اعتاد منظرو القومية العربية ان يتلو على مسامعنا (شفاهة ) واعيننا (كتابة ) اننا امة عربية واحدة " وقد اضاف لها حزب البعث القومي انها ذات رسالة خالدة"، وان حالة الدولة القطرية حالة مؤقتة في الوجدان الشعبي، وان التجزئة هي صنيعة " سايكس- بيكو" ( أي الاستعمار) ، وبالتالي فإن ((الجماهير)) ترفض التجزئة وتنزع دائما نحو الوحدة وما التنظيمات القومية الا تعبير لنزوع جماهير الامة نحو الوحدة (التي لا يغلبها غلاب ) وما استطالة امد التجزئة الا لان النخب الحاكمة (الرجعية طبعا لدى اصحاب الخطاب القومي ) تعيق تحقق هذا النزوع حافظا على مصالحها ومصالح الاستعمار الذي هي ذيلا له ويضيف منظرو القومية العربية ان الدولة القطرية لاسند جماهيري شعبي لها وان ما يمثلها فقط هو العلم والنشيد والـــ .....، لان الانسان العربي يرفض هذه التجزئة التي هي حال غير طبيعية لهذه الامة وان ( العربي ) لن يقر له قرار ولن يهدأ له بال الا اذا تم تحقق " الدولة – الامة " لانها الحال الذي ينسجم مع التاريخ واللغة والـ....
وكان الكتاب " الانعزاليون " " الاقليميون " " القطريون " (حسب اخف التسميات لهم ) صوتهم خافت امام علو صوت الخطاب القومي الهادر منذ ما قبل ميشيل عفلق مرورا بعبد الناصر وانتهاءا بحارس البوابة الشرقية صدام العرب وكل من لف لفهم، فلم يتناولوا هذا الخطاب بالتمحيص والتدقيق لان اكثر ما كانوا يطمحون اليه هو رد التهم عن انفسهم التي تطاردهم كظلالهم كالعمالة والتخاذل والخنوع.
وقد اعتاد الخطاب القومي (دون ان يرف له جفن ) على تزوير الواقع والوقائع لتظل فكرة القومية العربية ناصعة خفاقة ثابتة ساكنة منذ الازل والى الازل. واذا كنا في هذه العجالة لن ندخل التاريخ (ولا يهمنا ذاك التاريخ السالف ايضا ) ولا حتى اللغة كي نتسائل حول دقة مقولاتهم فاننا سنلج الى الواقع الماثل امام اعيننا.
يقول الواقع الماثل حيا يرزق ان الشعوب العربية (الشعوب وليس الحكام ) تكره بعضها بعضا وتحقد على بعضها بعض وتمارس عنصرية متبادلة على بعضها بعض منذ قبل تشكل الدولة "القطرية " المعاصرة والى الان. وهنا سنستند الى الوقائع الاجتماعية وتاريخها الشفوي ( والمكتوب في احيان كثيرة تحت يافطات التقدم والثورة من جهة والتمسك بالثوابت والعقيدة من جهة مضادة مشابهة ) المتداول في شتى اقطار العروبة.
فعلى سبيل المثل ينظر عرب المشرق والمغرب الى اهل الخليج على انهم الحفاة الرعاة الذين تطاولوا البنيان وانهم (أي اهل الخليج ) احد علامات الساعة - والعياذ بالله - وتمتزج هذه النظرة لاولئك " البدو " بالاحتقار والازدراء لانهم جهلة متخلفون يلبسون الثوب والشماغ والعقال وهي علامات فارقة للتخلف عند العرب الاخرين.
وان النفط الذي من الله به عليهم هو الذي جعلهم " يشبهون " البشر ولا تقف السخرية عند عقولهم بل تمتد الى لبسهم فغالبا يسمون العقال بـ " كاتم الفهم " او "الرنديلة" وهي الحلقة التي تقف بين ترس البرغي وصامولته.
ولا تقتصر هذه النظرة على العامة بل ان ( المثقفين العرب ) ينظّرون لها حتى اولئك الذين يكتبون في صحافة اهل الخليج ويقبضون مكافآتهم الكتابية منها ولم يبتعد الوقت الذي كانت فيه الكتابة لاي كاتب عربي في أي صحيفة خليجية هي تهمة قاسية، وغالبا كان يشار الى صحافة الخليج بصحافة البترو – دولار.
ولم تقف صورة الخليجي لدى المجتمع العربي عند هذا بل تسللت الى الدراما العربية والسينما (المصرية تحديدا ) ومن يريد التاكد فليقم ببحث عن صورة الخليجي في السينما المصرية التي تورده , همجيا سكيرا يركض وراء النساء وكذلك صورة اللبناني في هذه السينما التي ترد دائما كتاجر مخدرات كبير.
ومن التاريخ اليومي للتعاملات العربية البينية ان سائق سيارة الاجرة في سوريا عندما يركب معه خليجي ليذهب الى مطعم او فندق او .. فان السائق لا يكتفي بالاجرة المضاعفة عدة مرات من الخليجي (وللامانة يحدث هذا مع كل السائحين الاجانب وكذلك السوريين المقيمين خارج المدن الكبرى ) بل ان السائق يقبض ثمن (حقو بلهجة اهل الشام بعد ان نقلب القاف الفا ) الخليجي من صاحب الفندق بحجة انه احضر له خروفا جاهز للخورفة وقد انتشرت مفردة الخورفة (في سوريا على الاقل) مشتقة من هذا استبدالا لمفردة الخوزقة.
وفي مصر لازالت قضية اغتصاب الطفل المصري في السعودية ليست بعيدة حيث فجرت كل المكبوت المصري شفاهة ليتحول الى كتابة تملأ كل الجرايد المصرية وليشارك فيها اغلب الاقلام المصرية حتى اولئك الذين لايكتبون بالصحف مثل اسامة انو رعكاشة الذي عير السعوديين بالاقلام والبرايات .. الخ التي كان يحضرها المعلمون المصريون لهم . وقد حفلت تلك المائدة بتعابير عنصرية لم ترد حتى عند اعتى ..اناس الارض عنصرية كان اقساها صورة لمطعم مصري علق يافطة كتب عليها : ممنوع دخول الكلاب والسعوديين.
وكاريكاتير اخر لرجل يجر ثلاثة نساء بحبل وراءه ويمر من جانبه طفل فيترك حبل نسائه الثلاث ويركض وراء الطفل.وعن الشفاهي فان المصريين لا يوردون جنسية خليجية الا واضافة لازمة لها وهي ابن وسخة او يسبقونها بحمار.

واذا انتقلنا للمغرب فنجد ايضا ان اهل المغرب ينعتون السعوديين (لانهم المتواجدين من اهل الخليج هناك ) بالحوالة وهي تعني الاكباش .
واذا انتقلنا للجهة الخليجية نجد ان اهل الخليج يحتقرون كل شعوب العرب الاخرى ويستخدمون صورة نمطية معممة وهي تخص جنسيات البلاد التي يرتادونها للسياحة الجنسية مثل المغرب مصر سوريا
فهذه البلاد رجالها قوادون ونساؤها عاهرات والجميع بلا كرامة لانك تفعل بهم ما تريد طالما لديك المال " بفلوسي يخوي " وغالبا ما ترد صفة مصري عندهم مرادفة للضعة وقلة الكرامة فعندما يتحدثون عن شخص (مصري ) بلا كرامة او ارتكب فعلا غير اخلاقي او سرقة او .. يعترض احدهم " ياخوي وش تسولف مهو مصري " أي انها شاملة جامعة لكل هذه الصفات فلا داعي للتعداد
كما ان صفة سوري ترد غالبا متلازمة مع مفردة اخرى توضيحية وهي خسيس.
واذا انتقلنا للتعاملات الخليجية البينية نجد ان الكويتي يسمي شحاطة البلاستيك " الزنوبا " بالسعودي وهي تسمية متداولة، واذا كانت هذه نظرته للسعودي الاقرب اليه جغرافيا و...و.. فلا حاجة بنا لسرد نظرته الى العرب الاخرين , اما السعودي عندما يريد الذهاب الى الحمام – اعزكم الله – فيقول رايح الكويت.
وكذلك ما جرى في البحرين ضد السعوديين من احراق سياراتهم وما اليه ليس ببعيد. كما ان غالبية الشعب العراقي يحتقر الكويتين ويتعالون عليهم فلذلك ترى ان غالبية الشعب العراقي صفق لصدام حين احتل الكويت وليس فقط غالبية الشعوب العربية.
وفي ليبيا القومية العربية (سابقا/ الافريقية حاليا ) لا يتم استغراب ان يضرب ليبي مصري لا يعرفه ودون ادنى سبب وحينما تبدي له استغرابك لانه لم يفعل شيئا يرد : ماهو مصري، بمعنى لهذا السبب يستحق الضرب ولهذا السبب فهو لا يستحق احتجاجك.
ولا يجد اللبناني بأسا في ان يسمي شقيقه السوري ( الذي هو واياه شعب واحد في دولتين ) .. "زبر " سوري وهي تسمية معممة ومتداولة ويعرفها السوريون.
وكذلك تجد ان اغلب السوريين بما فيهم المثقفين يؤيدون وجود الجيش السوري في لبنان لان اللبنانيين " منايـ.."" ويستحقون هذا وكذلك لانهم يكرهوننا.
ربما يبدو ما اذكره هنا هو خروج عن النسق الكتابي المحتشم للكتابة العربية وانه خطاب تعميمي، ولا انفي هذا الا اني اقول انه يمثل الغالبية من الشعوب العربية وجماهيرها الزاحفة نحو الوحدة كما يرطن منظروها.
انه التاريخ غير المكتوب للقومية العربية... التاريخ الاجتماعي الذي ينضح عنصرية في تعامل هذه الشعوب مع بعضها البعض.
واذا اكتفي بالعنصرية العربية البينية لي ان اشير الى ان العرب من اشد الشعوب عنصرية ممارسة ولفظا وسلوكا ضد الجنسيات الاخرى (الاسيوية تحديدا ) المتواجدة على اراضيها حتى لتبدو العنصرية العربية البينية مقارنة بالعنصرية اتجاه الشعوب الاخرى مجرد مزاح خفيف.
واذا كنت لن ادخل فيها فلي ان اشير فقط الى ان اعلانات كثيرة تنشر في الصحافة الخليجية على الملأ ( دون ان يرف جفن لاحد ولا حتى منظمات حقوق الانسان العربية التي تكاثرت كالفطر) ... خادمات للتنازل/ خادمات فقط بـ 999 ريال(متبعين الاسلوب الامريكي في التسعير ) / مطلوب خادمة على ان لا يتجاوز سعرها كذا / ازواج للتنازل (المقصود هنا خادمة وزوجها).
هذا ما هو معلن كتابة اما ماهو شفهي وماهو مخفي تجعلنا نمجد شتى العنصريات الاخرى.

شاعر وكاتب سوري

[email protected]