تقول الحكمة التقليدية (من أمن العقاب أساء الأدب). ولكن ما يجري في العراق هو ليس إساءة أدب لكي يعالج بالنقد والتوبيخ، بل هو إرهاب تدميري منظم، يحتاج إلى مواجهة حازمة ورد فعل تعادله في المقدار وتعاكسه في الاتجاه، حسب القاعدة الفيزيائية المعروفة. والوضع في العراق بلغ حداً لا يطاق بسبب تصاعد موجة الجريمة المنظمة وجماعات القتل من الإرهابيين الإسلاميين الذين اتخذوا من قتل العراقيين أقصر طريق للدخول إلى الجنة، والمجرمين العاديين الذين تبنوا القتل وخطف الأبرياء أسهل وأسرع وسيلة للثراء الفاحش. لذلك فأي حديث عن الديمقراطية في مثل هذه الفوضى العارمة، يعتبر حديث هراء ونكتة بائسة ما لم يقضى على الإرهاب أولاً وقبل كل شيء.
باختصار، وكما أعتقد جازماً، أن سبب تفشي الجريمة في العراق هو غياب العقاب المناسب. وسبب ذلك كما يبدو هو خوف الحكومة الانتقالية من تهمة التجاوز على الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبذلك فقد اختارت دواءً غير ناجع أدى إلى استفحال المرض وتدهور صحة المريض، أي اختارت حماية "حقوق" المجرمين على حساب حقوق الشعب وكأن هذه الحكومة تحكم في سويسرا وليس في غابة اسمها العراق، تسرح وتمرح فيها الوحوش الكاسرة كما تشاء. إذ يعتقد المسؤولون في السلطة الانتقالية، أن استخدام القبضة الحديدية في مواجهة الإرهابيين يعتبر تجاوزاً على حقوق الإنسان. وماذا عن حقوق الضحايا؟؟

قلنا مراراً وتكراراً، أن النظام الفاشي الساقط أعاد العراق إلى الوراء في سلم التطور الحضاري... إلى ما قبل تكوين الشعوب وتأسيس الدولة. ونتيجة للظلم والاضطهاد والفقر والحرمان والاستلاب، أغرق حكم البعث شريحة واسعة من الشعب في ظلام الجهل والتخلف وجعل من الإنسان العراقي عدواً لنفسه، يعمل على الدمار الشامل وتدمير الذات، فكما تقول الحكمة: (يفعل الجاهل بنسفه كما يفعل العدو بعدوه). وما ظاهرة مقتدى الصدر وجماعات الإرهاب والاستمرار في ممارسة جرائم الاختطاف وتفجير الأنابيب النفطية إلا دليل على ذلك. لقد حكم صدام حسين العراقيين بالقبضة الحديدية وعاملهم بأشد العقوبات فيما لو شقوا له عصا الطاعة. لقد أخصاهم وسلب منهم رجولتهم وجعلهم كالخرفان يهش عليهم بعصاه الغليظة كما يشاء. وأحال الشعب العراقي إلى وضع بحيث لا يصلح لأي حكم عدا حكم القبضة الجديدة. وفجأة انتهى النظام الفاشي واختفي صدام في جحر كالفأر المذعور، فخرج المخصيون وخرفان الأمس ليعوضوا عما فاتهم ويؤكدوا رجولتهم المهانة وكرامتهم المهدورة بالعنتريات الصبيانية عن طريق تحدي الحكومة المسالمة بارتكاب الجرائم البشعة والانتقام العشوائي لكي يثبتوا أنهم شجعان بواسل ورجال أشداء!! ولكن الانتقام مِن مَن؟ طبعاً ليس الانتقام من الفاشية البعثية المسؤولة عن كل ما لحق بهم من تعسف وضيم، بل الانتقام من أبناء شعبهم ومن القوى التي حررتهم وأعادت لهم كرامتهم،. فقام هؤلاء بتدمير ممتلكات الدولة وجرائم السرقة وخطف النساء والأطفال والموظفات الأجنبيات في المؤسسات الإنسانية اللواتي جئن لتقديم خدمات للشعب العراقي... (فما أشرفكم!).

نعم، كما ذكرنا وذكر غيرنا مراراً وتكراراً، أن ما يجري الآن في العراق هو عبارة عن خرّاج كبير مليء بالقيح العفن وقد حاول النظام البائد منع انفجاره بالقهر والاضطهاد، وقد انفجر بعد سقوطه ليزكم الأنوف برائحته النتنة، أو كما وصفه جاك شيراك (بفتح صندوق البندورا) أي صندوق الشر أو أبواب جهنم، كما يحلو للأعراب وصفه، فلا فرق.

و بعيداً عن المجاملات الرخيصة المبتذلة في مدح الذات ، ودون إصدار أي حكم متعسف ضد الإنسان العراقي فما جرى ويجري الآن ، فالحقيقة يجب أن تقال حتى ولو كانت قاسية . لذلك نقول إن ما يجري في العراق الآن هو تعبير عما يكمن في طبيعة الإنسان من شرور. ويجب عدم إخفاء الحقائق العلمية عن طبيعة هذا الإنسان المنحدر من الحيوان كما يؤكد العلم ذلك . وهذه الحقيقة المرة عن طبيعة الإنسان الشريرة كشفها الفيلسوف ال إ نكليزي توماس هوبز عندما قال : " ال إ نسان ذئب لأخيه الإنسان، والعالم هو غابة من الذئاب، وإذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب! لذلك ينبغي تنظيم المجتمع بطريقة عقلانية من أجل تحجيم هذه النزعة الوحشية الموجودة في أعماق ال إ نسان، ومن اجل التوصل إلى مجتمع مدني، متحضر". وكما قالت فنانة تشكيلية عراقية "أن العراق كان في عهد صدام حسين سجناً أما الآن فهو غابة."

إن التساهل إزاء الإجرام خطر كبير على المجتمع حتى ولو كان هذا التساهل نتيجة لنوايا حسنة، فالحكمة تقول:(الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة). لذلك، أضيف صوتي إلى غيري من الكتاب الأفاضل الحريصين على أمن وسلامة الشعب العراقي وكتبوا في هذا الموضوع، مثل الأساتذة عزيز الحاج ورياض الأمير وعبدالإله الصائغ وغيرهم كثيرون، أن على حكومة الأخ الدكتور أياد علاوي استخدام السياسة الحازمة لمواجهة الإرهابيين الذين اختاروا ذبح العراقيين لضمان دخولهم الجنة وجماعات القتل الذين سلكوا اختطاف الأطفال والأجانب للثراء الفاحش السريع. نؤكد للمرة المائة، إن العامل المشجع لتفشي الجريمة في العراق هو غياب العقوبة. وأبناء شعبنا من رجال الشرطة الشجعان والمدنيين الأبرياء هم الذين يدفعون الثمن الباهظ بدمائهم الزكية. فالشرطة تلقي القبض على المجرمين من عصابات القتل والخطف، ليتدخل شيوخ العشائر وحتى بعض المسؤولين السياسيين فيتم إطلاق سراحهم بعد أيام وحتى ساعات، دون أية محاكمة أو عقوبة. أو تقوم القوات متعددة الجنسيات بإطلاق سراح المئات منهم من المعتقلات بحجة عدم وجود أدلة ثبوتية، ليعودوا إلى ممارسة جرائمهم. فالعملية سهلة تمر دون عقاب. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قبل أشهر ألقت الشرطة العراقية الشجاعة القبض على عصابة في الموصل ، كانت تمارس خطف الأطفال والإعتداء الجنسي عليهم وذبحهم، حسب اعترافاتهم. لحد الآن لم نسمع بأية عقوبة بحقهم، وربما أطلق سراحهم، من يدري!! كان المفروض فضحهم والتشهير بهم على شاشات التلفزة، ولكن هذا التشهير يزعج دعاة حقوق الإنسان المترفين في أربا!!

فمنذ سقوط نظام بعث العهر والفاشية والجهل والمقابر الجماعية، والمجرمون يعبثون بأمن الشعب دون خوف ولم نسمع لحد الآن عن تقديم أي مجرم منهم إلى المحاكمة؟ فإلى متى ينتظر الشعب لمعاقبة هؤلاء؟ فللصبر حدود وقد بلغ السيل الزبى، كما ردد ذلك كثيرون من أبناء شعبنا. وأنا من الذين دعمتُ وما زلت أدعم الحكومة الانتقالية لإعطائها الفرصة الكافية لتثبت جدارتها وتؤكد مصداقيتها وذلك بتحقيق أثمن مطلب من مطالب الشعب ألا وهو الأمن وتوفير الخدمات. والحكومة لحد الآن قاصرة في هذين المجالين. نعم، كلنا نعرف الصعوبات الكثيرة التي تواجهها السلطة، ولكن المطلوب أيضاً من السلطة أن تواجه هذا الإجرام بمنتهى الحزم والصرامة.
يجب على الحكومة أن لا تتهيب من استخدام الحزم إزاء المجرمين بحجة الخوف ً من أن يقولوا عنها أنها تبنت سياسة صدام وما الفرق بينها وبين صدام حسين في استخدام القبضة الحديدية. إنه اتهام مشبوه وباطل ومصدره هو أيتام صدام المتسربلين بثياب الديمقراطية وحقوق الإنسان وهدفهم الحقيقي هو حماية الإرهابيين من العقاب وبالتالي صوملة العراق. لذلك نقول لمن ينتقد الحكومة من هؤلاء "العقلاء" إن صدام حسين استخدم العنف والقسوة البالغة ضد الأبرياء من أبناء الشعب، أما الحكومة الحالية فعليها أن تستخدم ذات العنف ولكن ضد الإرهابيين وجماعات القتل المنظم. وشتان بين الحالتين.

كذلك هناك بعض السياسيين العراقيين الذين اختاروا الجلوس على التل والتفرج على ما يجري من مآسي واكتفوا بتوجيه النقد المشبوه للحكومة، فبدلاً من أن يلعبوا دوراً إيجابياً في هذه العملية، اختاروا طريقاً انتهازياً سهلاً وهو مطالبة الحكومة بتبني "الحل السياسي" بدلاً من الحل العسكري. إنه قول حق يراد به باطل، سهل على الورق وفي التصريحات أمام الفضائيات ولكن صعب التطبيق على أرض الواقع. لقد حاولت الحكومة الحل السلمي وفشلت على طول الخط، لأن الإرهابيين لا يريدون الحل السياسي بل هدفهم إعادة البعث للسلطة أو تأسيس أمارة طالبانية في العراق.
والسؤال هو: التفاوض مع من؟ مع الزرقاوي الذي صرح مراراً وتكراراً أنه يريد قتل رئيس الحكومة ويسعى ليتخذ من العراق قاعدة له ينطلق منها إلى الدول المجاورة وغيرها ليقيم دولة الخلافة الإسلامية؟ أم مع عصابات خطف وقتل الأبرياء؟ أم مع عبدالله الجنابي "أمير المؤمنين لإمارة الفلوجة"؟ أم مع يوسف القرضاوي، الاخواني والمرشد الديني لقناة الجزيرة ومفتي الإرهاب؟ أفتونا يرحمكم الله. كفى هذا النفاق الرخيص والإنتهازية السياسية والتلاعب بعقول العراقيين والعرب المشوشة عقولهم أصلاً وقليلاً من الشعور بالمسؤولية.
نحن لا نعتب على كتبة وشعراء "المقاومة" الذين تعج بهم مواقع الإنترنت والفضائيات العربية والمقيمين بالدول الغربية ومتنعمين بنعيمها، أو جماعة (علماء المسلمين في العراق) الناطقين الرسميين لما يسمى بالمقاومة ضد الاحتلال، مستغلين تساهل الحكومة معهم ليظهروا شجاعتهم المزيفة ورجولتهم وكرامتهم المهانة التي داسها صدام حسين بالحذاء خلال 35 عاماً؟ ولكننا نعتب على بعض القادة السياسيين الذين هم شركاء في الحكومة أو مرشحين ليلعبوا دوراً إيجابياً في مستقبل العراق الذين م اانفكوا يطالبون الحكومة بالحل السلمي!!! ما هو دوركم أنتم أيها السياسيون من قادة الأحزاب السياسية في تهدئة جماعات "المقاومة"؟ ومن منعكم للتفاوض مع المتمردين؟ فبدلاً من إطلاق الكلام على عواهنه الذي لا يكلفكم شيئاً، مارسوا شيئاً من العمل الإيجابي لكي تعرفوا ماذا تريد هذه "المقاومة" العتيدة وإن كان الحل السياسي فعلاً له تأثير على إيقاف هذه النزيف.

خلاصة القول، نعتقد أن سبب تفشي الإرهاب والجريمة هو غياب العقاب. لذلك نطالب الحكومة أن تتخذ الإجراءات الرادعة والحازمة من الآن. يجب عدم التساهل مع المجرمين مطلقاً، ومحاسبة جميع الداعين إلى ما يسمى بمقاومة الاحتلال والمروجين لها وخاصة أعضاء ما يسمى ب(هيئة علماء المسلمين) وتقديمهم للمحكم، فهم الواجهة العلنية للإرهاب رغم نفيهم المتكرر. كذلك عدم إطلاق سراح من يتم القبض عليهم من المجرمين إلا بعد محاكمات قانونية عادلة لإثبات براءتهم، والإسراع في تنفيذ عقوبات من تثبت أدانته ومنها تنفيذ حكم الإعدام ليكون رادعاً للآخرين. كما ونطالب بعدم طرد المسلحين الأجانب، كما يطالب البعض، نعم منع دخولهم ولكن الذين دخلوا هم مجرمون إرهابيون دخلوا بلادنا ليقتلوا أبناء شعبنا وأغلبهم شارك في هذه المجازر، لذلك فعلى أي أساس تكون عقوبتهم الطرد فقط، بل يجب محاكمتهم وعدم تركهم إلا بعد نيل جزائهم العادل وليكونوا عبرة لمن اعتبر.