضها ولم يغمس فى الباقى وعند الفحص المجهرى إتضح أن الأشربة التى غمس فيها الذباب خالية من كل الجراثيم المسببة للمرض !!، وبالطبع لايصمد هذا الكلام أمام أى تحليل علمى والسؤال ومادام الدكتور زغلول بهذه العبقرية لماذا لم ينشئ لنا مصنعاً إسلامياً لإستخراج المضادات الحيوية من أجنحة الذباب ويكفينا شر الجات وغلاء المضادات الحيوية؟، والمدهش أن هذه البديهية كنا قد تصورنا أنها حسمت فى العشرينات حين تبنى المفكر الإسلامى محمد رشيد رضا فى مجلته المنار ذات التوجه الإسلامى فكرة أن هذا الحديث غريب ويجب ألا نتمسك به حين قال فى المجلد 29 الجزء الأول " حديث الذباب المذكور غريب عن الرأى والتشريع، فمن قواعد الشرع العامة أن كل ضار قطعاً فهو محرم قطعاً، وكل ضار ظناً فهو مكروه كراهة تحريمية أو تنزيهية على الأقل"، وكان بعض الشيوخ قد كفروا د.محمد توفيق صدقى حين هاجم هذا الحديث فى العشرينات فى نفس المجلة وقد دافع عنه رشيد رضا قائلاً " ذلك المسلم الغيور لم يطعن فى صحة هذا الحديث إلا لعلمه بأن تصحيحه من المطاعن التى تنفر الناس من الإسلام، وتكون سبباً لردة بعض ضعفاء الإيمان، وقليلى العلم الذين لايجدون مخرجاً من مثل هذا المطعن إلا بأن فيه علة فى المتن تمنع صحته، وماكلف الله مسلماً أن يقرأ صحيح البخارى ويؤمن بكل مافيه وإن لم يصح عنده "
[ الجملة الأخيرة التى قالها رشيد رضا جملة شجاعة ترسخ لنا مبدأ هاماً من الممكن أن يصدم البعض وهو أننا لسنا مطالبين بأن نتبع كل ماكتبه البخارى لمجرد صحة السند فمن المهم جداً أن نناقش المتن إذا كان مخالفاً للعقل حتى ولو أجازه البخارى، والأمثلة كثيرة ومتعددة ولكن علماء الحديث المعاصرين كسالى عن التنقيب والبحث ومرعوبون من فكرة تنقيح أحاديث البخارى، برغم أنه قد رفض من قبلهم أئمة ورجال دين مستنيرون بعض أحاديث البخارى لتعارضها مع العقل ولأنها كانت تتحدث عن معلومات وبيئة هذا الماضى البعيد، وسنكتفى من هذه الأمثلة بمايعارض العلم الحديث ويهدم نظرية الإعجاز العلمى المزعومة :
•
الأحاديث التى أخرجها الشيخان بالنسبة لرفض فكرة العدوى وهى " قال رسول الله –صلعم- لاعدوى ولاصفر ولاهامه، فقال أعرابى :يارسول الله :فمابال إبلى تكون فى الرمل كأنها الظباء فيأتى البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها ؟، فقال من أعدى الأول ؟!"، والحديث الثانى " لاعدوى ولاطيرة ويعجبنى الفأل "، والحديث الثالث " لاعدوى ولاطيرة"، وإنما الشؤم فى ثلاثه :المرأة والفرس والدار "، والغريب أن هناك أحاديث أخرى تثبت العدوى مثل "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلاتدخلوها "، والسؤال هل يكمن الإعجاز فى الأحاديث الأولى أم الحديث الأخير ؟!، وحل هذا التناقض بسيط وهو كما قال كثير من الفقهاء عن أن أحاديث المفاهيم العلمية والطبية والملابس والطعام ..الخ ليست من العقيدة ولا من الأوامر الإلهية الموحاة للنبى ومجال الفصل مابين السنة القولية والفعلية واسع ولامجال هنا لمناقشته .
•
الحديث الذى أخرجه الشيخان عن حركة الشمس والذى يقول " كنت مع النبى فى المسجد عند غروب الشمس، فقال ياأبا ذر ! أتدرى أين تغرب الشمس ؟، قلت: الله ورسوله أعلم !، قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى والشمس تجرى لمستقر لها "، وللعلم إعتمد على هذا الحديث بن باز فى فتواه التى كفر بها من يقول بكروية الأرض وحركتها حول الشمس، وفى رواية أخرى يتحدث الرسول عن أن الشمس يقال لها إرتفعى وإرجعى فتطلع وتغرب ...الخ، ومن المعروف الآن لطلاب المرحلة الإعدادية فى الجغرافيا أن الشمس مستقرة فى مكانها وأن الشروق والغروب ليس سببه حركتها هى بل سببه دوران الأرض حول نفسها، وأن هذا الشروق والغروب مستمران طيلة الأربع والعشرين ساعة وفى كل لحظة تكون فى حالة شروق بالنسبة لمكان فى الأرض، وفى الوقت نفسه فى حالة غروب بالنسبة للمكان المقابل من الأرض، ومن الواضح أن الحديث يتماشى مع ثقافة أهل هذا الزمان ومفاهيمهم التى تعتبر الأرض ساكنة ومسطحة وأن الشمس هى التى تتحرك، ولم يكن مطلوباً من الرسول أن يكون عالماً بنظريات الفلك فى القرن العشرين ولم يكن تقصيراً منه أن يتحدث بلغة وعلوم قومه وإلا لرفض أهل البادية إعتناق دينه حينذاك
•
حديث خلق الله آدم طوله ستون ذراعاً وأن الخلق لم يزل ينقص بعده حتى الآن والذى أخرجه الشيخان أيضاً، وهنا تبرز إشكالية علمية هامة فالذراع عند العرب إما 24 أصبع أى حوالى 48 سم أو 32 أصبعاً أى حوالى 64 سم، يعنى بهذا القياس فإن أبانا آدم لن يكون طوله أقل من ثلاثين متراً بأى حال من الأحوال وهذا يخالف كل ماإكتشفه علماء الآثار والحفريات عن أقدم هياكل البشر العظمية التى لايختلف طولها عماعليه الإنسان الآن إلا قليلاً !، وأيضاً لم يلاحظ هذا القصر التدريجى من ثلاثين إلى عشرين إلى عشرة متر ...الخ، والغريب أن هذا الحديث مثلما أدهشنى أدهش الحافظ بن حجر العسقلانى فقد كتب فى كتابه فتح البارى " ويشكل على هذا مايوجد الآن من آثار الأمم السالفة كديار ثمود، فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة فى الطول على حسب مايقتضيه الترتيب السابق، ولاشك أن عهدهم قديم، وأن الزمان الذى بينهم وبين أول هذه الأمة، ولم يظهر لى إلى الآن مايزيل هذا الإشكال ".
•
حديث آخر أخرجه الشيخان يقول " إذا سمعتم صياح الديكة فإسألوا ألله من فضله، فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطاناً "، وهذا الحديث من غرائب مرويات أبى هريرة، وسنناقش بالمنطق هذا الحديث فالقرآن والحديث ينصان على أن لكل إبن آدم ملائكة حفظة وملكان يكتبان أعماله وعلى ذلك فلابد أن تصيح الديكة طيلة الأربع والعشرين ساعه، وكذلك الحال مع الحمار لابد هو الآخر أن ينهق أربعاً وعشرين ساعة لأن لكل إنسان شيطاناً موكلاً به وقريناً يضلله، وفى القرى المصرية نشاهد حميراً كثيرة أمام المساجد وفى الشوارع فيجب عليها طبقاً للأحاديث أن تنهق عند الآذان لأن هناك حديثاً يقول أنه إذا نودى للصلاة أدبر الشيطان له ضراط، فهنا كان لابد للحمار أن ينهق عند سماع صوت المؤذن لأنه سيشاهد الشيطان الذى خرج وأدبر !!.
•
الحديث الذى أخرجه البخارى والذى يقول أن التثاؤب من الشيطان، ونحن درسنا التثاؤب فى كلية الطب بأنه إنعكاس فسيولوجى عند التعب أو النعاس ولاعلاقة له بشيطان أو خلافه
•
وكذلك الحديث الذى أخرجه الشيخان والذى يقول " مامن مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلا إبن مريم وأمه "، وبالطبع يعرف جميع أطباء النساء والولادة أن سبب صراخ المولود هو دخول الهواء للرئتين لأول مرة بعد أن كان يعتمد الجنين على الحبل السرى فى الغذاء والأوكسيجين.
•
حديث آخر أخرجه الشيخان مروى عن أبى هريرة ويتعارض مع العلم الحديث ويقول " إشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضى بعضاً، فأذن لها بنفسين :نفس فى الشتاء، ونفس فى الصيف، فأشد ماتجدون فى الحر، وأشد ماتجدون من الزمهرير "، وبالطبع ينكر علم الجغرافيا هذا الكلام فسبب الحر والبرد عوامل جغرافية وجوية مثل ميل الشمس وعموديتها وحركة الرياح والضغط الجوى والقرب والبعد عن سطح البحر .....الخ، والسؤال إذا كان هذا النفس يخرج على العالم كله فكيف نفسر تفاوت وإختلاف درجات الحرارة فى بقاع العالم المختلفة فى نفس الوقت .
**وفى النهاية نقول نحن تصدينا لدعاة الإعجاز العلمى وكان هدفنا الأول هو الدفاع عن الدين وعن العلم أيضاً، ويجب علينا أن ننظر إلى كم التخلف والجهل الذى نعيش فيه كمسلمين ونعترف بأننا فى القاع فكرياً وعلمياً، والحل هو أن نتسلح بالمنهج العلمى فى التفكير ونؤمن بأن معجزة ديننا فى أفكاره وثورته الإجتماعية وتفاعله مع رغبات البشر وحياتهم البسيطة، وليس عيباً أو نقيصة أو قدحاً فى الدين ألا نجد فيه نظرية فيزياء أو معادلة كيمياء فيكفيه أنه نصحنا بأن نسير فى الأرض ونقرأ وندرس ونحلم بتغيير المستقبل .
التعليقات